قبل عشر سنوات فقط، لم تكن ما يطلق عليها اليوم "أكبر سوبر ماركت في العالم"، سوى قرية صغيرة في جنوب الصين، أهم ما كان يميزها هو هجرة أبنائها للعمل في المدن المحيطة و المجاورة هرباً من الفقر. اليوم، و بعد هذه السنوات العشر، انقلبت الآية، و تحولت القرية الطاردة لأبنائها والتي يفصل بينها و بين شانغهاي، العاصمة الاقتصادية للصين، حوالي 300 كيلو متر فقط، لواحدة من أكثر المدن الصينية جذباً ليس فقط لهؤلاء الذين أتوا من كل مكان على أرض الصين للعمل فيها، و إنما أيضاً لهؤلاء الذين أتوا من كل فج عميق بحثاً عن كل ما يمكن أن تتخيله من منتجات. «إبراهيم الهريني»، رئيس منتدى رجال الأعمال العرب، واللجنة التأسيسية للجالية العربية في الصين، قال ل«المصري اليوم» إن «إيو لم تكن موجودة على الخريطة الصينية»، وقال إن من زار إيو في نهاية التسعينيات «لا يمكن أن يتخيل» أن تكون هي نفسها «إيو» الموجودة حالياً، والتي أصبحت «من أوائل المدن التجارية في العالم»، وبها سوق الفوتيان «أكبر سوق تجاري في العالم» ويرى «إبراهيم الهريني» أن التطور الذي شهدته المدينة يرجع إلى «حسن الإدارة والتسويق الإعلامي». «محمود عمران»، مصري مقيم في «إيو» منذ سنوات، يرى أسباب أخرى ساهمت في جذب المستثمرين في المدينة، من بينها أن الحياة فيها أرخص من الحياة في أي مدينة تجارية أخرى في الصين مثل جوانزو، سواء في الفنادق أو المعيشة أو حتى التاكسي، الذي يبدأ العداد فيه في جوانزو بعشرة يوانات بينما يبدأ في إيو بستة يوانات و نصف اليوان. كانت البداية حينما قررت الحكومة الصينية تخفيف عبء الفقر عن سكان "إيو" الذين كان يعمل من تبقى منهم في القرية في الزراعة. قررت الحكومة بناء عدد من الأسواق في المدينة، و تحويل منتجات المدن الأخرى إليها، خاصة بعد تأسيس مركز التجارة العالمية في المدينة سنة 2002، و هو المركز الذي تبلغ مساحته أكثر من مليون متر مربع، و يحتوي على أكثر من ربع مليون صنف، و تُشحن منه أكثر من 1000 حاوية بضائع يومياً. في مطعم الهرم، في «إيو» قال «محمود الشناوي»، ل«المصري اليوم» إن المدينة كانت «فقيرة جداً» عندما زارها للمرة الأولى في 2001، وأنه لم يكن بها أسواق كبيرة، وإن التاجر الصيني كان يعرض منتجاته في سلة بلاستيك، وكان يذهب للتجار الأجانب في الفنادق ليعرض عليهم بضاعته. الاهتمام بالحدائق و التجميل و بالمساحات الخضراء، من أهم ما يلفت نظر أي زائر لإيو، فالبقعة الخضراء هنا تطغى على ما سواها، كما أن النظام و النظافة يبديان و كأنهما شعار لكل سكان المدينة، و التي رغم هذا العدد الضخم من سكانها و زوارها لا تعاني من أي تكدس مروري، فالتكدس المروري هنا لا يزيد عن نصف ساعة وقت الذروة، بعدها يعود كل شيء لطبيعته. الرقيب هنا في «إيو» ليس الكاميرات المثبتة لمراقبة السيارات على الطرق فقط، وإنما كل إنسان هنا رقيب على نفسه. في حديثه ل«المصري اليوم» قال «حسين البربري» صاحب مطعم «بربريسكا» في «إيو»: هنا ميزة، إذا أردت أن تعمل ستعمل، إذا أردت أن تصلي ستصلي، إذا أردت أن تذهب لديسكو أو مساج ستذهب، يوجد حرية، وأضاف : أنا في الصين منذ 6 سنين لم يستوقفني أحد ويسألني عن جواز سفري أو رخصة قيادتي، سافرت بسيارتي من «إيو» ل«جوانزو» مسافة 1600 كيلو متر، ولم يستوقفني أحد ليسألني عن رخصتي. شهدت «إيو» خلال 10 سنوات «طفرة اقتصادية مهولة» كما قال لنا «محمود الشناوي» الذي ربط بين نهضة «إيو» ونهضة الصين بشكل عام قائلاً: من قال «مارد صيني» لم يبالغ، هذه البلد نجحت في 15 سنة فقط، الصين في الحرب العالمية الثانية كانت مدمرة تماماً ونهضت بسرعة البرق، وأصبحت قوة اقتصادية ضخمة.