كشفت الملابسات التى أحاطت بما نشره موقع «مصراوى» تحت عنوان «حسن نافعة يقترح أن يتولى المشير منصب رئيس الجمهورية»، وحمل توقيع صحفى اسمه أحمد الشمسى، عن وجود مرضين قاتلين أصابا الحياة العامة فى مصر، ويبدو أن علاجهما سيستغرق وقتا طويلا. الأول: يتعلق بمؤسساتنا الصحفية، التى لا تزال تفتقد أبسط مقومات المهنية بعد أن تحول بعضها إلى أداة للابتزاز أصبح بإمكان كل باحث عن مصلحة أن يستخدمها. والثانى: يتعلق بنخبتنا السياسية والفكرية، التى تتسم مواقفها بالانفعال والتسرع وتحركها غرائز ودوافع شخصية بأكثر مما يحركها الحرص على المصلحة العامة أو الالتزام بالمعايير الأخلاقية. فإذا توقفنا عند الجانب المهنى لما نُشر على موقع «مصراوى»، أعتقد أنه كان بوسع الصحفى المذكور أن يدرك بسهولة أن هناك كلمة سقطت سهواً ربما تكون قد أدت إلى غموض أو التباس فى المعنى، وكان عليه من ثم أن يحاول استنباط المعنى الحقيقى المقصود، لكنه بدلا من ذلك أسند إلىّ كلاما لم أقله ويتناقض كليا مع ما كتبت حين نشر بالنص: «اقترح الدكتور حسن نافعة، عضو المجلس الاستشارى، تنصيب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيساً مؤقتاً للبلاد حتى نهاية المرحلة الانتقالية»، وهو بالضبط عكس ما قلت. فالحقيقة أننى اقترحت على المشير أن يقدم استقالته طواعية وأن يتم تنصيب رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيسا مؤقتا للبلاد حتى نهاية المرحلة الانتقالية، بناء على فتوى تصدرها المحكمة الدستورية. ورغم أننى لا أستطيع الجزم بما إذا كان ما ارتكبه الصحفى صدر عن قصور فى الفهم والإدراك أم عن سوء نية، إلا أن من المؤكد أنه ألحق بى ضررا كبيرا يجعلنى أرجح كفة سوء النية على كفة سوء الفهم. فبدلا من أن يقال إن ما كتبت يعكس موقفا شجاعا يؤكد أن عضويتى بالمجلس الاستشارى لم تؤثر مطلقا على استقلاليتى التامة من الناحيتين الفكرية والسياسية، أوحى ما نشره هذا الصحفى بأن مواقفى السياسية، وهى معروفة للكافة، بدأت على العكس تتغير بعد أن أصبحت عضوا فى المجلس الاستشارى، بدليل أننى أبحث للمشير عن مخرج سياسى يمكنه من السيطرة على مقاليد الحكم فى مصر! وليس هناك ابتذال لمعنى ما كتبت أكثر من ذلك. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. فقد قامت صحيفة «صدى البلد» باستطلاع رأى عدد من السياسيين والكتاب لا فيما قلت فعلا ولكن فيما نُسب إلىّ فى «مصراوى»، دون أن يكلف أحد من هؤلاء نفسه عناء قراءة مقالى فى «المصرى اليوم». فقد صرح الدكتور عبدالله الأشعل بأن اقتراحى «ينطوى على عدم فهم الجانب القانونى».. و«أن المجلس الاستشارى الذى تعقد اجتماعاته فى هذه المرحلة لم يعد له أى قيمة فى ظل وجود مجلس شعب منتخب، ومن الناحية القانونية لم يعد بيد (العسكرى) إصدار أى قرارات ليكون له مجلس استشارى». أما الدكتور أيمن نور فقد نقلت عنه الصحيفة نفسها أنه «استنكر ما أثاره حسن نافعة فى مقاله.. وقال إنه فى الحقيقة اقتراح بالغ فى الغرابة ولا تعليق عليه.. وأن هذا الكلام لاشك لم يرد فى أى دستور أو أى قانون لتتم مناقشته أصلاً، لاسيّما أنه لا يمثل حلاً بقدر ما يمثل تعقيداً عميقاً للأزمة». وقال الدكتور رفعت سيد أحمد: «إن الإعلان الدستورى يحول دون تطبيق اقتراح حسن نافعة بتولى المشير الرئاسة مؤقتاً».. وأشار إلى أن محمد البرادعى وحسن نافعة وكل من يأتى بالحلول من القوى السياسية تكون غير دستورية وغير مجدية تفجر الوضع وتزيده سوءاً. وأخيراً فقد «اعتبر الدكتور محمود غزلان، المتحدث الإعلامى عن جماعة الإخوان المسلمين، أن اقتراح حسن نافعة الذى يقضى بتولى القائد الأعلى للقوات المسلحة رئاسة الجمهورية مؤقتاً اقتراح غير واقعى بالمرّة، وأكد ل(صدى البلد) أنه لا يوجد مصرى واحد يقبل بأن يحكمه رئيس عسكرى سواء كان المشير أو غيره، خاصة فى هذه الفترة التى تتعالى فيها الهتافات المنددة بحكم العسكر فى كل مكان، لافتاً إلى أن هذه الحلول قد تحرق البلاد وتحول الأزمة إلى نار متأججة». هل توجد فضيحة أكبر من ذلك: صحافة تكذب وتلفق، ونخبة ترقص على أنغامها، ولا هم لها سوى أن تثرثر وتشتم وتؤذى بعضها بعضا قبل أن تقرأ وتتحقق؟ هذه ليست فضيحة فقط وإنما كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.