فى لحظة كروية استثنائية، يستضيف ملعب «هارد روك» بمدينة ميامى الأمريكية، أقصى الجنوب الشرقى للولايات المتحدة، المباراة الافتتاحية لكأس العالم للأندية فى نسختها الجديدة. حيث شاءت الأقدار أن يكون النادى الأهلى المصرى، كبير الأندية الإفريقية والعربية، أحد طرفى هذه المواجهة التاريخية، أمام صاحب الأرض إنتر ميامى، الفريق المدجج بالنجوم وعلى رأسهم الأسطورة ليونيل ميسى. ولأن الحدث غير عادى، جاءت الأجواء على القدر ذاته من التفرد. فجماهير الأهلى لم تترك فريقها وحيدًا، بل زحفت من كل صوب وحدب، لتؤازره وتغنى له وتشد من أزره فى لحظة تكتب فيها التاريخ مجددًا. «الأهلى لم يأتِ إلى ميامى وحده، بل جاءت معه جماهيره العريضة من كل أنحاء العالم».. هؤلاء هم أبطال الحكاية الحقيقيون. فعند بوابات الاستاد، وقف شقيق أحد شهداء مذبحة بورسعيد، آتيًا من القاهرة، حاملًا اسم العائلة وميراث الوفاء، ليكمل الطريق الذى بدأه شقيقه بدمه. وبجواره جلس طبيب مصرى يعمل فى السعودية، أغلق عيادته وسافر آلاف الأميال ليكون خلف ناديه، مرتديًا تى شيرت الأهلى الأحمر، وعلى مقربة منهم، سيدة خمسينية من شبرا، هاجرت منذ أكثر من ربع قرن، لكنها لم تهاجر حبها الأول: الأهلى، وذاك جاء من كندا، وآخرون من ولايات أمريكية متعددة، وغيرهم من خارج الولاياتالمتحدة. لتتحول أجواء المباراة إلى «ملحمة جماهيرية فى حب الأهلى»، تجاوزت حدود الرياضة إلى معانى الانتماء، ومن لحظة كروية إلى لوحة إنسانية ترويها الدموع والأهازيج. «المصرى اليوم» قابلت بعضًا من «ناس الأهلي» فى ميامى، وتحدثنا إليهم، وسجلنا حكايات من آلاف الحكايات التى يعج بها مدرج الأهلى. وعن مدرج لا يعرف الفتور، وعن جمهور لا ينسى، وعن عشق يكتب كل يوم فصلًا جديدًا فى أسطورة نادى القرن، من القاهرة إلى ميامى، نهدى هذا الملف لأبطال القصة الحقيقيين، ل«ناس الأهلى». أول يوم له فى الجامعة بألمانيا.. وخلال توقيع عقد شقته شريف عيد.. بعد 26 ساعة سفر: الأهلى مدرستنا لتعلم الانضباط فى الغربة قصة أخرى، لمشجع آخر، امتدت رحلته ل26 ساعة من أوروبا حتى وصل ميامى. ففى طريق طويل يمتد من قلب أوروبا إلى جنوبالولاياتالمتحدة، حمل شريف عيد حقيبته، وعلمه الأحمر، وأحلامه القديمة، ترك خلفه قاعات الدراسة فى ألمانيا، ومكتب العمل، ومختبرات الماجستير، وركب قطارًا من مدينة كاسل إلى فرانكفورت، ثم طائرة عبر الأطلسى، فقط ليكون حاضرًا فى لحظة أهلاوية تاريخية: هنا افتتاح كأس العالم للأندية، الأهلى المصرى أمام إنتر ميامى الأمريكى. لم تكن الرحلة سهلة. بدأها مساء الأحد، برحلة قطار إلى فرانكفورت، ثم طائرة نحو نيويورك، ثم طائرة أخرى إلى ميامى، رحلة استغرقت 26 ساعة طيران. يقول شريف: «أنا أصلاً واخد من شخصية الأهلى.. مفيش حاجة اسمها تعب لما يكون فى هدف. الأهلى علّمنى أذاكر، أشتغل، وأتحمّل.. وأفرح بعد التعب». ويضيف: «سوف أشاهد مباراة الافتتاح، ثم أسافر إلى نيوجيرسى لمشاهدة مباراة الأهلى وبالميراس أيضًا». وُلد شريف فى بيت يشجّع الزمالك. كان والده زملكاويًا مخلصًا، لكنه كان كثيرًا ما ينام حزينًا بعد كل هزيمة. «كنت صغير، وقلت لنفسى: أنا مش عايز أكبر وأعيش الحزن ده، وقررت أبقى أهلاوى.. واخترت الفرح، واخترت الكيان». منذ ذلك اليوم، لم يكن شريف مجرد مشجع، بل مهووسًا بكرة القدم. بدأ حياته لاعبًا فى ناشئى المقاولون العرب، ثم تحوّل إلى محلل رياضى، شارك فى برامج عديدة، وكتب تقارير وتحليلات، حتى وهو يدرس فى ألمانيا. يقول شريف: «تعلمت من الأهلى يوم للدورى، ويوم لإفريقيا، وده قوى شخصيتى فى مواجهة ضغوطات الغربة.. الأهلى بيخلّى الغربة خفيفة، بيخلّى الحياة ماشية». شقيق شهيد أحداث بورسعيد فى ميامى: أخويا عايش طول ما الأهلى بيلعب وبيكسب محمود عصام: جئت من القاهرة لاستكمال مسيرة وفاء العائلة «أنا جاى من مدينة الشروق فى مصر لميامى مش بس علشان أشوف الأهلى وأشجعه وأشجع مصر، لكن علشان أكون قريب من مصطفى. لما بكون فى المدرج، بحس إنه جنبى». بتلك الكلمات بدأ محمود حديثه معنا، واستكمل: «مصطفى لم يكن مجرد شقيقى الأصغر، بل كان ظلى وصاحبى فى كل مباراة، وكل هدف، وكل تشجيع. كنا نحضر مباريات الأهلى سويًا منذ الطفولة، ونحلم بالسفر خلف الفريق خارج مصر يومًا ما. كنا بنحلم نحضر ماتش للأهلى برا مصر.. لكن إرادة الله نافذة». لم تكن الرحلة سهلة. من القاهرة إلى ميامى، من الزحام والذاكرة، إلى مدرج جديد لا يعرفه فيه أحد، سوى العلم الأحمر الذى يحمله، وقميص الأهلى. اختار أن يسافر رغم كل الصعوبات، لأنه شعر أن الأهلى فى بطولة بهذا الحجم، يحتاج إلى كل من أحبّه، إلى من حملوا اسمه فى القلوب، حتى وإن غابت وجوههم عن المدرجات. محمود عصام يقول إنه توقف فترة عن مشاهدة المباريات بعد وفاة شقيقه، لكنه عاد لتشجيع الأهلى من المدرجات، لأنه يشعر وكأنه بين أهله، ولأن كل مرة يفوز فيها الأهلى يشعر فيها بأن مصطفى ما زال عايشًا. محمود التقى الكابتن الخطيب أكثر من مرة، وقال: «كل مرة الأهلى يكسب، بحس كأن مصطفى بيضحك فى السماء»، هو لا يطلب تعويضًا، ولا يبحث عن مجد شخصى. فقط يريد أن يبقى اسم مصطفى فى الذاكرة، فى كل بطولة، فى كل أغنية فى المدرج. فى النهاية، محمود هو مشجع جاء من القاهرة، يحمل على كتفه حكاية شهيد، وفى قلبه وعد لا يخونه: «وراك يا أهلى.. علشان أخويا، وعلشانى، وعلشان كل اللى حبوك ومشيوا قبلنا». أسامة نصار: مش مجرد مشجع (حب الأهلى من الطفولة) أسامة نصار، هو الآخر جاء من المملكة العربية السعودية، لكن من الرياض، يتحدثون عن مشجعين يصنعون مواعيدهم على توقيت المباريات، ويحسبون أيامهم بحسب جدول بطولات الأهلى، أسامة هو نموذج لهذا المشجع، وعلى الرغم من أنه ابن التاسعة والأربعين، لكنه لم يكن مجرد مشجع عادى، بل سيرة جماهيرية تمشى على الأرض، شاهدة على حكاية عشق لا تنتهى. يقول نصار: الحكاية بدأت فى ديسمبر 1988، عندما وضعت قدمى للمرة الأولى داخل استاد القاهرة، فى يوم وداع أسطورة الأساطير محمود الخطيب. كنت لا أزال طفلًا صغيرًا، لكن هذه اللحظة زرعت فى قلبى بذرة الولاء، وفتحت بوابة العشق الأحمر. ويضيف: من وقتها، وأنا مش مشجع تلفزيونى.. أنا مشجع من المدرجات. هكذا يصف أسامة علاقته بالأهلى، علاقة تسكن تفاصيل عمره، وتمتد من العباسية حيث كان يسير مع الخيول إلى بوابات استاد القاهرة صباحًا، إلى ملاعب ميامى حيث يحجز مكانه اليوم بين جمهور كأس العالم للأندية. ولم يكن أسامة متفرجًا صامتًا، بل شارك فى بناء أول رابطة جماهيرية مصرية مشهرة رسميًا عام 2006 تحت اسم AFC – رابطة مشجعى الأهلى. ياسر صدقى: لا نشعر بالغربة طالما نسافر خلف الأهلى وفى الزحام العالمى لأكبر بطولة أندية فى تاريخ كرة القدم، وفى مدرجات تغمرها الأعلام الحمراء، يستعد رجل قادم من بعيد، يحمل فى قلبه حبًا بدأ منذ الطفولة، لا تضعفه المسافات ولا تغلبه الصعوبات، الدكتور ياسر صدقى، استشارى طب الأطفال المقيم فى مدينة الدمام السعودية، الذى ترك خلفه مشاغل الحياة وساعات العيادة، ليسافر إلى الولاياتالمتحدة فقط من أجل هدف واحد: تشجيع الأهلى. يقول الدكتور ياسر: «أنا من القاهرة، أستاذ مساعد فى جامعة القاهرة، لكن أعيش فى السعودية منذ خمس سنوات، ورغم الغربة، الأهلى دائمًا فى القلب». ورغم أن والده، رحمه الله، كان زملكاويًا، إلا أن العائلة بأكملها كانت حمراء القلب، وهو ما شكّل انتماءه منذ سنواته الأولى. يقول بابتسامة: «حب الأهلى فى دمنا... شيء لا يُورّث، بل يُولد معك». ليست هذه المرة الأولى التى يقرر فيها الدكتور ياسر ترك كل شيء خلفه ليسافر خلف ناديه المفضل. فى 2013، كان فى المغرب خلال كأس العالم للأندية، وفى 2021 حضر مباراة السوبر فى قطر، ثم انتقل بعدها إلى الرياض لمتابعة الديربى بين الأهلى والزمالك. لكن بالنسبة له، هذه المرة مختلفة. ميرنا وأمير.. بيت أهلاوى فى ميامى يفتح أبوابه للجماهير فى بطولة بحجم كأس العالم للأندية، حيث تنشغل الأضواء بكبار النجوم وأسماء الفرق، هناك أبطال من نوع آخر، يعملون فى صمت، بروح أهلاوية خالصة. من بين هؤلاء، تبرز حكاية ميرنا رزق وزوجها أمير عصمت، عائلة مصرية تعيش فى ميامى، لكن ما فعلوه كان أكبر بكثير من مجرد حضور مباراة. «الأهلى لما بييجى عندنا.. مش ممكن نقعد نتفرج بس. ده واجبنا». ميرنا، ابنة الإسكندرية، وأمير، ابن القاهرة، كونا بيتًا مصريًا أصيلًا فى ولاية فلوريدا. لكن مع وصول الأهلى للمشاركة فى البطولة، تحوّل هذا البيت إلى خلية دعم جماهيرى. * ساعدا الجماهير المصرية فى ترشيحات الفنادق والمطاعم * تواصلا مع مشجعين جاؤوا من ولايات ومدن بعيدة * خصصا أتوبيسًا خاصًا لنقل الجماهير من الفندق إلى استاد هارد روك «كان لازم نحسس الناس اللى جاية من كندا، نيويورك، وفرجينيا.. إن ميامى مش غريبة عليهم، وإن فيها أهلاوية بيستنوهم». «أول مرة نشوف الأهلى هنا.. والحلم اتحقق». ورغم كل ما فعلوه من أجل غيرهم، لم ينسوا أنهم مشجعون بالدرجة الأولى. محمود عبدالوهاب من عيادة الأسنان إلى شغف المدرجات فى عيادته الهادئة بمدينة فرجينيا الأمريكية، يجلس الدكتور محمود عبد الوهاب مرتديًا زيه الأبيض، يعتنى بابتسامات مرضاه بكل دقة. لكن ما إن ينتهى يومه الطبى، حتى يتحول إلى «محتوى أهلاوى متنقل»، يصنع الفيديوهات، يعلق على القرعة، ويشرح تفاصيل الملاعب الأمريكية التى سيشارك فيها نادى القرن فى كأس العالم للأندية. «الأهلى مش مجرد فريق بتشجعه... الأهلى بيكبر معاك، بيمشى جنبك، بيديك طاقة.» يقول محمود: «أنا طبيب أسنان، صحيح... بس دايمًا كنت شايف إن حب الأهلى وكرة القدم جزء من هويتى، وما فيش تضارب بينهم. فيه توازن ممكن نعيشه لما الشغف يتحول لأداة تواصل». ومن هذا التوازن، وُلدت فكرة إنتاج محتوى على وسائل التواصل الاجتماعى يشرح فيه للجمهور العربى – خصوصًا فى أمريكا – تفاصيل البطولة، الملاعب، نظام التذاكر، وتحليل فرص الأهلى. فى كل فيديو يصوره، يظهر محمود بأسلوب بسيط، يجمع بين المعلومة والتحليل، مدعومًا بحماس لا يخفى على أحد. «الناس هنا كانت محتاجة تعرف تفاصيل بالعربى، خاصة الجالية المصرية. فقلت لنفسى: ليه لأ؟ أبدأ وأنشر المعلومة اللى أحب أشوفها بنفسى». حاتم الباز من تورنتو إلى ميامى: «فريقى المفضل فى القلب دائمًا» ورأسًا من مدينة تورنتو الكندية إلى مدينة ميامى، أقصى جنوب غرب الولاياتالمتحدة، وبعد رحلة طيران امتدت لقرابة ال4 ساعات، جاء حاتم الباز، لدعم الأهلى، وهو ليس مجرد مشجع آخر جاء من بعيد، بل هو أحد أبناء عائلة الباز المعروفة فى مصر، ترك خلفه مسؤوليات إدارة سلسلة من العقارات فى تورنتو، ليحجز لنفسه مكانًا فى مدرجات الحلم الأحمر. يقول حاتم: «أنا من عيلة الباز.. تربيت فى بيت كله أهلاوية، والمبادئ اللى كبرنا عليها هى هى.. الانتماء، الكرامة، والانتصار بدون غرور». ورغم انشغاله الدائم بإدارة مشاريع عقارية ناجحة فى تورنتو، إلا أن حدثًا بحجم مشاركة الأهلى فى النسخة الموسعة من كأس العالم للأندية لا يُفوَّت. «أنا جيت من كندا مخصوص.. لأن الأهلى مش مجرد فريق، الأهلى حتة منى، ودايمًا كنت بقول إن لحظة وجود الأهلى فى بطولة عالمية على أرض أمريكية لازم أكون فيها». حاتم اعتاد التوازن بين العمل والعشق، بين الاجتماعات اليومية والجدول الأوروبى لمباريات الأهلى. لكن هذه المرة، كل شيء توقف مؤقتًا. من شبرا إلى دنفر.. مها خميس: الأهلى حكاية عمر حكاية أخرى لناس الأهلى، ولكن هذه المرة لسيدة خمسينية، هاجرت من مصر منذ أكثر من ربع قرن، ولكن حب الأهلى ظل فى قلبها كل هذه السنين. فمن قلب مدينة دنفر الهادئة بولاية كولورادو بوسط الولاياتالمتحدة، وبعد رحلة طيران استغرقت قرابة ال4 ساعات من دنفر لميامى، جاءت السيدة مها خميس، بصحبة زوجها المصرى لمشاهدة مباراة الأهلى أمام إنتر ميامى وتشجيعه. «أنا مصرية الأصل، نشأت فى شبرا.. وحبنا للأهلى هو حكاية عمر» تبدأ مها حديثها بابتسامة دافئة وهى تضيف: «أنا من شبرا مصر.. وأخويا الكبير كان أهلاوى صميم، غرس فينا حب الأهلى من وإحنا أطفال». تزوجت مها من رجل إسكندرانى أصيل من حى محرم بك، هو المحاسب أسامة السيد، الذى يعيش فى أمريكا منذ أكثر من 40 عامًا، وتحديدًا فى نيويورك، وهناك أسّسا مكتب محاسبة عائليًا، وبيتًا مصريًا لم يُطفئه برد الشتاء الأمريكى، قبل الانتقال ل دنفر.