من هنا إلى رواندا عبر بريطانيا

تركوا بلدانهم لأسباب أغلبها يتعلق بالحالة الأمنية وربما الاقتصادية آملين فى حياة أفضل فى بريطانيا، حيث معايير معيشية أعلى ويحظى المقيمون فيها بحقوق ومميزات ومساعدات أكبر، وبعد رحلة محفوفة بأهوال البحر وأهوال البر، يجدون أنفسهم فى رواندا. بلغة حقوق اللاجئين، يسمون ذلك «ترحيلًا قسريًّا». صاحبة الفكرة هى وزيرة الداخلية البريطانية بريتى باتل، المنتمية لأسرة من المهاجرين أصلًا- والتى رأت أن أفضل الحلول للهجرة غير الشرعية الترحيل إلى دولة ثالثة لمواجهة هذه «التجارة القاتلة»، وأغلبها فى الشرق الأوسط وإفريقيا من جهة، ولوضع «حل جذرى لانهيار النظام العالمى للجوء الذى ينهار لشدة الأزمات الإنسانية والاتجار فى البشر» من جهة أخرى. المقترح الغريب تعتبره باتيل مبتكرًا وفريدًا. لكن كثيرين غيرها يرونه مجحفًا وظالمًا ويفتقد أدنى قواعد الإنسانية. رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون حين عرض الفكرة وصفها بأنها «عرض لجوء رائد على مستوى العالم». لكن كبير أساقفة كانتربيرى جاستن ويلبى رأى «أسئلة أخلاقية جدية» فى الفكرة. وأمير ويلز الأمير تشارلز وصف الفكرة «سرًّا» بأنها «مروعة». ويقول مقربون منه إنه محبط من سياسة الحكومة البريطانية فى شأن اللجوء. المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اعتبرت أن الفكرة برمتها «شىء غير قانونى».
وقالت صراحة إنها تعارض نقل طالبى اللجوء إلى دول أخرى. عدد من المنظمات الحقوقية العاملة فى ملف الهجرة واللجوء يعارض الفكرة بشدة، بالإضافة بالطبع إلى طالبى اللجوء الذين يعيشون فى قلق رهيب منذ شهر إبريل الماضى حين تم الإعلان عن القرار. وظلوا يعيشون على أمل أن تفلح جهود الضغط على الحكومة البريطانية لإلغاء القرار، لا سيما بعد ما تم اللجوء إلى القضاء البريطانى لإلغاء قرار «الترحيل القسرى» أو النقل إلى رواندا. لكن قبل أيام من انطلاق أولى رحلات الترحيل أمس، صدر قرار المحكمة بالمضى قدمًا فى نقل أولئك الذين يدخلون بريطانيا بشكل غير قانونى إلى رواندا. صحيح أن عدد أفراد هذه الرحلة الأولى إلى رواندا يحمل بين سبعة و30 شخصًا فقط، لكن يُخشى أنها مجرد البداية. القاضى برر الحكم قائلًا إن هناك مصلحة عامة فى قدرة وزيرة الداخلية باتيل على تنفيذ سياستها. وبالطبع أشادت الوزيرة بقرار المحكمة، وقال جونسون إنه «نبأ سار». صحيفة «جارديان» البريطانية تحدثت إلى عدد ممن سيتم ترحيلهم وأغلبهم عراقيون وسودانيون الذين تحدثوا عن أهوال رحلة الهروب، وتحويشة العمر التى سلموها لعصابات التهريب، ورحلة البحر المرعبة واجتياز الحدود أملًا فى حياة أفضل فى بريطانيا. بل إن بعضهم قال إنه حين علم أنه سيتم نقله إلى رواندا، اعتقد أنها مدينة قريبة من «ليفربول» وليست دولة فى شرق وسط إفريقيا على بعد خطوات من خط الاستواء. أغلب الظن أن الترحيل إلى رواندا إشهار بأن بريطانيا توشك على إغلاق باب اللجوء، لا سيما لأولئك القادمين من الجنوب.