في خطوة غير مسبوقة نحو إصلاح العلاقة الشائكة بين الملاك والمستأجرين في قانون الإيجار القديم، أصدرت المحكمة الدستورية العليا صباح اليوم، برئاسة المستشار بولس فهمي، حكمًا بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، الذي يقضي بتثبيت الأجرة السنوية للأماكن السكنية المرخصة منذ سريان هذا القانون. ويأتي هذا الحكم ليمثل علامة فارقة في معالجة قانون الإيجار القديم الذي أثار جدلًا كبيرًا على مدار عقود، ويرى الكثيرون أن الحكم سيكون له أثر عميق في تحسين وضع الملاك والمستأجرين على حد سواء، وهو ما يفتح الباب أمام تدخل تشريعي منتظر لضبط هذه العلاقة في إطار قانوني جديد. حيثيات حكم المحكة الدستورية الإيجار القديم بحسب حيثيات الحكم، رأت المحكمة أن تثبيت الأجرة منذ الثمانينات يشكل «انتهاكًا لحق الملكية» ويمثل «عدوانًا على قيم العدل»، حيث إن هذا التثبيت يحرم الملاك من عوائد منصفة تتماشى مع التغيرات الاقتصادية ومعدلات التضخم، فالقانون، منذ صدوره في أوائل الثمانينات، ألزم الملاك بتأجير وحداتهم بأسعار ثابتة، حتى مع تزايد التكاليف وتراجع قيمة العملة، واستمر المستأجرون، وكذلك ورثتهم من الدرجة الأولى، بالاستفادة من هذه العقود دون أي تعديل في قيمة الأجرة. ويعتبر هذا الوضع، وفق المحكمة، إخلالًا بميزان العدالة، إذ أن استمرار تثبيت الأجرة يحدّ من حقوق الملاك ويحول دون حصولهم على عوائد عادلة من استثماراتهم في العقارات. كذلك، أشارت المحكمة إلى أن القوانين الاستثنائية، مثل قوانين الإيجار القديمة، يجب أن تُراعي التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية وأن تكفل العدل لكلا الطرفين. متي تطبق تعديلات قانون الايجار القديم؟ وأعلنت المحكمة أن سريان الحكم سيبدأ بعد انتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي لمجلس النواب، والذي من المتوقع أن ينتهي في منتصف عام 2025، جاء هذا التأجيل من المحكمة لمنح البرلمان الفرصة الكافية لصياغة تشريع جديد يُعيد تنظيم العلاقة الإيجارية، ويحدد الزيادات المناسبة للأجرة بما يتماشى مع الواقع الاقتصادي الحالي. ويُعَدّ هذا التأجيل خطوة حكيمة لمنع التأثيرات السلبية الفورية على المستأجرين، مما يتيح للبرلمان دراسة تدابير عادلة تعكس حقوق الطرفين وتحافظ على التوازن بينهم. ومن هذا المنطلق، من المتوقع أن يعمل البرلمان على إعداد تشريع شامل يتناول زيادة الأجرة السنوية وآلية تعديلها، بحيث تتناسب مع التغيرات الاقتصادية دون أن تُشكل عبئًا كبيرًا على المستأجرين. فالتعديلات المنتظرة قد تُلزم المستأجرين بدفع أجرة تتماشى مع الأسعار الحالية، وفي الوقت ذاته تمنع زيادات مفرطة تؤثر على قدرتهم على تحمل تكاليف السكن. أثر الحكم إلعاء الإيجار القديم على الملاك والمستأجرين يحمل هذا الحكم تداعيات كبيرة على المواطنين، سواء من أصحاب العقارات أو المستأجرين. فبينما ينتظر الملاك تحسنًا في عوائدهم الإيجارية، يتخوف بعض المستأجرين من ارتفاع مفاجئ في قيمة الأجرة. أثر الحكم على الملاك سيتيح هذا الحكم للملاك إمكانية الحصول على عوائد أفضل من عقاراتهم، خاصة إذا أقر البرلمان تعديلات ترفع من قيمة الأجرة أو تحدد زيادات سنوية تتماشى مع معدل التضخم. ويعاني العديد من الملاك من عوائد إيجارية ضئيلة على وحداتهم، مما دفع البعض إلى ترك عقاراتهم غير مستغلة أو بيعها بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية بسبب تقييد العوائد. أثر الحكم على المستأجرين يشكل هذا الحكم تحديًا للمستأجرين الذين اعتادوا دفع إيجارات ثابتة ومخفضة لسنوات طويلة. وإذا لم يتم تعديل القانون بشكل متوازن، قد يتعرضون لزيادات كبيرة في الأجرة أو احتمالية طردهم من العقارات. لذا، يتعين على البرلمان وضع آليات تدعم التدرج في رفع الأجرة، بحيث تراعي الظروف المعيشية وتجنب الزيادات المبالغ فيها. عدد الشقق المتأثرة بقانون الإيجار القديم تشير الإحصائيات إلى أن عدد الوحدات السكنية الخاضعة لقانون الإيجار القديم يتراوح بين 2.5 إلى 3 ملايين وحدة في مصر، وهو رقم ضخم يُظهر مدى تأثير هذا النظام على سوق العقارات. وقد أوضح النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، أن حوالي 50% من هذه الوحدات غير مستخدمة فعليًا، إذ يحتفظ بها المستأجرون دون استغلالها، مما يؤدي إلى إهدار موارد إسكانية في وقت يعاني فيه السوق من نقص الوحدات المتاحة. ويرى الخبراء أن فتح المجال أمام تعديل الأجرة قد يُسهم في إعادة طرح هذه الوحدات للسوق، إما عبر إخلائها وتسكينها من جديد، أو بتوفيرها لمن يحتاجون إلى سكن بأسعار تتماشى مع أسعار السوق. وبالتالي، قد يسهم هذا الحكم بشكل غير مباشر في تخفيف أزمة الإسكان وتحقيق استخدام أكثر فعالية للوحدات السكنية. دور البرلمان في المرحلة المقبلة: نحو توازن تشريعي يشهد البرلمان في الشهور المقبلة لتنفيذ قرار المحكمة الدستورية نقاشات مكثفة لصياغة قانون جديد يعيد ضبط العلاقة بين المالك والمستأجر. وفي ضوء حكم المحكمة يتناول التشريع الجديد عدة نقاط أساسية، أبرزها: - إقرار زيادات سنوية عادلة تتماشى مع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، بحيث تضمن للملاك عائدات تتناسب مع الظروف الاقتصادية، دون إرهاق المستأجرين بزيادات كبيرة فجائية. - تنظيم امتداد العقود والحد من استمرار العقود إلى الأبد بحيث ينتهي عقد الإيجار بوفاة المستأجر الأساسي أو انتقال ملكية العقار، لتجنب انتقال الملكية دون عائد معقول للمالك. - توفير بدائل للمتضررين والنظر في توفير دعم سكني للمستأجرين ذوي الدخل المحدود الذين قد يتأثرون بارتفاع الأجرة، سواء عبر دعم مباشر أو توفير وحدات سكنية بديلة.