ترقبت معظم دول العالم بحذر شديد، أمس، إعلان الرئيس ترامب عن منظومة الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، والذى كان مقررًا فى الساعة الرابعة مساء الأربعاء بتوقيت واشنطن (العاشرة مساءً بتوقيت القاهرة). انطلق الإعلان من حديقة الورود فى البيت الأبيض، مما أثار قلق الدول الأكثر عرضة للتضرر، وهى تشمل الصين، والاتحاد الأوروبى، وكندا، والمكسيك، واليابان، والهند، وفيتنام. وقد وصفت هذه الدول ما يحدث بأنه «جحيم اقتصادى»، و«إعلان حرب تجارية»، و«انقلاب على العولمة التى سادت العالم منذ عام 1945». فى المقابل، أطلق ترامب على يوم 2 إبريل اسم «يوم التحرير»، معتبرًا أنه اليوم الذى ستتخلص فيه أمريكا من «الظلم» الذى لحق بها، وفق وجهة نظره، بسبب التجارة غير العادلة مع جميع شركائها. ومع ذلك، فإن الأمر قد لا يتوقف عند ما أعلنه ترامب، حيث أشار موقع «إيكونوميك تايمز»، الهندى، إلى أن «عاصفة ترامب» لن تنتهى الليلة، إذ ستُفرض رسوم بنسبة 25٪ على السيارات، بدءًا من 3 إبريل، كما ذكرت خدمة «بى بى سى» أنه سيتم فرض رسوم على قطع غيار السيارات فى مايو المقبل. من جانبه، صرّح وزير الخزانة الأمريكى، ستيفن منوشين، بأن الرسوم التى سيتم إعلانها الليلة هى الحد الأقصى، ولكنها قابلة للتفاوض مع الدول التى ترى الولاياتالمتحدة أهمية فى التفاوض معها لعقد ترتيبات مختلفة. وأكدت جميع المواقع الدولية التى غطت التوقعات أن ترامب لن يهدأ قبل سد العجز التجارى الأمريكى، والذى بلغ 1.3 تريليون دولار فى عام 2024. وأشارت بعض التقارير إلى أن ترامب قد يختار فرض رسوم بنسبة 20٪ على جميع دول العالم. ومع ذلك، أكد مسؤولون أمريكيون أن كل ما يقال مجرد تكهنات، وأنه لا أحد يعرف ما سيتم إعلانه حتى اللحظة الأخيرة. تجاهلت المواقع العالمية، وحتى الأمريكية منها، تناول ميزان الخدمات الأمريكى، الذى تتمتع فيه الولاياتالمتحدة بميزات واضحة. فمن المعروف أن الخدمات شكّلت أكثر من 30٪ من إجمالى صادرات الولاياتالمتحدة فى عام 2022، وتشمل بشكل أساسى الخدمات المالية والأمنية والتكنولوجية. أما صحيفة «الشعب»، الصينية الرسمية، فقد تجنبت الحديث المباشر عن الرسوم الجمركية، رغم أن الصين هى صاحبة أعلى فائض تجارى مع أمريكا. واكتفت الصحيفة بالإشارة إلى تصريح مديرة صندوق النقد الدولى، التى قالت إن رسوم ترامب ستضر بالنمو والنشاط الاقتصادى العالمى. كما لفتت الصحيفة إلى توجه دول مثل فرنسا لتعزيز علاقاتها مع الصين فى مختلف المجالات، وإلى سعى اليابان، الحليف الأكبر لأمريكا فى آسيا، لتعزيز التجارة مع الصين فى المرحلة المقبلة. فى سياق متصل، راهنت أطراف مختلفة على أن التكلفة التى سيتحملها كل مواطن أمريكى جراء ارتفاع أسعار السلع المستوردة بعد فرض الرسوم، والتى قدّرها مكتب الميزانية فى جامعة ييل بنحو 3400 دولار للفرد، قد تدفع الإدارة الأمريكية إلى تعديل مواقفها، خاصةً أن ترامب كثيرًا ما يغيّر قراراته. فى المقابل، يؤكد فريق ترامب أن الرسوم الجمركية ستحقق عائدًا بقيمة 6 تريليونات دولار، سيتم ضخها إلى العاملين والمستهلكين الذين تضرروا بشدة من التجارة غير العادلة بين الولاياتالمتحدة والعالم. ووفقًا لتقديرات كلية إدارة الأعمال بجامعة أستون فى بريطانيا، فإن التكلفة الإجمالية على العالم ستصل إلى 1.4 تريليون دولار. كما أشارت «بى بى سى» إلى أن رسوم ترامب أشبه ب«إطلاق وابل من الصواريخ الباليستية» على الاقتصاد العالمى، وأنها قد تؤدى إلى نمو سلبى فى بريطانيا بنسبة 1٪. ومع ذلك، فإن بريطانيا «حريصة على إدارة هذا الملف بهدوء مع الولاياتالمتحدة»- وفقًا لمصادر رسمية هناك. يُذكر أن ترامب كان قد فرض رسومًا على واردات أمريكا من الصلب والألومنيوم، بدأ تنفيذها فى 12 مارس الماضى، بواقع 25٪، إضافة إلى رسوم بنسبة 20٪ على جميع الواردات من الصين، التى ردّت بدورها بزيادة الرسوم على جزء صغير من الواردات الأمريكية. ومع ذلك، تشير التوقعات إلى أن إعلان الأربعاء قد يتضمن مفاجآت، سواء بزيادات أو تخفيضات غير متوقعة. جدير بالذكر أن الولاياتالمتحدة استوردت نحو ثمانية ملايين سيارة فى عام 2024، بقيمة تقارب 240 مليار دولار. وتراهن الإدارة الأمريكية على أن فرض رسوم على السيارات المستوردة سيكون إحدى أهم الأدوات لاستعادة قوة صناعة السيارات فى أمريكا، مع الأخذ فى الاعتبار التداخلات الكبيرة فى هذه الصناعة، بسبب تشتت شبكة التجميع والتصنيع، مما يصعّب حساب الأثر الصافى لكل بلد من جراء رسوم ترامب. على سبيل المثال، صدّرت اليابان وحدها 2.94 مليون سيارة إلى الولاياتالمتحدة فى العام الماضى، منها 1.49 مليون مباشرة من اليابان، و1.45 مليون من كل من كندا والمكسيك. وقد أشارت العديد من التحليلات إلى أن رسوم ترامب، مهما كان شكلها وحجمها، ستؤدى إلى نوع من الركود العالمى، وارتباك فى أسواق المال والصرف والذهب، وارتفاع التضخم، وتراجع الاستهلاك، وإرباك كافة سلاسل القيمة فى مختلف القطاعات، التى تأسست على مدار العقود الماضية. يبلغ حجم التجارة الدولية حاليًا 33 تريليون دولار، من ناتج عالمى يفوق 110 تريليونات دولار. وتزامن يوم الإعلان عن رسوم ترامب، أى الأربعاء، مع تسريب معلومات عن خطة أمريكية لخفض قيمة الدولار، بهدف تشجيع الصادرات الأمريكية. وهى الخطة التى قد تقلّص من حجم ثروات الدول المستثمرة فى الولاياتالمتحدة، وتزيد من تكلفة المدينين بالعملات غير الدولارية، فى حين تقلل عبء المدينين بالدولار، وترفع تكلفة الاستيراد من أمريكا. كما يتحسب فريق ترامب لاحتمال انسحاب كتلة كبيرة من السيولة الدولارية التى انجذبت إلى الولاياتالمتحدة بفضل قوة الدولار والعوائد المرتفعة عليه. ولتعويض ذلك، تعمل الإدارة الأمريكية على تحقيق مكاسب من الرسوم الجمركية، وجذب استثمارات من دول تحظى بالحماية الأمريكية، بالإضافة إلى تقليل الواردات.