منافس الأهلي.. بورتو يسابق الزمن لضم فيجا قبل انطلاق مونديال الأندية    7 لاعبين مهددون بالرحيل عن ريال مدريد    أحمد الفيشاوي يثير الجدل مجددًا بظهوره ب«حلق» في أحدث إطلالة على إنستجرام    من مدريد إلى نيويورك..فى انتظار ولادة صعبة لحل الدولتين    باريس سان جيرمان ينهي عقدة تاريخية لأندية فرنسا أوروبيًا    بعد رحيله عن الأهلي.. هل طلب سامي قمصان ضم ميشيل يانكون لجهاز نادي زد؟    لاعبان سابقان.. الزمالك يفاضل بين ثلاثي الدوري لضم أحدهم (تفاصيل)    معاكسة فتاة ببنها تنتهى بجثة ومصاب والأمن يسيطر ويضبط المتهمين    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ديستربتيك: استثمرنا 65% من محفظتنا فى شركات ناشئة.. ونستعد لإطلاق صندوق جديد خلال عامين    مطالب برلمانية للحكومة بسرعة تقديم تعديل تشريعى على قانون مخالفات البناء    البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    «سيبتك» أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستقبل وفدا من الصحة العالمية    رئيس النحالين العرب: 3 جهات رقابية تشرف على إنتاج عسل النحل المصري    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    برونو يحير جماهير مانشستر يونايتد برسالة غامضة    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    محافظ القليوبية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف وتطوير محور مصرف الحصة    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



100 عام على تصريح 28 فبراير.. الحركة الوطنية ضد الاستقلال المنقوص

يحق لنا أن نحتفل اليوم بمرور مائة عام على صدور تصريح 28 فبراير، فقد كان هذا التصريح خطوة عظيمة نحو بناء الدولة المصرية ومؤسساتها، واستعادة الوطن عزته، والمصريين كرامتهم. ووجب علينا فى هذا اليوم أيضاً أن نحيى ذكرى شهدائنا الذين ضحوا بأرواحهم وزعمائنا - كلهم - الثوار منهم الذين نفوا وسجنوا واعتقلوا، والمعتدلين منهم الذين سعوا بالتدرج لنيل الاستقلال.
منير فخرى عبدالنور
إن تصريح 28 فبراير 1922 ثمرة من ثمرات الحركة الوطنية التى اندلعت سنة 1919 بقيادة الوفد المصرى وزعامة سعد باشا زغلول. لكن لأن هذا التصريح الصادر من طرف واحد هو «حكومة جلالة ملك بريطانيا العظمى» منح مصر استقلالا منقوصا عارضه الوفد بكل ما يملك من قوة مستندا على شعبيته، ولأن السلطات البريطانية قبل إصداره قبضت على سعد باشا وصحبه ونفتهم إلى سيشل يوم 23 ديسمبر سنة 1921، ثم اعتقلت زعماء الوفد بعد ذلك تباعا، لذلك لم تحتفل الغالبية العظمى من المصريين بصدوره كما لم تحتفل بعيد الاستقلال يوم 15 مارس. فلم يكن ممكناً إقناع الشعب آنذاك بأن سياسة يمهد لها بنفى زعيم البلاد واعتقال صحبه يكون فيها خير للأمة.
زعماء الوفد من اليمين عبدالخالق ثروت سعد زغلول عدلى يكن
إنما دعونا نتوقف بالتفصيل أمام ظروف إصدار التصريح الذى نحتفل اليوم بمرور مائة عام على صدوره. اندلعت ثورة 1919 يوم 9 مارس، إثر اعتقال ونفى سعد زغلول وصحبه إلى جزيرة مالطة، وكانت السلطات البريطانية قد رفضت التصريح لسعد والوفد المصرى الموكل من الأمة بالسفر إلى فرنسا لعرض قضية مصر على مؤتمر السلام المنعقد فى فرساى وإنهاء الحماية البريطانية المعلنة فى ديسمبر 1914. ولما اشتدت الثورة عجزت السلطات عن قمعها فتراجعت وأفرجت عن سعد وزملائه وسمحت لهم بالسفر إلى باريس. لكن يصدم الوفد عند وصوله هناك بنشر الرئيس ويلسون رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية وصاحب مبدأ حق الشعوب فى تقرير مصيرها بنشر إعلان بموافقة أمريكا على الحماية التى فرضتها بريطانيا على مصر فى ديسمبر 1914
تصريح 28 فبراير بلغته الأصلية
.
فيقوم الوفد بحملات دعاية للقضية المصرية فى عواصم أوروبا وفى الولايات المتحدة. وفى الداخل يتم تشكيل لجنة الوفد المركزية برئاسة محمود باشا سليمان (والد محمد باشا محمود) وسكرتارية عبدالرحمن بك فهمى. وتندلع الثورة مرة أخرى ويتم القبض على عبدالرحمن بك فهمى ورفاقه ومحاكمتهم، فتقرر بريطانيا إرسال «لجنة تحقيق عن أسباب الثورة المصرية» برئاسة اللورد ميلنر. فتقاطع الأمة لجنة ميلنر وترغمها على تحويل وجهها شطر الوفد المصرى فى باريس لتدعوه إلى مفاوضتها فى لندن. وفى لندن تمخضت المفاوضات عن مشروع عرضته لجنة ميلنر لم يقبله سعد باشا وإن كان قد وجد فيه «مزايا لا يستهان بها» غير أنه رأى ألا يستأثر برفضه وأن يوفد أربعة من أعضاء الوفد إلى مصر للتعرف على رأى الأمة فى المشروع المعروض. وعقدت اجتماعات مع طبقات الأمة المختلفة أجمعت كلها على أن المشروع لا يحقق آمال الأمة فى الاستقلال. فاستؤنفت فى لندن المفاوضات مع لجنة ميلنر وتمسك خلالها سعد باشا بتحفظاته، لكن اللجنة لم تقبلها. فقطعت المفاوضات وعاد سعد باشا والوفد إلى باريس.
وفى القاهرة شكل عدلى باشا يكن يوم 16 مارس 1921 وزارة جاء فى برنامجها «تحديد العلاقات الجديدة بين بريطانيا ومصر والوصول إلى اتفاق لا يجعل محلاً للشك فى استقلال مصر. وستدعو الوزارة الوفد المصرى برئاسة سعد زغلول باشا إلى الاشتراك فى العمل لتحقيق هذا الغرض»، فقرر سعد باشا العودة إلى مصر ووصل الإسكندرية يوم 4 إبريل 1921 ودخل القاهرة يوم 5 إبريل، حيث استقبل استقبالاً حافلاً. ثم دب الخلاف بين سعد وعدلى حول رئاسة الوفد المصرى للتفاوض مع بريطانيا، وأعلن سعد باشا أنه لو أصبح عدلى رئيساً للوفد المفاوض فكأن جورج الخامس يفاوض جورج الخامس ورفض الاشتراك فى المفاوضات تحت رئاسة عدلى باشا رئيس الوزراء بينما هو زعيم الأمة حامل توكيل منها. فسافر عدلى والوفد الرسمى إلى لندن يوم 1 يوليو 1921 للتفاوض مع كيرزون. وفى 10 نوفمبر1921 قدم لورد كيرزون لعدلى باشا يكن مشروعاً لمعاهدة توقع بين مصر وبريطانيا، فرد عليه الوفد المصرى يوم 15 نوفمبر بمذكرة جاء فى فقرتها الأخيرة «إن روح المسالمة التى سادت مناقشاتنا كانت تسمح لنا بالتفاؤل بنجاح المفاوضات. لكن المشروع الذى أمامنا لم يحقق الأمل. فهو بحالته لا يجعل محلاً للأمل فى الوصول إلى اتفاق يحقق أمانى مصر الوطنية»، فبالفعل كان مشروع الاتفاق المعروض على عدلى باشا ينهى الحماية البريطانية التى أعلنت على مصر فى 18 ديسمبر 1914 إلا أنه تضمن:
الملك فؤاد
1- حق إنجلترا فى أن تحل بقواتها العسكرية أى مكان فى مصر فى أى زمان. ويخضع لهذه القوات كل ما فى مصر من سبل المواصلات والثكنات والمطارات والقواعد الحربية والترسانات وذلك للدفاع عن مصالح مصر الحيوية وسلامة أراضيها وحماية مواصلات الإمبراطورية.
2- يكون لإنجلترا فى مصر ممثل يلقب ب«المندوب السامى».
3- لا يجوز لمصر أن تعقد أى اتفاق سياسى مع دولة أجنبية دون أخذ رأى إنجلترا.
4- يكون وزير الخارجية المصرية على اتصال وثيق بالمندوب السامى.
5- لا يجوز لمصر أن تعين فى جيشها ضباطاً أجانب، وفى مصالحها موظفون أجانب دون موافقة إنجلترا.
6- يكون لإنجلترا مستشار مالى له اختصاصات صندوق الدين، ويجب أن يحاط علماً بكل ما يجرى فى اختصاص وزارة المالية، وله حق الدخول على رئيس الوزراء ووزير المالية فى كل وقت.
7- يكون لإنجلترا مستشار قضائى له حق مراقبة تنفيذ القوانين فى كل ما له مساس بالأجانب، فيما يكون من اختصاص وزارتى الحقانية والداخلية كما يكون له حق الدخول فى كل وقت على وزيرى الداخلية والحقانية.
8- تكون المفاوضات الخاصة بإلغاء الامتيازات الأجنبية من اختصاص الحكومة البريطانية التى تتولى حماية مصالح الأجانب فى مصر.
9- تتعهد مصر بأن تستمر فى تأدية المساعدات الحربية التى تؤديها للسودان أو أن تدفع بدلها إعانة مالية يتفق عليها. وتكون قواتها فى السودان تحت أمر الحاكم العام. وتضمن إنجلترا لمصر نصيبها العادل من مياه النيل، ولهذا لا تقام أعمال رى جديدة على النيل جنوب حلفا إلا بعد موافقة ممثلين لمصر والسودان وأوغندا.
اللنبى
فكان من الطبيعى أن يرفض عدلى باشا مشروع المعاهدة. وجدير بالملاحظة أنه جاء فى مذكرة رد الوفد الرسمى المصرى تعليقاً على حق إبقاء القوات العسكرية البريطانية فى أى مكان فى مصر لحماية مواصلات الإمبراطورية «أنه كان يكفى تعيين نقطة فى منطقة القنال تنحصر فيها طرق ووسائل المواصلات الإمبراطورية»، وفى القاهرة عبر سعد باشا عن رأيه فى المشروع المعروض فى حديث لجريدة الليبرتيه الفرنسية جاء فيه «إن هذا المشروع يثبت بكل جلاء ووضوح عزم إنجلترا الأكيد على الاحتفاظ بسيادتها على كل وادى النيل وهى تقفل كل باب فى وجه الوصول إلى اتفاق فى المستقبل، فمشروع كرزون يرمى إلى تنظيم الحماية البريطانية على مصر سواء كان فى علاقتها الخارجية الموضوعة تحت مراقبة المندوب السامى، أو فى إدارتها الداخلية. فإن المالية والحقانية والجيش وجميع أركان السيادة الداخلية لمصر موضوعة مباشرة أو غير مباشرة فى يد الحكومة البريطانية.
أما رد الوفد المصرى فينقصه الحزم، لكنه يشتمل على الجوهر لأنه يرفض اقتراحات كرزون. والذى يؤسف له فقط أن الوفد الرسمى قد سلم ببقاء جيش الاحتلال فى منطقة القناة» فعاد عدلى باشا إلى مصر بخفى حنين، ووصل وأعضاء وفده الإسكندرية صباح يوم 6 ديسمبر، وفى نفس اليوم أصدر سعد باشا نداءً للأمة يحثها فيه على نبذ الخلاف واجتناب الشقاق والاعتصام بحبل الاتحاد لخطورة الساعة وحرج الموقف وأنهى هذا النداء بقوله: «إنكم أنبل الوارثين لأقدم مدينة فى العالم، وقد حلفتم أن تعيشوا أحراراً أو تموتوا كراماً فلا تدعوا التاريخ يقول يوماً فيكم: أقسموا ولم يبروا بالقسم. فلنثق إذًا بقلوب كلها اطمئنان ونفوس ملأها استبشار بالاستقلال التام أو الموت الزؤام»، ثم ظهرت فكرة إصدار بيان من طرف واحد، وتبين بعد نشر الكتاب الأبيض الإنجليزى بشأن المفاوضات وما تلاها فى 4 ديسمبر أن أول من طرحها هم المستشارون البريطانيون لدى الحكومة المصرية. فقد أرسل الفيلد مارشال اللنبى برقية إلى وزارة الخارجية الإنجليزىة بتاريخ 17 نوفمبر أى قبل قطع المفاوضات بين عادلى وكيرزون جاء فيها: «إن مستشار وزارة الداخلية ونائب المستشار المالى ومستشار وزارة المعارف ونائب المستشار القضائى مجمعون على الرأى التالى: وهو أن كل قرار لا يسلم بمبدأ استقلال مصر ويستبقى الحماية يجر لا محالة إلى خطر جدى من نشوب ثورة فى البلاد جميعها ويفضى على أى حال إلى الفوضى التامة فى الإدارة فتصبح الحكومة مستحيلة…»، وانتهى اللنبى والمستشارون إلى ضرورة إعطاء مصر استقلالها حتى لو لم يكن ثمة وزير مصرى مستعد أن يوقع اليوم اتفاقاً رسمياً يشتمل على هذا البرنامج.
وفى يوم 6 ديسمبر أرسل المارشال اللنبى رسالة إلى اللورد كيرزون جاء فيها: لقد حدث أن عدلى باشا فى خلال حديثه الأخير معك سأل لماذا لا تنفذ حكومة جلالة الملك من تلقاء نفسها الخطة الواردة فى مشروع المعاهدة التى رفضها؟ ولم يكن جوابك على ما ظهر بحيث ينفى إمكان إجراء مثل هذه الخطوة على أن يكون من المستطاع تأليف وزارة تكون مستعدة للعمل معنا. «ويوم 8 ديسمبر قدم عدلى باشا استقالة وزارته للسلطان فؤاد، وحذر الإنجليز أن فى ظل هذه الظروف لن يجدوا طرفاً مصرياً على استعداد لتوقيع اتفاق معهم».
وفى 11 ديسمبر أرسل الفيلد مارشال اللنبى برقية إلى اللورد كيرزون جاء فيها: «أطلب إليكم وإلى حكومة جلالة الملك أن تصدقونى إذا قلت إنه ليس ثمة مصرى كائناً ما كانت أراؤه الشخصية يستطيع أن يوقع أى أداة لا تتفق فى رأيه مع الاستقلال التام. لذلك فإنه من الضرورى العدول نهائياً عن الفكرة القائلة بأن المسألة المصرية يمكن تسويتها بواسطة معاهدة».
وخلال هذه الفترة شن سعد باشا ورجال الوفد حرباً دعائية ضد الإنجليز ظلت تتصاعد وتتكثف يوماً بعد يوم وانتهزوا فرصة حلول يوم 18 ديسمبر وهو يوافق تاريخ إعلان الحماية الإنجليزية على مصر سنة 1914 للقيام بحركة احتجاجات واسعة النطاق تشمل جميع محافظات القطر ومراكزه، ثم أصدر سعد باشا بياناً جديداً وجهه إلى الشعب حثه فيه على الاستملاك بحقوقه كاملة، أياً كانت الوسائل التى تتبع لمحاربته وتحول دون بلوغه أمانيه. وتأججت الروح الوطنية فى نفوس المصريين وتوقعت السلطات العسكرية البريطانية أن البلاد مقبلة على أحداث خطيرة قد تفوق فى هولها الأحداث التى مرت بها ثورة 1919 وأصبح الموقف السياسى والمناخ العام فى ديسمبر 1921 مشابهاً لما كان سائداً فى مارس 1919.
وفى هذه الظروف دعا سعد باشا لعقد اجتماع سياسى كبير تلقى فيه كلمة الوفد فى حالة البلاد ويلقى فيه الأستاذ مكرم عبيد بياناً سياسياً بعد عودته من لندن. وحدد لهذا الاجتماع يوم الجمعة 23 ديسمبر وتقرر أن يقام فى نادى سيروس بشارع سليمان باشا ووزعت الدعوة له يوم 18 ديسمبر. فأصدرت السلطات العسكرية الانجليزية أمرها يوم 19 ديسمبر بمنع هذا الاجتماع والتهديد باستخدام القوة إذا اقتضى الأمر لذلك. فرد سعد باشا ببيان فى نفس اليوم نشرته الصحف المحلية، ندد فيه بالاستبداد والحجر على الحرية، مؤكداً أنه كلما تشدد الإنجليز اشتدت عزائم المصريين.
ويرسل المارشال اللنبى يوم 20 ديسمبر إلى اللورد كيرزون برقية جاء فيها: «إنى على أتم استعداد لاتخاذ ما يلزم فيما يتعلق بزغلول إذا أثار متاعب. وإذا تبين أنه من الضرورى إبعاده فأرجو أن يكون من الممكن عمل الترتيبات لاعتقاله فى بعض الأملاك البريطانية فيما وراء البحار، إذ إنه لا ينبغى أن يسمح له بالذهاب إلى أى مكان فى أوروبا. وفى يوم 23 ديسمبر تم القبض على سعد باشا وسينوت حنا ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وفتح الله بركات وعاطف بركات، وتم نفيهم إلى سيشل تمهيداً لإيجاد حل للوضع السياسى والأمنى دون مناوأة منهم، وتوقع الوفديون وقتها أن هذا الحل سيكون فرض مشروع كيرزون جبراً على المصريين.
ولما كانت استقالة عدلى باشا يكن لم تقبل بعد، بادر إلى توجيه خطاب إلى السلطان فى نفس يوم نفى سعد باشا يلح عليه فى قبول استقالته ويعلن استنكاره وتخوفه من أن «عدم قبول الاستقالة رسمياً إلى الآن قد يجعل سبيلاً لتحميل الوزارة شيئاً من التبعة من إجراءات لا علم لها بها ولا دخل لها فيها». فقبل السلطان فؤاد استقالة وزارة عدلى باشا يوم 24 ديسمبر. وظلت البلاد بدون وزارة عدة أسابيع لأن جميع المصريين رفضوا التعاون مع الإنجليز كما توقع عدلى باشا. واشتدت الأزمة الوزارية وعرضت رئاسة الوزارة على عبدالخالق باشا ثروت بالرغم من أنه كان عضواً فى حكومة عدلى باشا المستقيلة والرافضة لمشروع كيرزون وبحكم التضامن الوزارى فى رفض المشروع وفى أسباب الاستقالة لا يحق له قبول تشكيل الوزارة أو حتى الدخول فيها، مهما كان الأمر، رفض ثروت باشا الوزارة فى البداية وبعد إلحاح دار الحماية والأخذ والرد بين الأخيرة ووزارة الخارجية البريطانية وافق على تشكيل الوزارة بالشروط التى تم نشرها ليكون الرأى العام المصرى على بينة من الأمر، وهى الآتية:
أولاً: عدم قبول مشروع كيرزون والمذكرة التفسيرية الملحقة به.
ثانياً: تصريح الحكومة البريطانية بإلغاء الحماية والاعتراف باستقلال مصر بداية ذى بدء.
ثالثاً: إعادة وزارة الخارجية والتمثيل الخارجى من سفراء وقناصل.
رابعاً: إنشاء برلمان من هيئتين تكون له السلطة العامة على أعمال الحكومة وتكون الحكومة مسؤولة أمامه.
خامساً: إطلاق يد الحكومة فى جميع أعمالها دون مشارك.
سادساً: لا يكون للمستشارين فى الوزارات إلا رأى استشارى ولا يحق للمستشار المالى حضور جلسات مجلس الوزراء.
سابعاً: استبدال الموظفين الأجانب بموظفين مصريين وتعيين وكلاء مصريين للوزارات.
ثامناً: رفع الأحكام العسكرية والسعى من جانب الوزارة فى سحب كل ما اتخذ من إجراءات بمقتضى الأحكام العرفية، بما فى ذلك الإفراج عن المعتقلين وإعادة المبعدين.
تاسعاً: الدخول فى مفاوضات جديدة بعد تشكيل البرلمان مع الحكومة الإنجليزية للنظر فيما لا يتنافى مع استقلال البلاد من الضمانات لإنجلترا والأجانب، ولحل مسألة السودان بشرط ألا تكون هذه المفاوضات مقيدة بقيد أو شرط مما جاء فى مشروع كيرزون، ويكون القول الفصل فى ذلك للأمة ممثلة فى برلمانها.
عاشراً: يكون قبول هذه الشروط ثابتاً بمقتضى وثائق مكتوبة من الحكومة الإنجليزية.
وفى 28 يناير أرسل اللورد كيرزون برقية إلى المارشال اللنبى جاء فيها: «إن حكومة جلالة الملك على استعداد لتوجيه طلب للبرلمان البريطانى لرفع الحماية المعلنة على مصر سنة 1914 والاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، والموافقة على إيجاد برلمان مصرى، وعلى إعادة وزارة خارجية مصرية، وذلك بمجرد الوفاء بالشروط الآتية التى تعدها إنجلترا شروطاً حيوية لمنفعة مصر ومنفعة الإمبراطورية على السواء:
أولاً: أن تؤمن مواصلات الإمبراطورية التى تعد مصر موقعاً جوهرياً لها.
ثانياً: أن تحتفظ بريطانيا العظمى بالحق والسلطة بأن تقدم للجاليات الأجنبية الضمانات التى تتوقعها الحكومات التابعة لها هذه الجاليات من بريطانيا العظمى فى الظروف الحاضرة.
ثالثاً: أن تجعل مصر فى مأمن من كل اعتداء أو تدخل أجنبى بالذات أو بالوساطة.
واستدعى كيرزون المارشال اللنبى ومعه السير جلبرت كليتون مستشار الداخلية ومستر إيموس، مستشار الحقانية، إلى لندن للتشاور. وسافر اللنبى وفى حقيبته وثيقتان: شروط ثروت باشا لتوليه الوزارة، والثانية استقالته من منصبه إن رفضت الحكومة البريطانية هذه الشروط. ونجح اللنبى فى إقناع الحكومة البريطانية وعاد إلى مصر قبيل نهاية شهر فبراير، وقدم إلى السلطان فؤاد الوثيقة المشهورة باسم «تصريح 28 فبراير 1922» وهى تعلن استقلال مصر من جانب واحد مع احتفاظ إنجلترا بصورة مطلقة بتولى أمور أربعة تكون محلاً لمفاوضة مقبلة هى:
1- تأمين مواصلات الإمبراطورية فى مصر.
2- الدفاع عن مصر من كل اعتداء أو تدخل أجنبى
3- حماية المصالح الأجنبية فى مصر وحماية الأقليات.
4- السودان.
وسرعان ما ألف ثروت باشا الوزارة الجديدة معترفاً بهذا التصريح الذى خيب الآمال لأنه لا يتكافأ مع تضحيات الشعب المصرى ولا مع أمانيه الوطنية التى هب لتحقيقها عقب الحرب العالمية الأولى. فقابلته قلة من الشعب بالترحيب، أما الكثرة الساحقة فتشككت فى نوايا السياسة الإنجليزية، لا سيما أن التحفظات الواردة به تعطى إنجلترا حق التدخل فى الصغيرة والكبيرة من شؤون مصر الداخلية وحتى الجاليات الأجنبية فى مصر تخوفت من النص على أن إنجلترا تحتفظ لنفسها بحق حماية الأجانب. وكان أشد هذه الجاليات تخوفاً هى الجالية الفرنسية التى قررت أن ترسل احتجاجا إلى الموسيو جايار الوزير المفوض والوكيل السياسى لفرنسا فى مصر. واتفقت أغلب الصحف المصرية على أن السياسة الجديدة لم تحقق لمصر كل آمالها، وإنما هى خطوة فى سبيل تلك الآمال. وفى 14 مارس عرض مشروع التصريح على البرلمان البريطانى ووافق البرلمان عليه فأعلنت الحكومة المصرية أن يوم 15 مارس يوم عيد رسمى هو عيد الاستقلال. فأقيمت الزينات على دور الوزارات والمصالح الحكومية، وذهب مديرو المصالح الحكومية وموظفوها لتهنئة ثروت باشا فى مكتبه، بينما أقام زعماء الوفد أربع حفلات فى نادى المعارف بالفجالة وفى شارع إبراهيم باشا ألقيت فيها خطب نددت بالسياسة الجديدة وبتصريح 28 فبراير، وفندت شروطه، وبينت الأضرار التى تلحق بالأمة منه. وعندما أراد الوفد المصرى إقامة مؤتمرات فى مختلف المحافظات لتعبئة الرأى العام ضد تصريح 28 فبراير منعتها السلطة العسكرية منعاً باتًا. وإن كانت الغالبية العظمى من المصريين لم يشاركوا حكومة عبدالخالق باشا ثروت ومؤيديه الاحتفال بعيد الاستقلال وبصدور تصريح 28 فبراير فى حينه، يحق لنا اليوم أن نحتفل بمئويته. فيجب أن نعترف بأن هذا التصريح الذى بمقتضاه تم إلغاء الحماية البريطانية هو الذى ترتب عليه:
جلاء الموظفين البريطانيين فى سنتى 1922 و1923 بعدما استأثروا أربعين عاماً بالسيطرة على الإدارة المصرية، وإعلان الدستور فى 19 إبريل 1923 الذى نص على أن الأمة مصدر جميع السلطات، والذى على أساسه قامت حياة برلمانية ثرية حتى سنة 1952، وفتح الباب لعقد معاهدة 1936 وجلاء جيوش الاحتلال عن مصر فى 18 يونيو 1956، وإلغاء الامتيازات الأجنبية بموجب معاهدة مونترو الدولية فى 8 مايو 1937، وإطلاق سلطات مصر فى التشريع، وإزالة آثار الرقابة التى فرضتها الدول الأجنبية منذ عهد إسماعيل على المالية العامة بإلغاء صندوق الدين، وأخيراً إلغاء المحاكم المختلطة وتقرير سيادة القضاء الوطنى وحده على جميع المقيمين على أرض مصر بلا استثناء.
ووجب علينا فى هذا اليوم أيضاً أن نحيى ذكرى شهدائنا الذين ضحوا بأرواحهم وزعمائنا - كلهم - الثوار منهم، الذين نفوا وسجنوا واعتقلوا، والمعتدلون منهم الذين سعوا بالتدريج لنيل الاستقلال، فكلاهما، الثوار والمعتدلون، ساهموا فى تحقيق آمال الأمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.