بوريس جونسون يصدر مذكراته «مطلق العنان».. «لن نكون مقيدين مرة أخرى»

عادة ما يكتب المسؤولون مذكراتهم بعد خروجهم من السلطة؛ بعضهم يسرد قصة وصوله للمنصب وأهم المواقف التي مرت به، والبعض الآخر يكون لديه طاقة للسرد ويذكر كثير مما دار في الكواليس ويربطه بمواقف أخرى حتى يمنح ما يكتبه بنظرة تحليلية، والبعض الآخر يحكي لتبييض ماء وجهه وربما الدفاع- باستماته- عن قراراته، حتى لو اضطر لحشو ما يكتبه بالأكاذيب وهو الوصف الذي أطلقته صحيفة الإندبندنت على مذكرات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون والتي حملت اسم
Unleashed «مطلق العنان» والتي صدرت هذا الشهر ونشرت صحيفة ديلي ميل مقتطفات منها.
لم تكن الإندبندنت الصحيفة الوحيدة التي شنت هجوما على مذكرات بوريس جونسون ووصفتها بأنها «مليئة بالمزيد من الأكاذيب، فهو شخص دائم الدفاع عن نفسه بحيل ملتوية ويشبه نفسه بيوليوس قيصر»، كذلك كتبت الجارديان أن «مراجعو النص في دار النشر لابد وأنهم كانوا يرفعون اللافتات التحذيرية عند كل جملة فالكتاب ملئ بالمبالغات والتضليل لمصلحة جونسون»، وخلال الأيام الماضية أصبحت الأجزاء المنشورة من مذكرات جونسون حديث وسائل الإعلام العالمية.
ارتبط اسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وارتبط تنحيه عن منصبه بفضيحة بارتي جيت، وهو في مذكراته التي وصلت إلى 770 صفحة يتحدث عن أهم المحطات التي مر بها مستقبله المهني منذ بدأ حياته كصحفي في جريدة التايمز، ثم بداية العمل السياسي وهزيمته لكين ليفينجستون في صناديق الاقتراع ليصبح عمدة لندن لدورتين متتاليتين، وكيف تعامل خلال هذه الفترة مع أزمات مثل أعمال الشغب، وجرائم استخدام الأسلحة، وأولمبياد لندن، أيضا تحدث عن فترة عمله كوزير للخارجية وجهوده في الدفاع عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ثم قبوله في يوليو 2019 دعوة الملكة إليزابيث الثانية لتشكيل حكومة جديدة وقيادة عملية التصويت على البريكست بعد استقالة تريزا ماي حتى انتهت رئاسته للوزراء بتنحيه في 6 سبتمبر 2022.
مطلق العنان
يشير اسم المذكرات Unleashed «مطلق العنان» إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهو ما يعتبره جونسون المعركة التي خاضها بقوة وانتصر فيها ويقول في الكتاب: «لقد أطلقنا العنان ولن نكون مقيدين مرة أخرى... يتعلق الأمر بالحرية في عدم الخضوع لسيطرة الساسة الأوروبيين».
لكن يبدو أن جونسون في مذكراته قد أطلق العنان أيضا للكثير من الحكايات؛ فقد ذكر رئيس الوزراء الأسبق أن عملية طرح اللقاحات السريعة خلال جائحة كوفيد- 19 لم تكن تتم لولا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأنه كان يفكر في شن غارة على مستودع في لايدن في هولندا، لأخذ جرعات اللقاح التي أوقف الاتحاد الأوروبي تصديرها إلى المملكة المتحدة، وكيف بعد شهرين من المفاوضات خلص إلى أن الاتحاد الأوروبي يعامل المملكة المتحدة «بحقد وكراهية» لأن عملية تطعيم سكانها تتم بشكل أسرع، بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي«، وأضاف أن الكتابات على حوائط شوارع لندن كانت تقول»خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ينقذ الأرواح«، ويجد جونسون أنه لا يزال»يغضبه أن الاتحاد الأوروبي على استعداد للسماح للشعب البريطاني بالموت بدلا من الاعتراف بإمكانية وجود جانب إيجابي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي«.
يصف جونسون في مذكراته كيف شعر في أبريل 2020 عندما اضطر إلى نقله من10 داونينج ستريت إلى مستشفى سانت توماس وهو يعاني من كوفيد-19 قائلا: «لم يكن الأمر مجرد ضائقة جسدية؛ بل كان الشعور بالذنب والحرج السياسي، كنت بحاجة إلى الوقوف على قدمي والحركة لأقود البلاد، وأقوم بدوري في إصلاح دور الرعاية الصحية، ودفع عمليات البحث عن علاج».
حديث جونسون عن تعامله مع جائحة كوفيد 19 جعل الصحف تعيد الإشارة إلى حفلات مكتب رئيس الوزراء في «داونينج ستريت» خلال فترة الإغلاق فيما عرف باسم «بارتي جيت»، والتي بسببها تنحي جونسون عن منصبه بعد أن أنهت الشرطة البريطانية تحقيقاتها وفرضت 126 غرامة كان أغلبها على جونسون بسبب تجمع في مكتبه للاحتفال بعيد ميلاده ال56 في يونيو 2020.
في الوقت نفسه ذكر جونسون في كتابه إلى اعتقاده أنه لم ينتهك أي قواعد في الحفلات في داونينج ستريت أثناء الوباء، وبخصوص حفل عيد ميلاده نفى جونسون «الاحتفال مع أي شخص.. لم أر كعكة. لم أتناول كعكة... لم أغني ولم أرقص»، وقال إنه يشك في أن المعلومات المقدمة للشرطة كانت عادلة لكنه دفع الغرامة و«واصل العمل».
تنصت نتنياهو
كتب جونسون في مذكراته عن بعض المواقف التي مرت به خلال عمله ومنها أنه خلال عمله كوزير للخارجية وأثناء لقاءه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب الأخير استخدام دورة المياه الخاصة بجونسون والتي وصفها بأنها «تشبه الحمامات الموجودة في النوادي الفاخرة في لندن وتقع داخل ملحق سري في المقر»، وقال إن «بيبي قضي وقتا طويلا داخله، وقد يكون الأمر مصادفة، لكنني أُبلغت أنه لاحقا، عندما كانوا يقومون بمسح منتظم لأجهزة التنصت، وجدوا جهاز تنصت».
وذكرت صحيفة التليجراف أنه من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل قد واجهت أي اتهام بشأن هذا الحادث، مشيرة إلى أنه في نفس العام ذكر تقرير لبوليتيكو- استنادا إلى شهادة ثلاثة مسؤولين أمريكيين- أن إسرائيل تتنصت على البيت الأبيض، ووقتها نفى نتنياهو التقرير ووصفه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بأنه «من الصعب تصديقه».
مغازلة بايدن لزوجة جونسون
تعرض جونسون أيضا لصحة الرئيس الأمريكي جو بايدن وقال في لقاءه مع الرئيس الأمريكي قبل قمة مجموعة السبع عام 2021 كان من المفترض أن يصعد بايدن على متن حاملة الطائرات البريطانية HMS Prince of Wales والتي تبلغ قيمتها 3.3 مليار جنيه إسترليني، وذلك لأن الوصول لها يتطلب مش الكثير من الخطوات، وهو ما أثار التساؤل حول لياقته البدنية، وأضاف جونسون بأنه كان متخوفا من أن ينام بايدن في الاجتماعات لكنه لم يفعل وفي جزء من ذلك بسبب إعجابه بزوجته الجديدة كاري حتى أنه عرض مازحا أن يتنزه هو كاري على الشاطئ قائلا: «لماذا لا نذهب أنا وأنت إلى الشاطئ.. ونترك هذا الرجل هنا؟»، وهو ما جعل زوجته جيل بايدن تظهر علامات الإحراج والدهشة.
خرق البروتوكول الملكي
اعتبرت شبكة CNN أن بوريس جونسون خرق في مذكراته البروتوكول الملكي حينما تحدث عن صحة الملكة إليزابيث الثانية- والتي تنحي عن منصبه قبل يومين من وفاتها- حيث زعم جونسون أن الملكة الراحلة كانت تعاني من سرطان العظام قبل وفاتها، وهي أول إشارة عامة من مسؤول حكومي كبير سابق حول سبب وفاة الملكة الذي كتب في شهادة وفاتها أنه بسبب «الشيخوخة».
وحول آخر لقاء له معها كتب جونسون: «لقد بدت شاحبة ومنحنية الظهر، وكانت تعاني من كدمات داكنة على يديها ومعصميها، ربما بسبب الحقن، لكن عقلها لم يتأثر بمرضها، ومن وقت لآخر أثناء محادثتنا كانت تبتسم ابتسامة كبيرة بجمالها الذي يرفع الحالة المزاجية».
تحدث أيضا جونسون عن أنه في عام 2009 حينما كان عمدة لندن طلب الأمير أندرو مقابلته وبالفعل ذهب له في قصر باكينجهام، وهناك تحدث معه عن محطة طاقة باترسي والتي منذ عقود لا يتم الاستفادة منها واقترح أندرو هدمها فما كان من السير سيمون ميلتون، نائب العمدة الذي حضر الاجتماع، قائلًا: «لماذا لا نهدم قصر باكنجهام؟.
كما أشار جونسون إلى أنه التقي الأمير هاري بمفرده لمدة 20 دقيقة خلال قمة الاستثمار البريطانية الأفريقية في لندن في يناير 2020، وحاول إقناع الأمير هاري بالبقاء في لندن وعدم الابتعاد عن العائلة المالكة، لكنها تبعا لوصفه كانت مهمة «يائسة تماما»، حيث كان الأمير هاري على وشك مغادرة البلاد بالفعل، فالرجل الذي اشتهر بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فشل في جعل الأمير الشاب يبقى.
في ختام مذكراته نصح السياسيين بعدم الرد على الهجمات الشخصية التي يتعرضون لها خلال عملهم والتي يمكن أن تأتي مع الوظيفة، وخاصة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي.
يشار إلى جونسون قد حصل على مقدم قدره حوالي 510 آلاف جنيه إسترليني لكتابته الصادر عن دار «هاربر كولينز» بينما حصل ديفيد كاميرون مقدم نشر كتاب «For the Record» عام 2019 (800 ألف جنيه إسترليني) بينما حصل توني بلير على 4.6 مليون جنيه إسترليني عن سيرته الذاتية عام 2010 «A Journey»، ومن المتوقع أن يكسب جونسون عن مذكراته 3 مليون جنيه إسترليني.