توماس جورجيسيان يكتب:أخبار اليوم.. وتفاحة نيوتن!!

فى مثل هذا اليوم 11 نوفمبر من عام 1944 صدرت صحيفة «أخبار اليوم» الأسبوعية. لصاحبها ورئيس تحريرها مصطفى أمين.
وكانت بلا شك ثورة فى الصحافة المصرية شدت انتباه القارئ وإعجابه.. وأثارت اهتمام أهل الصحافة. «أخبار اليوم» الأسبوعية صدرت كل يوم سبت. وبعد صدورها بثمانى سنوات انطلقت «الأخبار» اليومية، والتى صدرت يوم 15 يونيو 1952 صفحات «أخبار اليوم» العريقة وذاكرة هذه المدرسة الصحفية وبصمات العملاقين مصطفى وعلى أمين فى حاجة ماسة إلى إعادة قراءة وتقييم عميق لكيف استطاعت الصحيفة المختلفة والمتميزة منذ عددها الأول أن تلفت الأنظار وتجذب الاهتمام وتكون لها شعبية لدى القراء ويكون لها نفوذ لدى صناع القرار.؟ وكيف صارت مدرسة تجسد رؤية مصطفى وعلى أمين لما يعنى صحيفة حية ونابضة وحاضنة للأقلام الموهوبة وأيضا مؤثرة ومتواصلة مع جماهير القراء.
أرشيف أخبار اليوم والأخبار يتضمن كنوزا تحتاج إعادة عرضها ونشرها ليس فقط من باب الذكريات- أى ما كان ومضى- بل من أجل التذكير كيف كانت الكتابة الصحفية والأداء الصحفى وهذا التنوع والثراء فيما كان يتم تقديمه للقارئ. مثلا مقالات الصفحة الأخيرة ل«أخبار اليوم».. ومقالات كبار كتابها. يوميات «الأخبار» فى عهدها الذهبى.. لوحة وموال ل«بيكار»، فى الصفحة الأخيرة ل«الأخبار» كل يوم جمعة.
مصطفى بيه أو الأسطى الكبير كان صانعا لصحافة شيقة وممتعة. كما استطاع من خلال عموده اليومى «فكرة» أن يقول الكثير بوضوح وجرأة وصراحة مهما كانت العواقب. فكرة لمست قلوب القراء وهزت مشاعرهم. وأيضا أغضبت أهل القرار والسلطة.
فى دعاء له كتب: «أعطنى قلما حرا لا يخاف الأقوياء ويخاف الله. ولا يهتز أمام الطغاة بل يتحول إلى سيف أدافع به عن المظلومين. لا تجعله يمشى وراء المواكب، وإنما أجعله يتقدم معارك الحرية».
مى شاهين فى كتابها «شارع الصحافة» والتى تحكى فيه بالتفاصيل ميلاد وانطلاق أخبار اليوم تقوم بتذكيرنا بأن أخبار اليوم بدأت بأربع محررات هن مى شاهين وفاطمة حسن وحورية عفيفى وأسماء عبدالله.. ويبقى السؤال الذى يأتى فى بالى: ماذا نعرف عنهن؟ وعن تاريخهن؟ وعن كتاباتهن؟.
وكلما تأملت غرقنا فى طوفان السوشيال ميديا وإدماننا لتقلباته يتأكد لى أن للصحافة دورا أساسيا ومهمة حيوية فى تثقيف الناس وتوسيع مداركهم وتعميق نظرتهم لأنفسهم وللحياة من حولهم. الكاتب الصحفى سلامة أحمد سلامة كتب من سنوات عديدة وهو يصف ملامح الحالة الصحفية المرتبكة «هكذا يتم تبسيط المسائل والقضايا إلى درجة بالغة السذاجة، تضيع فيها الحقائق ويختزل التاريخ وتستخلص النتائج الخاطئة من مقدمات خاطئة».
وكتب أيضا: «العلاقة بين القارئ والكاتب فى العالم العربى تبدو علاقة ملتبسة، فلا الكاتب يدرك حقيقة مسؤولياته تجاه قارئه، ولا القارئ بوسعه التمييز بين ما يلقى به الكاتب كل صباح ومساء من أفكار وآراء وتحليلات، وبين قدرة هذه الأفكار على إحداث التغيير المنشود أو تحريض القارئ على انتهاج سلوك إيجابى يخرجه من دائرة السلبية والقعود».
تفاحة نيوتن!!
منين نبتدى الحكاية؟ وكيف ننهيها؟ والحكاية التى أحب دائما أن أحكيها كلما التقيت بشباب يعشقون الكتابة والإبداع والصحافة هى حكاية العالم نيوتن وشجرة التفاح وجاذبية الأرض!!.
وأبدأ بالسؤال إياه: كم من البشر على مدى القرون التى مضت استلقوا مرتاحين تحت أشجار التفاح؟.
وكم من المرات سقطت تفاحة على من هو مستلقى أو مرتاح تحت الشجرة؟.
ثم كيف تعامل كل شخص مع التفاحة بعد أن انزعج ربما من سقوطها عليه.. فإما أن أكلها كلها أو أخذ قضمة منها أو رماها بعيدا وأحيانا لعن التفاحة وشجرتها.. التى أقلقت منامه!.
لكن الملتفت الأول (صاحب الملاحظة الجيدة) لهذا الحدث أو فلنقل من فكر فيما حدث بطريقة مختلفة وجديدة ثم قام بربط الأشياء بعضها ببعض كان نيوتن صاحب قانون جاذبية الأرض وكان فى عام 1666. وكما نعرف فإن العالم الإنجليزى الكبير إسحاق نيوتن (1643- 1727) له إسهاماته العديدة والعظيمة فى إثراء المعرفة الإنسانية.
هكذا تأتى الالتفاتة لما حدث معك أو حولك وهكذا ينطلق الخيال ويمكن أن يتحرر التفكير من محدودية «دلوقتى وهنا».. ليرى ما هو أبعد من الواقع.
والهدف من حكى هذه الحكاية و«الكلام ليك يا صحفى» (كما اعتدت أن أقول فى نهاية حكايتى) هو أن تكون مصحصحا لما يحدث حولك حتى لو كان ما يحدث شيئا بسيطا وربما متكررا، ثم الأمر الأهم هو أن تحاول تحليل وتفسير دلائل ما حدث. هكذا يولد الشغف والاهتمام والاكتشاف.. حتى لو ظننا أن كل ما حولنا ومن حولنا «يوووه نفس الأشياء ونفس الوشوش.. ونفس الكلام».
بالمناسبة مش لازم نكون صحفيين عشان نطبق نظرية وأسلوب ومفهوم نيوتن مع التفاحة.. أو مع أى ثمرة أخرى!!.