الاعتداء على الأطقم الطبية داخل المستشفيات أثناء تأدية عملهم أصبح ظاهرة في تزايد مستمر، فلم تمر أيام قليلة على واقعة الاعتداء على طبيب بمستشفى القاهرة الجديدة، وإصابته بكسر في عظام الجمجمة وارتجاج بالمخ، حتى اعتدى أهالى مريض على طبيب آخر بمستشفى السويس، وذلك على خلفية مشادة نشبت بينهما بعدما طالبهم الطبيب بخفض أصواتهم ومنع الضوضاء داخل طرقات المستشفى. وقائع الاعتداء على الفريق الطبى تسببت في حالة من الغضب العارم لدى الأطباء، وطالبوا بحمايتهم من كافة أشكال الاعتداءات اللفظية والجسدية، وسط مطالب بتسريع وتيرة قانون المسؤولية الطبية، الذي يرى البعض أنه سيضع حلًّا لتك الظاهرة التي تسببت في هجرة الكثير من الأطباء للخارج. وفقًا لإحصائية صادرة عن نقابة الأطباء، فإن هناك حوالى 11 ألفًا و536 طبيبًا قد استقالوا من العمل الحكومى خلال السنوات الثلاث الماضية، فيما ذكرت دراسة تابعة لوزارة التعليم العالى أعدتها بالتعاون مع وزارة الصحة، أن أعداد الأطباء البشريين المرخص لهم بمزاولة مهنة الطب حتى آخر عام 2018 تُقدر بحوالى 212 ألفًا و835 طبيبًا، بينما من يعمل فعليًا في مصر بالجهات الحكومية المختلفة حوالى 82 ألف طبيب فقط بنسبة 38% من القوة الأساسية المرخص لهم بمزاولة المهنة، وأضافت الدراسة أنه طبقًا لهذا العدد يكون معدل الأطباء في مصر، 9 أطباء لكل 10 آلاف مواطن بينما المعدل العالمى 23 طبيبًا لكل 10 آلاف مواطن. عزوف هذا الرقم الضخم من الأطباء عن مزاولة المهنة بالجهات الحكومية، سواء بهجرتهم خارج البلاد، أو العمل في القطاع الخاص، أو العمل في العيادات الخاصة، نتيجة لضعف الرواتب الحكومية، وعدم توفير المناخ الآمن للطبيب، والافتقار إلى تغليظ العقوبات على متعدى المنشآت الطبية، وعدم العمل بقانون المسؤولية الطبية، وغياب التدريب الكافى للأطباء. وقال الدكتور أبوبكر القاضى، أمين صندوق نقابة الأطباء، في تصريحات ل«صحتك بالدنيا»، إنه بالرغم من امتلاك مصر العدد الكافى من الأطباء، فالمسجلون بالنقابة يقرب عددهم من 380 ألف طبيب، إلا أننا نعانى من نقص شديد ونحن في صدد تطبيق التأمين الصحى الشامل، وهو من أعظم المشاريع التي تتبناها الدولة ويحتاج لعدد كبير من الأطباء، مشيرًا إلى ضرورة دراسة أهم أسباب الهجرة، والتى يأتى في مقدمتها تدنى مستوى رواتب الأطباء، لافتًا إلى أن التأمين الصحى الشامل يعد أحد الحلول القوية لزيادة دخل الأطباء، إذ أشارت هيئة التأمين الصحى إلى أن متوسط راتب الطبيب في نظام التأمين الصحى الشامل الذي تم تطبيقه في بعض محافظات مصر 17 ألف جنيه. وللقضاء على ظاهرة هجرة الأطباء، شدد أمين صندوق النقابة العامة للأطباء، على ضرورة تقديم التسهيلات الخاصة باستخراج التراخيص، وحل المشاكل والشروط التعسفية الخاصة بها، مضيفًا أن هذا من شأنه أيضًا تقنين وضع الأطباء، وتستطيع الدولة أن تستفيد من تحصيل الضرائب، بالإضافة إلى المساهمة في توفير فرص عمل والقضاء على البطالة، لأن العيادات ليست قائمة على الطبيب المعالج فقط، بل تضم طاقم التمريض، والفنيين، والعمال. وأكد الدكتور أبوبكر القاضى ضرورة خلق أجواء صحية آمنة في العمل، مشيرًا إلى أن إقرار قانون المسؤولية الطبية الذي يناقش في البرلمان حاليًّا يستطيع أن يوفر البيئة الآمنة للطبيب ويجعله يعمل دون ضغط نفسى. وشدد «القاضى» على ضرورة تغليظ عقوبة الاعتداء على المنشآت والطواقم الطبية، مؤكدًا أن ظاهرة تعدى المريض أو أحد أفراد عائلته على الطبيب تزداد يومًا بعد يوم، ولكن إذا تم تطبيق القانون ونال المتعدى العقوبة الرادعة، سيحافظ هذا على مقدرات الدولة من الأطباء والمنشآت. بدورها قالت الدكتورة نجوى الشافعى، عضو لجنة الصحة بمجلس الشيوخ، إن حدوث مضاعفات للمريض لا يعنى أبدًا أنه خطأ طبى، فعندما تحدث أي مضاعفات للمريض يحاسب الطبيب وفقًا لقانون العقوبات، وكأنه متعمد إيذاء المريض، وهذا غير منطقى على الإطلاق، وأكدت أن أهم أسباب هجرة الأطباء عدم شعورهم بالأمان، والعمل تحت ضغط نفسى، وأن قانون المسؤولية الطبية سيكون الحل الأمثل لتوفير بيئة آمنة للأطباء، موضحة أنه بموجب القانون ستتوفر هيئة مختصة تشكل لجنة استشارية مكونة من 3 استشاريين مختصين، وعندما ترد أي شكوى من المريض يتم اللجوء إلى تلك الهيئة، التي تقوم بدورها بتقديم البلاغ مع ملف المريض للجنة الاستشارة، والتى تضم ممثلًا من الطب الشرعى وممثلًا قضائيًّا، وتقوم بدراسة الشكوى وتحدد ما إذا كان المريض قد أصيب بمضاعفة طبية، أو خطأ طبى، أو إهمال، وبعد تحديد مستوى الإصابة يتم تحديد جهة محاسبته، فإذا كان هناك إهمال يتحول للجنائى، وإذا ثبت أنها مضاعفة فلا يعاقب حينها الطبيب، أما إذا كان الخطأ طبيًّا فالعقوبة لا بد أن تكون مادية فقط، بمعنى أن يدفع الطبيب غرامة ولا يتعرض للحبس. وتابعت: «مافيش طبيب يتحبس عشان خطأ طبى. لا يحدث ذلك في أي دولة في العالم»، وتقدر الغرامة المالية وفقًا لحجم الإصابة، وتتولى شركات التأمين سداد قيمة الغرامة، إذ يشترط قانون المسؤولية الطبية عدم مزاولة مهنة الطب في مصر إلا في حال أن يكون الطبيب مؤمّنًا عليه من إحدى شركات التأمين، وهى التي تتولى دفع التعويض للمريض حال وقوع الخطأ الطبى. ولقانون المسؤولية الطبية شروط أساسية حددتها عضو لجنة الصحة بمجلس الشيوخ في الآتى: التأكد من ترخيص الطبيب لمزاولة المهنة من وزارة الصحة والنقابة، والتأكد من ممارسة الطبيب تخصصه فقط، بالإضافة إلى التأكد من توافر الإمكانيات بالمستشفى الذي يعمل به، وذلك لأن المستشفى يتحمل جزءًا من المسؤولية إذا لم تكن يوفر الإمكانيات اللازمة للطبيب. وقال الدكتور أسامة عبدالحى، أستاذ التخدير، الأمين العام الأسبق للنقابة، إن من أهم عوامل الطرد للأطباء ضعف الرواتب، فالإخصائى الحاصل على ماجستير والذى يعمل ب«النبطشية» في المستشفيات الحكومية، يحصل على 45- 100 جنيه في النوبتجية الواحدة، واصفًا هذا بالراتب الهزيل، ومع استقالة أعداد كبيرة من الأطباء من العمل الحكومى، لجأت المستشفيات الحكومية إلى نظام التعاقد، وهى أن تتعاقد المستشفيات الحكومية مع الطبيب الإخصائى الحر ب1200 جنيه للنوبتجية، وهذا يعد غير عادل مقارنة بالطبيب الذي يعمل بالأساس في تلك المستشفيات الحكومية ويحصل على 100 جنيه فقط. وأشار «عبدالحى» إلى أن قانون المسؤولية الطبية طرح في البرلمان منذ 6 أعوام، وأنه قد قُطعت وعود كثيرة بتطبيقه خلال العام الجارى وعلى أمل تطبيقه. وأضاف أن دولة الإماراتالمتحدة قد أصدرت قانون المسؤولية الطبية، وشارك في إصداره فقهاء مصريون دوليون عام 2012 وحُدِّث عام 2016، ولم يصدر بالإمارات فقط وإنما بالأردن والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية. وأشار إلى أن الدول الأوروبية فتحت أبوابها للأطباء وقدمت العديد من التسهيلات الخاصة والتى من شأنها التشجيع على هجرة الأطباء إليها، إذ إن 5000 طبيب مصرى قد هاجروا لإنجلترا خلال عامين. وأوضح عبدالحى: سابقًا كانت الدول الأوروبية تضع شروطًا وامتحانات للغة الإنجليزية لكى تقبل الأطباء من خارجها، وتسهيلًا لهم قدمت امتحانات باللغة الإنجليزية خاصة بالمصطلحات الطبية فقط، ولسد احتياجاتها منهم، رفعت كل القيود وأصبحت تشترط فقط حصول الطبيب على الماجستير أو الدكتوراه، والإقامة لمدة 3 أعوام متتالية. واستنكرت نقابة الأطباء معاقبة الطبيب المخطئ كالمجرمين بالحبس والغرامة، وقالت إنه لا يقصد إيذاء المريض، ومعظم دول العالم تراعى سلامة البيئة التي يعمل بها الطبيب موفرة له جوًا من الأمان، بتغليظ العقوبات على متعدى المنشآت الطبية، وتطبيق قانون المسؤولية الطبية والذى بموجبه لا يتعرض الطبيب للحبس، لكن فقط تتولى شركات التأمين دفع غرامة مالية للمريض إذا ثبت أن الخطأ طبى.