واجب الناقد، ولا شكر على واجب، الذى يكتب بالعربية عند متابعة أى مهرجان دولى، أن يهتم بالأفلام «من وعن العالم العربى»، لأنه يتوجه بعمله إلى القارئ العربى، وقد شهد مهرجان برلين 2012 عدداً غير مسبوق من الأفلام من وعن العالم العربى فى إطار الاهتمام الدولى الكبير بما أطلق عليه فى الغرب «الربيع العربى» بعد الثورات ضد الديكتاتورية فى تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا مطلع العام الماضى. أردت مشاهدة كل الأفلام، ولكنى مع الأسف لم أشاهد الفيلم الأردنى الروائى الطويل «الجمعة الأخيرة» إخراج يحيى العبدالله، لأن عرض «الصحافة» كان مفتوحاً للجمهور بتذاكر، ولا يتاح للصحفيين إلا إذا كانت هناك مقاعد خالية، وهو ما يحدث فى كل العروض مع الأسف ماعدا عروض البرنامج الرسمى كما أن عرض الفيلم تأخر أكثر من نصف ساعة «لأسباب فنية»، وهو أمر نادر الحدوث فى المهرجانات الكبرى. كما لم أشاهد الفيلم البريطانى «أخى الشيطان» إخراج المصرية سالى الحسينى، الذى عرض فى «البانوراما» مثل الفيلم الأردنى، لكن فى صالة بعيدة عن موقع المهرجان، وكان من الصعب المغامرة بالذهاب دون ضمان وجود مقعد خال، فضلاً عن درجة الحرارة التى وصلت إلى 13 تحت الصفر، وكان المعتاد فى برلين 3 أو 4 تحت الصفر. مواهب جديدة كان الحدث العربى أن الدورة ال62 من المهرجان الدولى الكبير شهدت الإعلان عن مولد أربع مواهب مصرية جديدة فى أفلام عن مصر، لكنها من الإنتاج غير المصرى، وهم المخرجات سالى الحسينى ومى إسكندر وحنان عبدالله، والمخرج نامير عبدالمسيح. ولدت سالى الحسينى فى بريطانيا لأسرة مصرية مهاجرة، وأخرجت فيلماً قصيراً عام 2008، وفيلماً تسجيلياً عام 2009، و«أخى الشيطان» فيلمها الروائى الطويل الأول إنتاج بريطانى واشترك فى إنتاجه المنتج المصرى المعروف محمد حفظى، مؤسس ومدير شركة «فيلم كلينك» المصرية. عرض الفيلم لأول مرة فى مسابقة مهرجان صاندانس للسينما المستقلة، الذى عقد فى الولاياتالمتحدة فى يناير الماضى، وفاز بجائزة أحسن تصوير لمدير التصوير، دافيد ريدكير، وكان الفيلم «العربى» الوحيد الذى اهتمت صحف مهرجان برلين الثلاث (فارايتى.. وهوليوود ريبورتر.. وسكرين إنترناشيونال) بنشر ثلاث مقالات نقدية عنه، وكلها إيجابية جداً وترحب بالفيلم وتشيد به، بل إن دافيد أركى فى «سكرين إنترناشيونال» يقول فى مقاله «من النادر أن تجد فيلماً أول يتمتع بهذه الأناقة رغم موضوعه»، ويقصد أن موضوعه عن العالم السفلى فى أوساط شباب المهاجرين الفقراء من المصريين والعرب والقصة عن أخوين مصريين: محمد (فادى السيد) ورشيد (جيمس فلويد)، الذى يرتبط بعلاقة مثلية مع سيد (سعيد طغماوى). ظل رجل تناولنا الفيلم الأمريكى للمصرية الأمريكية مى إسكندر فى رسالة الخميس الماضى، أما المخرجة الثالثة فهى حنان عبدالله التى ولدت فى لندن عام 1988 لأب مصرى مهاجر من مثقفى اليسار فى السبعينيات، وهى شقيقة الممثل خالد عبدالله، الذى حقق نجاحاً ملموساً فى عدد من الأفلام العالمية فى لندن وهوليوود، وقد درست حنان السياسة والفلسفة فى جامعة أكسفورد، ثم درست السينما، وشهد مهرجان برلين العرض العالمى الأول لفيلمها الأول «ظل رجل» الذى أنتج بدعم من منظمات الأممالمتحدة فى «البانوراما». «ظل رجل» تسجيلى طويل مثل فيلمى مى إسكندر، ونامير عبدالمسيح، والعنوان مستمد من المثل المصرى الشعبى «ضل راجل ولا ضل حيطة»، ويعبر عن السخرية المريرة من حال العلاقة بين الرجل والمرأة فى مصر، والأمل فى تغييرها، خاصة بعد ثورة 25 يناير التى اشترك فيها النساء مع الرجال بنفس القدر، والثورة فى الفيلم فى خلفية «الأحداث»، وقد صور أثناءها ولكنه ليس عن الثورة، وإنما عن أربع نساء من أربعة أجيال وأربعة أحوال مختلفة: وفاء فى الستينيات وشاهندة فى الخمسينيات وسوزان فى الثلاثينيات وبدرية فى العشرينيات. بدرية زوجة وأم فى الصعيد (قرية بنى مر)، وكانت تريد أن تكون رسامة، لكنها لم تحقق حلمها، وتزوجت وتستمر فى الحياة مع زوجها فقط من أجل تربية أولادهما، وشاهنده هى الناشطة السياسية المعروفة أرملة شهيد الفلاحين صلاح حسين فى قرية كمشيش بالدلتا، ووفاء فقيرة من أحياء القاهرة القديمة كانت تعمل فى غسيل الملابس فى البيوت، ثم هاجرت إلى لندن، وهى مطلقة، وتجاربها مع الزواج جعلتها تكره كل الرجال. أما سوزان التى تملك محلاً لبيع الهدايا فى حى مصر الجديدة، فلم تتزوج، وفضلت أن تصبح ما يطلق عليها «العانس» بعد عدة تجارب فاشلة مع شباب فى مثل عمرها. يذكرنا الفيلم بتحفة تهانى راشد «أربعة نساء من مصر»، الذى يعد من كلاسيكيات السينما التسجيلية المصرية، لكن فيلم حنان عبدالله رغم تنوع شخصياته وثرائها الإنسانى، يفتقد المونتاج المحكم، حيث هناك ما لا يقل عن عشر دقائق من التكرار والثرثرة من مدته البالغة 65 دقيقة، وإلى الغباء الدرامى الذى يربط بين الشخصيات الأربع، ولا يجيب عن أسئلة لابد من الإجابة عنها فى الفيلم التسجيلى حول ظروف هجرة وفاء إلى بريطانيا، ولماذا وكيف؟، وحول ظروف مقتل صلاح حسين، ولماذا وكيف أصبح ضحية للإقطاع عام 1966 بعد 15 سنة من ثورة 1952، فضلاً عن استخدام وثائق بالأبيض والأسود لحادثة كمشيش دون الإشارة إلى مصدرها، وهى من فيلم تسجيلى قصير أخرجه الراحل سيد عيسى. وبقدر التباس شخصية سوزان بقدر وضوح وجمال شخصية بدرية، والجزء الخاص بها أفضل أجزاء الفيلم من مختلف النواحى. بدرية تحكى بعمق وبساطة فى آن واحد، أما سوزان فلا توضح أسباب ارتدائها الحجاب، ثم تخليها عنه، وهناك شخصية خامسة فى الفيلم هى هبة المنتقبة التى يدور معها أكثر من حوار فى محل سوزان، فهى من الناحية الفنية «زائدة» أو خارج سياق السرد، ولا نعرف ما العلاقة بينها وبين سوزان، كما لا نعرف لماذا هى منتقبة، وكيف تدافع بحماس عن حقوق المرأة فى مصر، وهى ترتدى هذا الزى غير المصرى، وهذه الملاحظات بالطبع لا تغير من حقيقة أننا أمام مشروع فنانة تسجيلية موهوبة وطموح. أما فيلم نامير عبدالمسيح، فسيكون موضوعاً لمقال قادم. [email protected]