«معلومات الوزراء» يستعرض تقرير منظمة العمل الدولية حول تأثير الرقمنة والذكاء الاصطناعى على سوق العمل فى الدول العربية

سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، الضوء على التقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية (ILO) بعنوان «مواكبة التحوّل الرقمى وثورة الذكاء الاصطناعى فى أسواق العمل العربية: الاتجاهات والتحديات والفرص»، والذى أكد أن الرقمنة والذكاء الاصطناعى، المدعومان بالاستثمارات وتدابير السياسات الفعالة، لهما تأثير إيجابى على الوظائف والنمو فى منطقة الدول العربية، كما أبرز التقرير ضرورة اعتماد البلدان لسياسات شاملة لا تترك أحدًا يتخلف عن الركب فى الانتقال إلى الاقتصاد الرقمى.
أكد التقرير أيضاً أن ما يقرب من 14.6٪ من الوظائف بالمنطقة (ما يعادل حوالى 8 ملايين وظيفة) يمكن أن تستفيد من التعزيز الناتج عن الذكاء الاصطناعى، حيث تُعزّز التكنولوجيا العمل البشرى بدلًا من أن تُحلّ محلّه.
فى المقابل، يُحتمل أن تُصبح حوالى 2.2٪ من الوظائف (ما يقارب 1.2 مليون وظيفة) فى جميع أنحاء المنطقة مُعرّضة لخطر الأتمتة نتيجة الذكاء الاصطناعى التوليدى.
وبحسب تقرير منظمة العمل الدولية، تستفيد دول مجلس التعاون الخليجى من مرونة اقتصادية نسبية وارتفاع معدلات التوظيف، غير أن أسواق عملها تبقى مجزأة بفعل الاعتماد الكبير على العمالة الوافدة والنفط.
وفى هذا السياق، تسعى هذه الدول إلى تنويع اقتصاداتها نحو قطاعات غير نفطية مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والسياحة، والطاقة المتجددة، إلا أنّ الحاجة لا تزال قائمة لمزيد من الجهود لتوسيع الفرص أمام المواطنين وتسريع وتيرة التقدم.
وأبرز التقرير أن التحول الرقمى يمثّل فرصة كبرى يمكن أن تعزز التنويع الاقتصادى والابتكار وخلق فرص العمل، لكنه فى الوقت نفسه ينطوى على مخاطر واضحة. فإذا أُدير بشكل شامل، فقد يفتح المجال أمام تمكين النساء والشباب والفئات الهشة، أما إذا غابت البنية التحتية القوية والمهارات والحوكمة، فإن الرقمنة قد تؤدى إلى تعميق التفاوتات وتجزئة أكبر لسوق العمل.
بيّن التقرير أن دول مجلس التعاون الخليجى أحرزت تقدمًا ملحوظًا فى استغلال الرقمنة لتقليل الاعتماد على النفط، مستفيدة من استثمارات ضخمة فى التكنولوجيا والبنية التحتية ومنظومات الابتكار. وتتمتع هذه الدول بانتشار شبه شامل للإنترنت، وأنظمة متقدمة للأمن السيبرانى، واعتماد واسع للخدمات الحكومية الإلكترونية. وتدخل التقنيات الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعى، فى مجالات التجارة الإلكترونية والرعاية الصحية والتعليم والتكنولوجيا المالية، فضلًا عن دعم الابتكار فى المدن الذكية والتقنيات الخضراء. ومع ذلك، تختلف وتيرة التقدم بين دول المجلس.
وأشار التقرير إلى أنّ الدول غير الخليجية تنظر إلى الرقمنة باعتبارها محركًا محتملًا للنمو والإدماج، خصوصًا عبر دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال وتعزيز الاندماج فى سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية. غير أن هذه الدول تصطدم بعوائق كبيرة مثل ضعف البنية التحتية، والفجوات فى الأمن السيبرانى، والاضطرابات السياسية والاقتصادية، رغم وجود نماذج مشجعة فى الأردن ولبنان فى مجالات التجارة الإلكترونية والمدفوعات الرقمية والخدمات العامة الإلكترونية.
لفت التقرير الانتباه إلى أنّ التكنولوجيا أعادت صياغة التوظيف على مدى العقود، حيث خلقت وظائف جديدة وألغت أخرى. واليوم، يعجّل التحول الرقمى السريع المدفوع بتطورات الذكاء الاصطناعى، بما فى ذلك الذكاء التوليدى والنماذج اللغوية الكبيرة، هذه التحولات بشكل غير مسبوق.
كما يسلط التقرير الضوء على تفاوتات حادة بين الفئات الديموغرافية، حيث تشغل النساء أكثر من ثلاثة أضعاف نسبة الوظائف المعرضة لخطر الأتمتة بسبب الذكاء الاصطناعى التوليدى (5.3٪) مقارنةً بالرجال (1.6٪)، وهو ما يعكس تركيز النساء فى الأدوار المكتبية الروتينية. ومع ذلك، يُتوقع أن تستفيد النساء أكثر من غيرهن من إمكانات التمكين الناتجة عن الذكاء الاصطناعى التوليدى، حيث يُحتمل أن تُحسّن تقنيات هذا الذكاء 22.7٪ من الوظائف التى تشغلها النساء مقارنةً ب 13٪ من الوظائف التى يشغلها الرجال. والجدير بالذكر أنه حتى بعد مراعاة إمكانات الذكاء الاصطناعى والتقنيات الرقمية فى خلق فرص عمل جديدة، من المتوقع أن تواجه النساء فرص عمل أقل بحلول عام 2035 ما لم توضع سياسات مُصمّمة لمعالجة أوجه عدم المساواة بين الجنسين ولتعزيز توظيف المرأة بشكل فعّال.
أوضح التقرير أنه من المرجح كذلك أن يستفيد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا من اعتماد الذكاء الاصطناعى، لا سيما فى المهن الجديدة المعتمدة على التكنولوجيا، بينما يواجه العمال الأكبر سنًا الذين تزيد أعمارهم عن 55 عامًا مخاطر إقصاء أكبر بسبب تحديات إعادة تأهيل المهارات، كما تواجه فئات أخرى، مثل العمال ذوى المهارات المحدودة والمهاجرين واللاجئين والأشخاص ذوى الإعاقة، خطر التخلف عن الركب ما لم يحصلوا على دعم مُستهدف.
وأوضح التقرير فى ختامه مجموعة من التوصيات، من بينها: ضرورة الاستثمار فى البنية التحتية الرقمية، وبناء قوة عاملة ماهرة وتعزيز التعلم المستمر، وتطوير نظم حماية اجتماعية وخدمات توظيف فعالة، وتحسين نظم معلومات سوق العمل، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فى مسار الرقمنة، مع وضع أطر تشريعية وتنظيمية شاملة، وتعزيز الحوار الاجتماعى، وأخيرًا توسيع التعاون الإقليمى والدولى فى مجال الرقمنة والذكاء الاصطناعى.