النفط يقفز 3% بعد العقوبات الأمريكية على شركات نفط روسيا    باسم مرسي: تألق بن شرقي وزيزو؟.. المنافس لديه 8 مليارات.. والزمالك مديون    حكم الشرع في خص الوالد أحد أولاده بالهبة دون إخوته    تحرك شاحنات المساعدات إلى معبري كرم أبوسالم والعوجة تمهيدًا لدخولها غزة    مصر تطرح رؤية جديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في أعمال المراجعة ب«الإنكوساي 25» بشرم الشيخ    موعد مباراة منتخب مصر للكرة النسائية وغانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية    هانيا الحمامي ويوسف إبراهيم يتأهلان إلى نصف نهائي بطولة الولايات المتحدة للاسكواش    العثور على جثة «مجهول الهوية» على قضبان السكة الحديد بالمنوفية    بيتصرفوا على طبيعتهم.. 5 أبراج عفوية لا تعرف التصنع    لقاء حول نظام البكالوريا الجديد خلال زيارة مدير الرقابة والتفتيش ب«التعليم» لمدارس بورسعيد    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في الشرقية    فاليري ماكورماك: مصر مثال عظيم في مكافحة السرطان والتحكم في الأمراض المزمنة    البيطريين: إجراء تعديلات شاملة لقانون النقابة وطرحها لحوار مجتمعي    الداعية مصطفى حسنى لطلاب جامعة القاهرة: التعرف على الدين رحلة لا تنتهى    اندلاع حرائق كبيرة بسبب الغارات الإسرائيلية على البقاع    طريقة عمل الأرز البسمتي بالخضار والفراخ، وجبة متكاملة سريعة التحضير    لعدم استيفائهم الأوراق.. الهيئة الوطنية للانتخابات تستبعد 3 قوائم انتخابية    الداخلية تواصل حملاتها لضبط الأسواق ومواجهة التلاعب بأسعار الخبز    رفع 3209 حالة اشغال متنوعة وغلق وتشميع 8 مقاهي مخالفة بالمريوطية    نقابة السجون الفرنسية تندد بوجود ضباط مسلحين لحراسة ساركوزي داخل السجن    انطلاق المؤتمر الصحفي لحزب المصري الديمقراطي للإعلان عن برنامجه الانتخابي    تفاوت كبير في سعر الدولار اليوم 23 أكتوبر.. اعرف تحديث البنوك الجديد    القوات المسلحة تشارك عددا من دول الكومنولث الاحتفال السنوي بإحياء الذكرى ال 83 لضحايا معركة العلمين    موعد مباراة ليفربول القادمة عقب الفوز على فرانكفورت والقنوات الناقلة    بشير التابعي: زيزو أفضل لاعب في الأهلي    عندنا أمم إفريقيا.. محمد شبانة يوجه رسالة هامة ل ياسر إبراهيم    عاجل- قرارات جديدة من رئيس الوزراء.. تعرف على التفاصيل    بسعر 27 جنيهًا| التموين تعلن إضافة عبوة زيت جديدة "اعرف حصتك"    خطة عاجلة بمركز طامية لسرعة إنهاء ملفات تقنين أملاك الدولة    حجز الحكم على البلوجر علياء قمرون بتهمة خدش الحياء العام ل29 أكتوبر    الدفع ب 9 سيارات إطفاء للسيطرة على حريق مصنع أخشاب بالشرقية    البنك الأهلي يحصد شهادة التوافق لإدارة وتشغيل مركز بيانات برج العرب من معهد «Uptime»    الحكومة توافق علي إصدار عملات تذكارية ذهبية وفضية بفئات متعددة.. تفاصيل    حنان مطاوع بعد فيديو والدها بالذكاء الاصطناعي: "اتصدمت لما شوفته وبلاش نصحي الجراح"    رانيا يوسف تكشف الفرق الحقيقي في العمر بينها وبين زوجها: مش عارفة جابوا الأرقام دي منين!    السادة الأفاضل.. انتصار: الفيلم أحلى مما توقعته ولا أخشى البطولة الجماعية    الجيش الثالث الميداني يفتتح مزار النقطة الحصينة بعيون موسى بعد انتهاء أعمال تطويره    اليوم.. الكنيسة القبطية تستضيف اجتماع لجنة الإيمان والنظام بمجلس الكنائس العالمي    الكنيست يوافق على المناقشة التمهيدية لمشروع قانون ضم إسرائيل للضفة الغربية المحتلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 139 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    أسبوعان على وقف إطلاق النار.. بطء في دخول المساعدات وخروقات بالشجاعية وخان يونس    إنجاز طبي جديد بعد إنقاذ مريض فلسطيني مصاب من قطاع غزة    توقع بروتوكول تعاون بين «المؤسسة العلاجية» و«فاكسيرا» لتعزيز التكامل في الخدمات العلاجية    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    اتحاد الثقافة الرياضية يحتفل بنصر أكتوبر وعيد السويس القومي    محمد صلاح.. تقارير إنجليزية تكشف سر جديد وراء أزمة حذف الصورة    كل ما تريد معرفته عن منصب المفتى بالسعودية بعد تعيين الشيخ صالح الفوزان    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    من بيتك.. سجّل الآن فى حج القرعة 2026 بسهولة عبر موقع وزارة الداخلية    شبكة العباءات السوداء.. تطبيق "مساج" يفضح أكبر خدعة أخلاقية على الإنترنت    تامر حسين يوضح حقيقة خلافه مع محمد فؤاد بعد تسريب أغنيته    أستاذ علوم سياسية: القمة المصرية الأوروبية تعكس مكانة مصر ودورها المحورى    مقتول مع الكشكول.. تلميذ الإسماعيلية: مشيت بأشلاء زميلى فى شنطة المدرسة    الإعلان عن القائمة النهائية الرسمية لمرشحى مجلس النواب 2025    سعر اليورو مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025 في البنوك المحلية    على أبو جريشة: إدارات الإسماعيلى تعمل لمصالحها.. والنادى يدفع الثمن    روزاليوسف.. ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن عودة الوعى وخطر الانتحار
نشر في المصري اليوم يوم 17 - 07 - 2010

هناك فيلم للمخرج الفرنسى المهم «لوى مآل»، تم توزيعه تحت اسم «لو فو فوليه‎»‎،‎ العنوان الذى يمكن ترجمته بال «نار فى الداخل».. الفيلم يحكى قصه رجل عاش معظم‎ حياته فى شبه غيبوبة تحت تأثير الخمر، ثم بعد إتمام علاجه من حالة التغييب تلك،‏‎ أصابته حالة اكتئاب، حتى أن الخمر لم يعد له التأثير السابق، لأن تأثيره صار إما‎ منفرا وموجعا أم مثيرا لمزيد من الاكتئاب. وحياة الرجل السابقة صارت مجردة من‎ المعنى، وحياته الجديدة دون اتجاه أو هدف، فقرر فى النهاية الانتحار‎.
أعتقد أن هناك توازياً بين هذه القصة وما يحدث للعقل الجماعى المصرى حاليا‎.. أعرف أن هذه المقارنة قد تبدو غريبة للوهلة الأولى، والتشابه الموجود حتميا سيكون‎ تقريبياً، لأن أى «عقل جماعى»، إذا كان موجودا، لا محالة أن يكون مختلفا جذريا عن‎ وجدان الفرد، لكنى سأحاول سرد بأكبر قدر من الوضوح المقيد بمساحة المقال سلسلة‎ الأفكار التى قادتنى لهذه النتيجة‎.‎
فى أعقاب الحقبة الناصرية مباشرة، نشر توفيق الحكيم كتابه عن «عودة الوعى». هذا‎ العنوان كان تنويعا على ‏«عودة الروح»، قصته التى أعجبت ناصر كثيرا. قال الحكيم، فى‎ عودة الوعى، إن الرئيس كان ديكتاتورا مغرما بالشعارات الرومانسية، ففصّل قيادته على‎ صورة محسن فى «عودة الروح»، ورأى فى نفسه مخلّصا للإنسان البسيط، يعيد له كرامته،‎ رغم أنه لم يكن لديه خطة واقعية لفعل ذلك، بل إنه كان مهتماً بالدرجة الأولى فقط‎ بصورته كزعيم.. واعتقد الحكيم، أن فى ظل لغة الشعارات والشعر السياسى التى نتجت،‎ صارت البلاد وكأنها كانت تحت تأثير حالة تنويم مغناطيسى، فابتعدت فيها عن الواقع؛‎ فحتى جسامة كارثة 1967 لم يتيقن المصرى العادى بحجمها إلا عبر قراءات من بين سطور‎ الصحف الغامضة‎.‎
أى أن من وجهة نظر توفيق الحكيم أن مصر الناصرية دخلت فى حالة غيبوبة تشبه حالة‎ إدمان الخمر.. اللافت للنظر هنا أن الحكيم كان من أكبر مؤيدى ال«ثورة» فى البداية،‎ وكان يعتز باحتفاء ناصر به.. أما ما تسبب فى الفراق بينه وبينها لم يكن سببه الوحيد‎ هو الفشل الحربى، إنما أيضا الفشل الفكرى.. فالحكيم كان ينتقد بطريقة لاذعة النظام‎ القديم الذى سبق يوليو 1952، لكنه كان يفعل ذلك من زاوية ليبرالية؛ من خلال وجهة‎ نظر مثقف يعشق التراث الفكرى العالمى ويتفاعل معه.. أما النظام الجديد، فقد عمل‎ دؤوبا على عزل مصر عن العالم، بل دخل بها فى حرب ثقافية وسياسية معه، وفصلها عنه،‎ وشيد فى ظل تلك العزلة عالما شعائريا بديلا من صناعته، فكان تقبله فى النهاية أصعب‎ من قبول النظام القديم‎.‎
عند قراءة «عودة الوعى»، يبدو من الواضح أن الحكيم كان يعتقد أن حالة التغييب‎ والعزلة تلك قد انتهت مع وفاة عبدالناصر. لكننا نعلم الآن أن الحال لم يكن كذلك‎. فالنظام الساداتى جاء هو الآخر بشعارات وهمية عن ال«انفتاح» والرخاء والديمقراطية،‎ ولم يتحقق أى منها. على العكس، صار الانفتاح نوعاً من الفوضى الاقتصادية، صاحبتها‎ حالة أكثر حدة من الانغلاق الاجتماعى وسيادة الأصولية الدينية. والديمقراطية ظلت‎ صورية.. وظلت «سياسة الصدمات» ومبادرات الحاكم الجسورة تعوض عن مسار سياسى مدروس،‎ وتعمل على تغييب البلاد عن الواقع وتلهيها عن مشاكلها الحقيقية - مثلا، عن بنيتها‏‎ التحتية المنهارة فى جميع المجالات تقريبا.. حتى صارت البلاد دون طرق أو نظام‎ اتصالات أو جامعات يمكن حتى الحصول فيها على نسخ من أهم الدوريات العلمية، ناهيك عن‎ إمكانية وجود أبحاث علمية جادة بين جدرانها‎.
فى عصر مبارك تم إصلاح بعض هذه العيوب لحد ما، لكن فى ظل استمرار غياب الشفافية‎ والمشاركة الشعبية، وفى استمرار تفشى الفساد وتزايد الفوارق الاجتماعية الفجة، لم‎ تصل ثمار التنمية للناس. وكانت التنمية نفسها تسير بطريقة فاقدة للكفاءة، بالنسبة‎ للأموال الطائلة المستثمرة فيها، وذلك، إلى حد كبير، نتيجة الفساد وتفضيل أهل‎ المحسوبية على أهل الخبرة، وأيضا لغياب المهارات التقنية‎.
لم تتمكن «جمهورية يوليو الثالثة» من تغييب الناس مثلما فعلت الأولى والثانية،‎ ذلك نتيجة لسياستها ال«فايقة» والعقلانية نسبيا، وللقدر الأكبر من الحرية المتاح‎ فى ظلها.. ما حدث إذن فى الفترة الأخيرة هو أن منومات الماضى لم تعد فعالة، بل صارت‎ منفرة ومثيرة لمزيد من الاكتئاب، بدلا من تفعيل النشوة المرجوة منها، تماما كما حدث‎ لبطل الفيلم المذكور، لتجد مصر نفسها متيقنة لحالة التوهان التى نتجت عن أكثر من‎ نصف قرن من حكم ارتكز أساسيا على تغييب وجدان الأمة الجماعى.. أى ما حدث هو عملية‎ ‎«‎فوقان» من تأثير التنويم المغناطيسى، وعودة الوعى التى تكلم عنها الحكيم، ليجد‎ المجتمع المصرى نفسه دون اتجاه واضح للمضى قدما.. كل ما أتمناه الآن ألا يؤدى ذلك‎ للانتحار الجماعى - أى أن تنتقل السلطة لحركات شمولية، دينية كانت أو علمانية - على‏‎ العكس، أرجو أن تعنى عودة الوعى العودة لأسس التعددية والانفتاح الحقيقى، المفتقدة‎ منذ 52‏‎.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.