من المؤكد أنك دخلت من قبل تحديًا من أصدقاءك أيكم ينجح في تكرار إحدى العبارات التالية 10 مرات بشكل صحيح.. (أرنبنا في منور أنور وأرنب أنور في منورنا) (قميص نفيسة نشف ولا لسه منشفش) (كلت قفص بصل ومصيت قفص قصب) (لحم الحمام حلال لحم الحمار حرام) (خيط حرير على حيط خليل) (طبق طبقنا طبق على طبق طبقكم يقدر طبق طبقكم يطبق على طبقنا) لكن هل تعرف أن تلك اللعبة الكلامية الشهيرة في الشوارع المصرية والمقاهي تسمى «المعاظلات» أو «التعاجيز» أو «الملابسات»؟، فجميعها مسميات تحمل معنى واحد، وهي مأثور شعبى شفهي. وتُعرف «المعاظلات اللسانية» بأنها عبارة عن تأليف الكلام من ألفاظ وعبارات ذات طبيعة خاصة قوامها التنافر الصوتي، في ضوء شروط خاصة للأداء. ويختبر البعض بتكريرها ثلاث مرات فأكثر دون توقف أو خطا أو تلكؤ، وذلك للدلالة على فصاحة اللسان. وتقول الدكتورة أسماء عبدالهادي، المدرس بقسم الآدب الشعبي في المعهد العالي للفنون الشعبية، إن «المعاظلات اللسانية موجودة في التراث العربي منذ القدم، حتى أن بعض الشعراء قديمًا مثل المتنبي وغيره اعتمدوا عليها في أشعارهم، وكذلك في النصوص والظواهر الشعبية عموما، ويصعب تحديد تاريخ نشأتها على وجه الدقة». وأضافت ل«المصري اليوم»: «المعاظلات اللسانية تقوم في الأساس على فكرة التنافر المتعمد بين حروف اللفظة الواحدة أو الألفاظ المتجاورة، وهذا هو التحدي فيها، وهي بالطبع لا زالت موجودة حتى الآن، بل وامتدت لأن تكون موجودة بشكل مدون وليس فقط بشكل شفاهي بين الناس». ولفتت «عبدالهادي» إلى أنه من الممكن أن نرى «المعاظلات» كثيرًا أو نقرأها على ظهر السيارات والمركبات، ومن كلمة واحدة حروفها كثيرة يصعُب نطقها، مثل (متستشيخليش) أو (متستشيخلناش)، بمعنى (متعملش نفسك شيخ). كما توضح أستاذ الأدب الشعبي أن «السوشيال ميديا» ساعدت في انتشار المعاظلات وتطورها والابداع فيها أحيانا، مؤكدة أن «تأثيرها قوي للغاية في حفظ وانتشار كثير من أشكال الثقافة الشعبية بشكل عام وأشكال الأدب الشعبي بشكل خاص، وهذا بدوره أدى إلى ظهور ما يعرف بالفولكلور الرقمي». فكاهة وسخرية لم يحظ هذا النوع الشيق من الأدب الشعبي بدراسة متخصصة من جانب المتخصصين بسبب قلة المصادر وعدم توافرها لدى الدارسين والباحثين، حتى أن بعض الباحثين من الممكن أن ينظر لهذا الموضوع نظرة دونية لاعتقادهم أن ذلك يعد إهدارًا للوقت، وأن الأولى هو البحث في أي مجال آخر. ويعد الدكتور محمد رجب النجار، أستاذ الفولكلور في جامعة الكويت، أحد القلائل الذين تميزوا بجمع ودراسة نوع من أنواع الأدب الشعبي التي لم تلق اهتماماً يليق بها، فقد قام بمساعدة طلابه بجهد كبير لجمع ما سماه ب (المعاظلات اللسانية). والتعاظل الحرفى قد ينجم في اللفظة المفردة، بسبب بنيتها أو تكوينها من حروف متجاورة أو متقاربة في المخارج مثال: (هعاخع) وقد تروى (هعخع) بمعنى العشب وقد رواها (الجاحظ). واستغل المبدع الشعبي «المعاظلات» التي تدلل على مقدرة أفراد الجماعة الشعبية بهدف قضاء وقت الفراغ، وإثارة روح الفكاهة والسخرية من الآخرين. ويعد أسلوب أداء المعاظلات ثنائى الإتجاه بين السائل والمجيب فهو عبارة عن مباراة لغوية أو لعبة قوليه يتبارى في أدائها طرفان على الأقل، يطرح كل منهما على الآخر ما لديه من معاظلات للتحدى والاختبار بشرط أن يقول المتبارى المعاظلة الواحدة عدداً من المرات المتتابعة لا تقل عن ثلاثة ولا تزيد عن سبعة دون غلط أو توقف، على أن يكون بصوت عال، واضح النبرات، فإن فشل المتكلم وعادة ما يفشل في المحاولات الأولى، فإنه يسمح له بأن يعيد الكرة مرات ومرات وهنا يتحقق التدريب الصوتي حتى يتقن أداء هذه العبارة أو المعاظلة، وعندئذ يعلن عن استعداده لترديدها مكررة أمامهم على نحو صحيح.