«دافوس الصيف الساخن»

(1)
«دافوس وحقبة الصراع والعنف»
عقد المنتدى الاقتصادى العالمى المعروف باسم: «دافوس» دورته ال51 بعد لقاءين افتراضيين بسبب الكوفيد- 19، وذلك في الفترة من 22 مايو إلى 26 مايو الماضى. انعقد اللقاء في مطلع فصل الصيف على غير العادة، حيث كان ينعقد على مدى عقود- منذ عام 1971- في شهر يناير من كل عام، أي في ذروة الشتاء. يأتى اللقاء في ظل صيف ساخن، ليس على المستوى المناخى فقط، وإنما على مستوى ما يتهدد العالم من احتمالية الانزلاق إلى حرب عالمية جديدة إذا لم تتوقف الحرب الروسية الأوكرانية التي انطلقت نهاية فبراير الماضى، إضافة إلى ما يواجه العالم من تحديات متعددة الأبعاد والمستويات.
لذا لم يبالغ المسؤولون عن اللقاء عندما اختاروا عنوانا للقاء يعبر عن اللحظة التاريخية الحرجة التي يشهدها العالم، وذلك كما يلى: «تاريخ في نقطة تحول: السياسات الحكومية واستراتيجيات الأعمال» History at a Turning Point: Government Policies & Business Strategies؛ وهو ما عبر عنه بدقة في كلمته الافتتاحية الرئيس الجديد للمنتدى «يورجى براندى» قائلا: «من الناحية الجيوسياسية، هناك تخوّف عام جدىّ من أن العالم قد أصبح في خضم حقبة جديدة من الصراع والعنف»، ما يستدعى ضرورة التعاون الدولى حتى يمكن تجاوز هذه اللحظة الجيو- سياسية والجيو- اقتصادية المعقدة التي تُلقى بظلالها على جميع الدول دون استثناء.
(2)
«ظرف تاريخى ساخن ونقاشات فاترة»
في هذا السياق، تضمن جدول أعمال دافوس 2022 ستة محاور دارت حولها فعاليات المنتدى، وذلك كما يلى: أولًا: التعاون العالمى، ثانيًا: اقتصادات مُنصفة، ثالثًا: تأمين مجتمعات صحية وعادلة، رابعًا: تأمين الانتعاش الاقتصادى وتحفيز النمو، خامسًا: مواجهة الأخطار التي تتهدد المناخ والغذاء والطبيعة، سادسًا: مواكبة الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعى وربطهما بأهداف التنمية المستدامة..
ويبدو لى من متابعة كثير من المقاربات في أكثر من محور أن اتجاهات النقاش قد مالت إلى: أولًا: استعراض ما أصاب الاقتصاد العالمى من ضربات موجعة نتيجة الأزمة الاقتصادية المستمرة على مدى أكثر من عقد من الزمان والتى فاقمتها الجائحة الفيروسية لأكثر من سنتين (2020 و2021)، إضافة إلى الآثار الوضعية البيئية والمناخية الكارثية التي باتت تهدد الكوكب.
وثانيًا: تقديم حلول سريعة لتجاوز الوضعية الصعبة التي يمر بها العالم.. ومن ثَم غابت عنها الرؤى النقدية الحاسمة والحلول الجذرية. وفى المرات القليلة التي تحدث فيها البعض عن ضرورة إحداث تحولات جذرية اقتصادية لم يقل لنا أحد ماهية هذه التحولات وطبيعتها والكيفية التي تمكن من ذلك.. لذا توقف الحديث عند حد التغييرات التقنية في اقتصادات الدول.
فبالرغم من أن عنوان اللقاء يوحى للمتابع بأن العالم والإنسانية يواجهان لحظة فارقة في التاريخ- أو ظرفًا تاريخيًا ساخنًا- إلا أن الطروحات والنقاشات لم تأت بجديد- ويمكن أن نقول فاترة- حيث اِجتُرت كثير من المعلومات والإحصائيات والأفكار. ويكفى أن نشير إلى اللقاء الذي سبقه ومحاولة مؤسس المنتدى ورئيسه السابق «كلاوس شواب» أن يطرح نموذجا رأسماليا جديدا سماه: رأسمالية أصحاب المصلحة Stakeholders Capitalism؛ كبديل لرأسمالية المساهمين Shareholders Capitalism؛ حيث يفتح النموذج الجديد مساحة أوسع للشراكة تتجاوز رجال المال والأعمال، ومن ثم يؤسس اقتصادا عالميا جديدا- في تصوره- يعمل من أجل التقدم والناس والكوكب.
(3)
«تواطؤ أم كسل؟!»
الخلاصة.. لم يقدم دافوس إضافة حقيقية للعالم في هذه الدورة الساخنة: مناخًا ووضعًا؛ حيث أخذ يجتر الكثير مما طرح من قبل سواء في دافوس أو في منتديات ومؤسسات ومحافل أخرى.. وكأن هناك «كسلًا»، وربما تواطؤ على إبقاء النظام الاقتصادى العالمى على ماهيته التي ثبت فشلها وعلى تجديد العولمة (الاحتكارية والاستهلاكية والتى أدت إلى التبعية واللامساواة الحادة بين دول الشمال ودول الجنوب وفى داخل الدولة الواحدة) مرة أخرى مع بعض التحسينات فيما يتعلق بمواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية فيما عُرف بالتحول الأخضر..وبالرغم من إطلالة «كيسنجر» اللافتة وحديثه عن أن الأزمة الأوكرانية سوف تعيد هيكلة النظام العالمى، إلا أن ما قاله لم يكن له تأثير على مخرجات اللقاء.