على بعد 45 كيلو مترا من القاهرة وتحديدا عند مدخل مدينة بنها، تعيش صبحية مربية الجمال فى صحراء جرداء، وسط خيام منصوبة تحيطها الجمال من كل اتجاه، وهى من سكان مستعمرة الجمال التى تقع على مساحة كبيرة ويسكن فيها أكثر من 50 أسرة. يعيش سكان هذه المستعمرة ومنهم «صبحية» حياه بدائية داخل خيام مصنوعة من قماش بالى، ورغم أنهم محاطون من كل اتجاه بعمارات مرتفعة فإنهم منفصلون عن العالم الخارجى تماما وعندما يقترب منهم أحد من خارج مجتمعهم يخافون ويرفضون التعامل معه، أما الأطفال فهم يبدون فى مرحلة عمرية أكبر من أعمارهم، فعلامات البراءة اختفت وراء ملابس بالية وملامح متسخة. صبحية التى أصبحت أشهر مربية جمال فى المستعمرة، اعتادت أن تجلس كل صباح فى الشارع وسط أولادها وطيورها الأليفة التى تربيها، إلى جانب اهتمامها بتجارة الجمال التى تعتبر مصدر رزقها الوحيد: «التجارة دى ورثناها عن أجدادنا وآبائنا، نشترى الجمل ونربيه حتى يكبر ونبيعه بسعر أعلى». صبحية وزوجها وأولادها لا يعرفون معنى الاستقرار فهم ليسوا مقيمين بشكل دائم فى المستعمرة، بل ينتقلون من بلدة إلى أخرى، من الشرقية إلى بنها ومن بنها إلى قليوب: «لفينا بلاد كتيرة مش عشان راحتنا بس عشان الجمل يرتاح، فأهم شىء عندنا هو نفسية الجمل وتابعت: لو خنتى الجمل هيخونك عامليه بإخلاص وأكليه حتى لا يأكلك». صبحية تعرف أن الحياة التى تعيشها والمكان الذى تقيم فيه، هما مثار دهشة كل من يقترب منها ومن أولادها، لكن أكثر ما يغضبها هو نظرات الاحتقار من الآخرين الذين يرفضون التعامل معها، خاصة من يصفون مستعمرتها بأنها «زريبة بهايم»: «إحنا مش شايفين لنا بلد ولا لاقيين لينا مأوى يأوينا غير هنا، وبصراحة التعامل مع الجمال أفضل من التعامل مع البشر»، ورغم ظروف صبحية الصعبة وعدم قدرتها على القراءة والكتابة، فهى تدرك أنها تعلم ما لا يعلمه المتعلم، فأولاد المدارس المتعلمون، كما قالت، لا يعرفون كيفية التعامل مع الجمل ولا يعرفون أسراره، أما هى فتدرك جيدا كيف تتعامل معه وكيف تكسبه حتى تبتعد عن أذيته. الحياة فى المستعمرة لا تفرق بين رجل وامرأة، فالنساء تعمل إلى جوار الرجال، ويبدأ العمل فى الخامسة فجرا حيث يخرج الرجال للف على الأراضى لشراء أكل الجمال وللبيع، والنساء يبدأن عملهن بتنظيف العشش وطهى الطعام وملء الأوانى بالمياه من مسافات بعيدة. طبقا لتقاليد عائلتها تزوجت صبحية من ابن عمها وأنجبت 3 بنات: «أصل عيب أخرج بره العيلة وبمجرد ما اتجوزت خرجت مع جوزى عشان أشتغل معاه فى نفس المهنة فأنا مهمتى العمل عند الناس فى الأراضى وغربلة الحبوب الغذائية، والأجرة اللى باخدها مقابل عملى مش فلوس ولكن باخد بيض وحبوب غذائية ناكلها عشان توفر علينا شراها من بره». تتمنى صبحية أن تكون رئيسة جمهورية المستعمرة التى تعيش فيها لتنظمها وتديرها على طريقتها: «نفسى أكون الريسة بتاعة المستعمرة وأغير حياتنا وأبنى لنا بيوت بدل الخيم وأعلم بناتى وكل أطفال المستعمرة».