سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد الغفار شكر: لم يبقى من ثورة يوليو إلا الذكريات الجميلة.. نظام "مبارك" لا يعبر أبدا عن مبادئ الثورة ومقارنته بنظام عبد الناصر ظالما كبيرا.. الإقطاعيون الجدد سيطروا علي مجلس الشعب
الشعب هتف وثار بعد هزيمة 67 والان نعيش اكبر النكسات والمصريون لا يتحركون توجه عبد الناصر العربي لم يكن خطئا لأنه لا يوجد عاقل يعيش في هذا العالم وحده نعيش هذه الأيام ذكرى ثورة 23 يوليو .. هذه الثورة التي أحدثت دويا انعكس على المنطقة العربية كلها أن لم تكن قد انعكست على أحداث تغيير في السياسة الدولية كاملة وفي الوقت نفسه أحدثت الثورة زلزالا اجتماعيا أطاح بفئات وطبقات اجتماعية كانت تملك كل شئ وخلقت أوضاعا اجتماعية واقتصادية وسياسية جديدة .. هناك أكثر من عين يرى بها الناس ثورة يوليو فهناك من يراها سببا في تدهور أحوال مصر في كل المجالات وهناك من يراها سببا في انتشال مصر من ظلم وفساد وتخلف كان متفشيا ولكي يزول كان لابد من ثورة.. وفي ذكرى الثورة تمر على مصر أحداثا عصيبة داخلية وأبرزها هو أحوال المواطن المصري المعيشية التي تدهورت وكانت الطبقة الوسطى المصرية هي أكثر من دفع ثمن هذا التدهور وما مشهد العمال المعتصمين على رصيف مجلس الشعب الا صورة معبرة عما وصل إليه حال المواطن المصري البسيط من تدهور وفي هذا الحوار نلتقي بواحد من الذين عاصرو ثورة يوليو وكان واحد من الشباب اليساري الذي انضم للثورة بعد ان حققت المزيد من المطالب التي كان ينادي بها اليسار المصري والعديد من القوى السياسية الموجودة وقتها.. "مصر الجديدة" التقت المفكر اليساري الكبير والقيادي بحزب التجمع " عبد الغفار شكر " الأمين العام لمنظمة الشباب الأسبق والقيادي بالاتحاد الاشتراكي العربي وهو التنظيم السياسي الوحيد في عهد جمال عبد الناصر وكان هذا الحوار: - في ظل الاعتصامات والاضرابات العمالية التي تشهدها مصر حاليا .. كيف كان حال العامل قبل ثورة يوليو وبعدها في عهد عبد الناصر ؟ = نستطيع أن نقول أن عهد الثورة هو العصر الذهبي للعامل المصري و مكاسب العمال في ظل ثورة 23 يوليو على تعزيز مكانتهم في العملية الإنتاجية بل أضيف إلى ذلك تحسين أحوالهم المادية بتقرير الحد الأدنى للأجور ابتداء من تحديد الحد الأدنى لعمال الزراعة في أواخر عام 1952، إلى تحديد الحد الأدنى لكل الشرائح العمالية بعد ذلك، وإقرار مبدأ العلاوة الدورية، وضم الحوافز إلى الأجور، وتطبيق نظام التأمينات الاجتماعية والمعاشات على كل الشرائح العمالية، والاستفادة من نظم التأمين ضد المرض والشيخوخة وإصابات العمل مما ضمن لأسرهم المعاش المناسب في حالة وفاتهم وضمن لهم المعاش المناسب في حالة عجزهم عن العمل، وقد ألزمت قوانين المعاشات والتأمينات الاجتماعية أصحاب الأعمال أن يسددوا نسبة من الاشتراكات وأصبح هذا النظام بذلك إجباريا يشمل كل الشرائح العمالية، وهناك جانب هام في هذه التطورات الايجابية بالنسبة للعمال وتمتعهم بحقوق متزايدة، يتمثل في التشريعات العمالية التي قننت هذه الحقوق باعتبارها حقوق مكتسبة لا يجوز التراجع عنها، وقد بدأ هذا التطور التشريعي بمبدأ كان بمثابة تحول تاريخي في الوضع القانوني للعمال طالما ناضلوا من أجله وهو منع الفصل التعسفي الذي صدر به قانون في الأيام الأولى للثورة، وتبعه الإقرار لأول مرة في مصر يحق عمال الزراعة في تكوين نقاباتهم، وقوانين الحد الأدنى للأجور، وتحديد ساعات العمل وتخفيضها من 50 ساعة أسبوعيا سنة 1957 إلى 48 ساعة أسبوعيا سنة 1958 إلى 42 ساعة أسبوعيا في بداية الستينيات، أي ما يعادل سبع ساعات يوميا دون مساس بالأجر، وكذلك قوانين التأمينات الاجتماعية والنقابات العمالية التي اكتمل بنياتها بتشكيل الاتحاد العام لعمال مصر، وقوانين العمل التي نظمت علاقات العمل كقانون العمل الفردى وقانون العاملين بالقطاع العام وقانون العاملين بالحكومة، وهكذا ومن جملة هذه التطورات التي شملت وضع العمال في منشئات العمل وعلاقتهم بأرباب العمل ونظم الأجور والمعاشات. - هل معنى ذلك أن اهتمام الثورة بالعامل كانت نتيجة اهتمام الثورة بالصناعة ؟ = بالطبع وذلك لان عبد الناصر ونظام يوليو كان عندهم رؤية إستراتيجية لإحداث نهضة صناعية ولن تقوم نهضة إلا بالعامل بالإضافة إلى أن العدالة الاجتماعية كانت في نظر الثورة هي المدخل الحقيقي لاستقرار المجتمع المصري كما أنها كانت ترى أيضاً أن تصنيع مصر هو المدخل الحقيقي لتقدم المجتمع وزيادة قدرته على الوفاء بالاحتياجات المتزايدة للمواطنين. - وماذا عن الحقوق النقابية والاجتماعية ؟ = نمو الطبقة العاملة المصرية كان يسير بمعدلات أسرع بالنسبة للعمال المتعلمين الذين لعبوا دورا هاما وقياديا بالنسبة لمجمل عمال مصر وخاصة في النشاط النقابي العمالي، وظهر جيل جديد من القادة النقابيين متميز فنيا ومؤهل علميا يثق في قدراته ويفهم حقوقه فلعبوا دوراً جديداً بالنسبة للنشاط النقابي جوهره التفاعل مع إدارة القطاع العام لحل المشاكل العمالية وتحسين الخدمات الطبية والثقافية والاجتماعية المقدمة لهم، وتعززت مكانة العمال في العملية الإنتاجية من خلال تمتعهم بحق جديد هو حق المشاركة في الإدارة والإرباح، ونجح العمال في أن يكونوا طرفا أساسيا في العملية الإنتاجية من خلال هذه المشاركة وقيامهم بدورهم كأعضاء منتجين في مجالس إدارات شركات القطاع العام وكذلك كأعضاء في اللجان النقابية التي منحتها التشريعات دوراً مكملا للإدارة. - وهل ترى أن نسبة 50% من العمال والفلاحين كانت مبررة ؟ = بالطبع كانت مبررة فالظلم الاجتماعي الذي كان واقعا على أغلبية الشعب المصري قبل الثورة كان مبررا لان يكون هؤلاء الأغلبية هم نواة النظام السياسي الجديد فهم أصحاب البلد الحقيقيين وهم الذين تحملو أبشع ألوان العذاب من قبل الإقطاعيين والأجانب ولذلك وفي ظل الأوضاع الجديدة التي أكسبت العامل ثقافة المشاركة في صنع القرار داخل منشئاته التي يعمل بها جاء حقهم في تولي نسبة لا تقل عن 50% من المقاعد في المجالس الشعبية المنتجة مثل مجلس الشعب والمجالس المحلية، وكذلك المستويات القيادية للاتحاد الاشتراكي العربي، وأصبح العمال إحدى القوى الاجتماعية الخمس التي تشكل تحالف قوى الشعب العاملة باعتباره القاعدة الاجتماعية للسلطة السياسية البديل عن تحالف الإقطاع ورأس المال. - ولكن هل ترى من يمثلون العمال الآن في مجلس الشعب يصلحون لذلك ؟ = بالطبع الزمن قد تغير وأصبح هناك إقطاعيين جدد يدخلون مجلس الشعب تحت راية العمال والفلاحين وهذا نتيجة عدم وضوح رؤية للنظام السياسي القائم في مصر ففي ظل تمسكه بعدم الغاء نسبة ال 50% نراه في نفس الوقت يحابي رجال الاعمال ويجعلهم المالكين الحقيقيين للبلد فهم أصحاب المال والثروة وهم أيضا الوزراء والسياسيين ، وارى أن هذه النسبة الآن غير واقعية ولا تعبر بأي حال من الأحوال على أن نصف مجلس الشعب هم من العمال وإنهم يشرعون لصالح العمال فالواقع أن التشريع يتم لصالح رجال الاعمال ويهضم بشكل مباشر حقوقهم - لكن ألا ترى أن ثورة يوليو هي التي غيبت الجماهير عن السياسة وأدت لما نحن فيه الآن ؟ = أولا الشعب المصري في عهد عبد الناصر في الخمسينات والستينات لم يكن مغيبا أو على الأقل كانت الحكومة تعمل من اجله وكان راضيا عن الحكومة ولم يكن بحاجة إلى أن يعترض عليها ولكن ما ان وقعت مصيبة 5 يونيو الا وتحركت الجماهير في 10و9يونيو 1967 رفضا للهزيمة العسكرية وهتفوا ضد النظام وطالبو بمحاسبة المقصرين وكانت النتيجة في المحاكمات العسكرية التي تمت والتي اعترض عليها الشعب أيضا ولذلك فلا نقل أبدا أن الشعب كان غائبا بل الشعب كان ينتفض في الوقت المناسب، اما الآن فالشعب لا يتحرك ونحن نعيش هزيمة شاملة في كل الميادين لماذا لا تحركها الكوارث الكبري التي أحاطت بالبلاد، وذلك لان حفنة محدودة من رجال الأعمال يستأثرون بالجزء الأكبر من ثروات البلاد ويحصلون علي معظم الدخل القومي وينهبون عرق المصريين وثرواتهم، حفنة محدودة من معدومي الضمير والفاسدين يتسببون في الكوارث التي يروح ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين ما بين حوادث القطارات والطرق وغرق العبارة وحريق قصر ثقافة بني سويف، مما أدى إلى حالة من الإفلاس الروحي الذي دفع آلاف الشباب للهجرة خارج البلاد يتعرضون للموت في سعيهم للهجرة غير الشرعية إلي أوروبا، ورغم أن جماعات من النخبة تدعو إلي المقاومة وترفض هذه الأوضاع وتطالب بمحاكمة المسئولين عن الفساد وعن نهب المال العام، فإن الجماهير لا تنضم إليها في تحركاتها ولا تشاركها احتجاجاتها وذلك نتيجة لسياسات الحكم الراهن وإنجازاته التي تتمثل في حصار النظام كل مجالات النشاط الجماهيري، ومنافذ الوعي السياسي، وضرب الأحزاب السياسية في الصميم وإخضاع المنظمات الجماهيرية لحصار أمني شديد مستخدما أجهزة الإعلام الجماهيرية في تضليل الجماهير وإشاعة الجهل بين الناس، والترويج للحل الفردي بديلا عن التضامن الجماعي لمختلف القوي الاجتماعية من أجل حل مشاكلها، نتيجة لهذا كله فإننا لا نعجب من غياب التحركات الجماهيرية حول قضايا الوطن والقضايا السياسية العامة. - ولكن ماذا عن الغاء الأحزاب السياسية في عهد عبد الناصر واحتكار اتخاذ القرار ؟ = أولا أنا ضد غياب الديمقراطية وضد الحكم الفردي ولكن ثورة يوليو جاءت في وقت كان الفساد قد استشرى في كل الأحزاب القائمة وكان لابد من خلق نظام جديد وهذا النظام لم يكن ليقوم إلا على قاعدة اجتماعية صحيحة فلا يعقل أن اطالب فلاحا حافي القدمين ان يضع صوته في الانتخابات ويختار من يمثله دون ان يتأثر هذا الفلاح برأي "الباشا" أو "البيه " الذي يعمل في حقله أو الخواجه الذي يعمل عنده فكان لابد أولا من إقامة عدالة اجتماعية ثم تليها ديمقراطية سياسية وهذا ما كان يفعله عبد الناصر الا أن الاستعمار كان دائما ما يضغط عليه بالحروب وبإسرائيل لكي يعطله عن انجاز ذلك - ولكن هذا أدى في النهاية إلى ما نحن فيه من أوضاع سياسية توصف بأنها فاسدة ؟ = النظام القائم لا يعبر ابدا عن الثورة ولا عن مبادئها ومن الظلم أن نقول أن النظام الذي كان يحكمنا في الخمسينات والستينات هو الذي يحكمنا إلى الآن ولا حتى هو الذي كان يحكمنا في السبعينات ، فالسادات كان يحكم بشكل فردي وكذلك مبارك ولذلك لم يبني واحدا منهم على ما بدئته الثورة ولذلك فالإستراتيجية التي تحكمنا تغيرت ومن الظلم ان نحمل أخطاء النظام الحاكم لما سبقه. - الا ترى ان عبدالناصر أرهق المصريين بتوجهاته العربية التي كبدتنا خسائر فادحة تمثلت في أربع حروب مع إسرائيل بعد الثورة ؟ = لا يوجد احد في العالم يعيش وحده فالأوروبيون يتوحدون خلف اتحادهم الأوروبي، والأمريكان يقومون بعمل حلف الناتو والاتحاد السوفيتي كان يتزعم حلف وارسو ولهذا من الغباء ان تعيش مصر بمعزل عن جيرانها العرب ، وعبد الناصر وعي لذلك وكان يرى ان امن مصر القومي لن يتحقق الا بأمن جيرانها وبخاصة فلسطين التي تحتل من الكيان العنصري الغاصب " إسرائيل " ولذلك نستطيع ان نقول ان مصر كانت تدافع عن أمنها القومي الذي كانت تهدده إسرائيل التي ترى ان دولتها تمتد من النيل في مصر إلى الفرات في العراق وتساندها في ذلك قوى استعمارية لها مطامع في مصر باعتبارها الدولة الكبرى في المنطقة ولذلك فان كل ما فعله عبدالناصر انه كان يريد ان تعيش مصر حرة وسط العالم والاستعمار هو الذي فرض عليه الحروب .. ولكن المفارقة انه وقت هذه الحروب كانت عجلة الإنتاج تعمل ومعدل النمو يتزايد والحالة الاقتصادية كانت في تحسن والأوضاع المعيشية كانت ممتازة ام في وقت السلام " الكاذب " فلم تجني مصر الا مزيدا من الفقر والاحتقان الاجتماعي وغياب المواطنة والتخلف العلمي والتكنولوجي بالإضافة إلى تدهور مكانة مصر الدولية والتي تمثلت في أنها بعد كانت زعيمة العرب أصبحت الان مجرد تابعا لأمريكا واصبحت هناك دويلات صغيرة لا ترقى ان تكون احد أحياء القاهرة لها وزن في السياسة الدولية عن مصر - ماذا تبقى من ثورة يوليو ؟ = لم يبقى منها الا أفكارها ومبادئها وبعض الذكريات الجميلة في أذهان من عاصروها اما الواقع المعاصر فهو بعيد كل البعد عما كان موجودا.