ملخص الحلقة الماضية تناولت الحلقة الماضية الإرهاصات التى سبقت وضع دستور 1923، ولماذا رفض الوفد والحزب الوطنى الاشتراك فى لجنة الثلاثين المكلفة بوضع الدستور ورأى الملك فؤاد فى ضرورة التدرج فى الاتجاه الى الحقوق السياسية وأسرار سقوط وزارة عبدالخالق ثروت ورأى الملك فى الحكومة ولماذا فرضت حكومة ثروت إجراءات تعسفية ولماذا صادرت حرية الخصوم. تتناول حلقة اليوم الحديث عن لجنة دستور 1923، ووثائق مشروع كيرزون، ورد عدلى يكن وأسرار هجوم الوفد على شروط يكن لأنها لم تتضمن ضرورة جلاء القوات البريطانية وهذا كان الهدف الرئيسى للوفد وهو طرد المستعمر البريطانى، كما تتناول الحلقة الحديث عن العقبات التى سبقت اعداد دستور 1923 من خلال رؤية ورأى المستشار الجليل سعيد الجمل، ورؤية المثقفين الكبار أمثال الدكتور طه حسين وأمير الشعراء أحمد شوقى والشاعر الكبير حافظ إبراهيم، وقد اعتمدت الدراسة على عدة مراجع أهمها ثورة 1919 وفى أعقاب الثورة المصرية للكاتب الكبير عبدالرحمن فهمى، ومذكرات فى السياسة المصرية للدكتور محمد حسين هيكل. كان من المتوقع بعد أن قطعت المفاوضات التى كان عدلى يجريها مع اللورد كيرزون ورفض الأول لمشروع المعاهدة التى عرضتها إنجلترا ان تقوم الحكومة البريطانية بتحديد موقفها حيال هذا الرفض، لذلك قامت بإبلاغ السلطان فؤاد فى 3 ديسمبر 1921 خطتها التى تنوى بها إقامة علاقات مع مصر وكان ذلك عن طريق اللورد اللنبى المندوب السامى البريطانى الذى توجه إلى سراى عابدين وقابل السلطان فؤاد وسلمه بياناً متضمناً آراء حكومته فى المفاوضات التى كانت قد تمت مع عدلى رئيس الوزراء حينئذ وموقف إنجلترا بعد رفض المشروع، وما هو مستقبل الأوضاع بين الطرفين بعد ذلك، إذ جاء بهذا التبليغ المسلم إلى السراى أن الحكومة البريطانية لا يمكن لها أن تنفذ مقترحاتها فى المشروع دون رضا الأمة المصرية، وأنها فى انتظار هذا الرضا ستزيد عدد الموظفين المصريين فى الحكومة، وأنها على استعداد الآن لمفاوضة الدول الأجنبية للتشاور مع الحكومة المصرية من أجل إلغاء الامتيازات الأجنبية، وأنه فيما يتعلق بالأحكام العرفية فإن رغبة الحكومة البريطانية تقوم على أساس حلول حكومة مصر محل القائد العام للقوات البريطانية فى سلطة الأحكام العسكرية، إلا انه جاء بهذا التبليغ المسلم للسلطان فؤاد أن الحكومة البريطانية تتمسك بالضمانات التى كانت واردة بمشروع المعاهدة، وهى: استبقاء الجنود البريطانيين فى مصر واشتراك المستشارين البريطانيين مع وزارتى المالية والحقانية، وأغفل التبليغ الإشارة إلى السودان ودعا الأمة المصرية إلى عدم الاستسلام للأمانى الوطنية فيما يتعارض مع هذه الحقائق وهى الأمانى التى سماها خطة التهييج، وأضاف أن الحكومة البريطانية تصر على الاحتفاظ بالحقوق والسلطة الفعالة من أجل صيانة مصالح مصر ومصالحها الخاصة، وأن السبيل الوحيد لتقدم الشعب المصرى يكمن أساساً فى تآزره مع الإمبراطورية البريطانية، وأن الحكومة البريطانية مستعدة للمفاوضة من جديد فى أى طريقة قد تعرض عليها لتنفيذ مشروع المعاهدة فى جوهره. وعندما أذيعت وثائق مشروع كيرزون، ورد عدلى باشا عليه وتبليغ «4 ديسمبر»، أثارت كثيراً من السخط فى نفوس الشعب المصرى ونشر سعد زغلول يوم «7 ديسمبر 1921» نداء إلى الأمة دعاها فيه إلى مواصلة الجهاد وعمل حملة شديدة على التبليغ البريطانى، وختم النداء بقوله٬: «فلنثق إذن بقلوب كلها اطمئنان ونفوس ملؤها استبشار بشعارنا الاستقلال التام أو الموت الزؤام»، لقد اعترضت السلطات البريطانية على ما كان ينويه سعد من إلقاء خطاب سياسى له، ووجهت إنذارها فى «22 ديسمبر 1921» بمنع الاجتماعات أو الكتابة فى الصحف، وأبلغ سعد وصحبه بهذا الإنذار، فرد عليه سعد بخطابه المشهور الذى قال فيه كلمته المأثورة «للقوة أن تفعل بنا ما تشاء»، وتم اعتقاله، وقبل ذلك كان عدلى باشا قد قدم استقالته من الوزارة فى «8 دسمبر» عقب وصوله إلى القاهرة بيومين واستعجل قبولها من السلطان بخطاب آخر فى 23 ديسمبر حتى لا يتحمل مسئولية اعتقال سعد، فقبلت استقالته فى اليوم التالى «24 دسمبر»، وأصدر المارشال اللنبى إعلاناً بالترخيص لكل وكيل وزارة أو للقائم مقامه بأن يؤدى أعمال الوزير وأن يتولى سلطته فى المسائل الإدارية. نفى سعد إلى جزيرة سيشل مبحراً من السويس فى «29 ديسمبر 1921» يصحبه كل من فتح الله بركات باشا وعاطف بركات بك ومصطفى النحاس بك وسينوت حنا بك والأستاذ مكرم عبيد على ظهر ناقلة حربية ونقل سعد إلى جبل طارق مراعاة لصحته وغادر الجزيرة فى «18 أغسطس 1923». قامت بعد ذلك المقاومة السلبية التى دعا إليها الوفد وأصدر قراراً بتنظيمها فى «23 يناير 1922» وبجانب هذه المقاطعة جرت حوادث اغتيال كثيرة شملت كثيراً من البريطانيين ومن والاهم من المصريين. خلا مركز الوزارة بعد استقالة عدلى باشا فظل شاغراً أكثر من شهرين وأحجم المستوزرون عن قبول تأليف الوزارة بعد التبليغ البريطانى فى «3 ديسمبر» لما أثاره من سخط الرأى العام. ولما فوتح عبدالخالق ثروت ليقوم بتأليف الوزارة اشترط لقبولها شروطاً عددها، أهمها عدم قبول مشروع كيرزون، وضرورة إلغاء الحماية، والاعتراف باستقلال مصر، وإنشاء برلمان، وإلغاء الأحكام العسكرية، والدخول فى مفاوضات جديدة بعد تشكيل البرلمان. وقد هاجم الوفد هذه الشروط لأنه لم يرد بها ضرورة جلاء القوات البريطانية من مصر وكان بيان الوفد محققاً لمبادئه الوطنية السليمة وضرورة تمسك الأمة بالجلاء والذى هو الرمز الصحيح للاستقلال وكان من نتيجة ذلك مقابلة المندوب السامى لورد اللنبى لرئيس الوزراء لويد جورج ووزير الخارجية كيرزون، وانتهوا من مباحثاتهم إلى قبول شروط ثروت باشا وإعلان التصريح المعروف بتصريح «28 فبراير 1922» والذى يتضمن إعلان الحكومة البريطانية إلغاء الحماية والاعتراف باستقلال مصر دولة ذات سيادة وإلغلاء الأحكام العرفية بمجرد إصدار الحكومة المصرية قانون التضمينات وتحفظت بريطانيا فى هذا التصريح بمسائل أربع هى: تأمين مواصلات الامبراطورية البريطانية. الدفاع عن مصر فى حالة وقوع اعتداء أجنبى عليها. حماية المصالح الأجنبية فى مصر وحماية الأقليات. السودان. وقد أردت من هذا العرض التاريخى الموجز أن أوضح العقبات التى كانت ماثلة قبل أن يتم الاتفاق على اعداد الدستور، إذ كان لابد لذلك من إنهاء الحماية التى كانت قد أعلنت فى ديسمبر 1914 بداية الحرب العالمية الأولى، مما ترتب على هذا الإلغاء إعادة منصب وزير الخرجية الذى ألغى فى عهد الحماية وتحقيق التمثيل السياسى والقنصلى لمصر، وقد كان الاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة يمثل ضرورة وإزالة للعقبة التى كانت تعترض اعلان الدستور، إذ بزوال هذه العقبة تمكنت مصر من أن تجعل نظام الحكم فيها نظاماً دستورياً، وانه وإن كانت التحفظات التى نص عليها فى تصريح «28 فبراير» تقلل من جوهر الاستقلال وتمكن بريطانيا من التدخل فعلياً فى شئون مصر إلا انه وكما يقول الاستاذ عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919» الجزء الأول فإن القضية المصرية قد انتقلت بهذا التصريح خطوة إلى الأمام، لأن مصر قد كسبت فيه اعتراف إنجلترا باستقلالها، وهذا الاستقلال يرفع من شأنها بإزاء إنجلترا نفسها، ثم بإزاء الدول التى سبق لها الاعتراف بالحماية البريطانية، وهى كدولة مستقلة ذات سيادة أمكنها ان تستقل ببعض شئونها الداخلية، وأن تتخذ الدستور نظاماً للحكم فيها.. ذلك الدستور الذى ألغته إنجلترا عقب احتلالها لمصر.. ولكن السيادة الناقصة والدستور الناقص خير من الحماية ومن الحكم الاستبدادى معاً. ولقد كان هذا التغيير الذى تم مكسبًا جزئيًا لمصر، وكان نتيجة جهاد الأمة واستمرارها فى النضال رغم التهديدات التى احتواها تبليغ 3 ديسمبر 1921. لقد وجه السلطان فؤاد كتابه إلى ثروت باشا لتأليف الوزارة وقد كان هذا أمرًا منتظراً بعد تصريح 28 فبراير الصادر من إنجلترا، لأن صدور هذا التصريح كان استجابة لشروط ثروت التى أخطر بها المندوب السامى اللورد اللنبى. وفى أول مارس 1922 طلب السلطان فؤاد من ثروت أن يقوم بتأليف وزارته وقد ختم الملك كتابه إلى ثروت قائلا: لو كان من أجل رغبتنا أن يكون للبلاد نظام دستورى يحقق التعاون بين الأمة والحكومة لذلك يكون من أول ما تعنى به الوزارة اعداد مشروع ذلك النظام». وكان جواب ثروت باشا بقبول تأليف الوزارة متضمنًا اعتزامه وضع مشروع دستور يطابق مبادئ القانون العام الحديث ويقرر مبدأ المسئولية الوزارية أمام مجلس النواب وإلغاء الأحكام العرفية والرجوع فيما اتخذ فى ظلها من التدابير المقيدة للحرية (يقصد بذلك إطلاق سراح المعتقلين) وأن تجرى الانتخابات فى أحوال عادية، وفى ظل نظام تمنع معه جميع التدابير الاستثنائية وبذلك يكون للهيئة النيابية حق الإشراف على العمل السياسى المقبل. وجاء بخطاب قبول الوزارة أيضًا: «وغنى عن البيان أن إنقاذ هذا الدستور يقتضى إلغاء الأحكام العرفية، وأنه على أى حال يجب أن تجرى الانتخابات فى أحوال عادية وفى ظل نظام تمتنع معه جميع التدابير الاستثنائية». وجه الملك فؤاد بيانًا إلى الأمة فى 15 مارس 1922 يعلن فيه الاستقلال ويتخذ لنفسه لقب صاحب الجلالة ملك مصر. وضع الدستور: بناء على تكليف الملك لثروت باشا بتأليف الوزارة وإصدار الدستور، قامت الوزارة فى 3 ابريل 1922 بتأليف لجنة لوضع الدستور وقانون الانتخاب عهدت برئاستها إلى حسين رشدى باشا وألفت اللجنة على النحو الآتى: الرئيس حسين رشدى باشا وأحمد حشمت باشا نائب الرئيس والأعضاء هم: يوسف سابا باشا، أحمد طلعت باشا، محمد توفيق باشا، عبدالفتاح يحيى باشا، السيد عبدالحميد البكرى، الشيخ محمد بخيت، الأنبا يؤانس، قلين فهمى باشا، إسماعيل أباظة باشا، محمود أبوحسين باشا، منصور يوسف باشا، يوسف أصلان قطاوى باشا، إبراهيم أبورحاب باشا، على المنزلاوى بك، عبداللطيف المكبانى بك، محمد على علوبة بك، محمود أبوالنصر بك، الشيخ محمد خيرت راضى بك، حسن عبدالرازق باشا، عبدالقادر الجمال باشا، صالح لملوم باشا، إلياس عوض بك، على ماهر بك، توفيق دوس بك، عبدالحميد مصطفى بك، حافظ حسن باشا، عبدالحميد بدوى بك. وعدد أعضاء اللجنة ثلاثون عضوًا عدا الرئيس ونائب الرئيس، ولذلك سميت (لجنة الثلاثين). لم يمثل كل من حزب الوفد والحزب الوطنى فى هذه اللجنة لأنهما لم يقبلا إلا الاشتراك فى عضويتها وكان الاعتراض الأساسى أن الدستور ليكون معبرًا عن إرادة الأمة فلابد من انتخاب جمعية وطنية تأسيسية تمثل الأمة وليس لجنة تؤلفها الحكومة. وقد كان برنامج عدلى باشا فى وزارته التى ألفها فى مارس 1921 يقوم عن أن يوضع الدستور بواسطة جمعية وطنية تأسيسية وقد كان ثروت باشا عضواً فى هذه الوزارة ومن ثم يصبح اعتماده للجنة لوضع الدستور خروجًا على البرنامج الذى شارك فى الموافقة عليه عندما كان وزيرًا فى وزارة عدلى. قامت لجنة وضع الدستور بإنجاز مهمتها وقدمت مشروع الدستور إلى رئيس الوزراء ثروت باشا فى 21 أكتوبر 1922، وقد كان ثروت باشا متتبعًا أعمال اللجنة ومقرًا للنصوص التى وضعتها. كانت وزارة ثروت ليست وليدة إرادة الأمة «لأنه لم يكن البرلمان قد أنشئ بعد». ومن هنا جاء ضعف هذه الوزارة والتى ألفت فى الوقت الذى كان سعد زغلول ورفاقه فى طريقهم إلى المنفى فى جزيرة سيشل، مما جعل وجودها ذاته غير متفق مع إرادة الأمة أو كرامتها، وقد كان معروفاً لدى الرأى العام ما بين سعد وثروت عندما كان وزيراً للداخلية فى وزارة عدلى وقد كان مسئولاً عن الضغوط التى وقعت على سعد وأنصاره فى هذا الوقت، ولعل هذه الظروف هى التى جعلت عدلى لا يتمسك بالبقاء فى الحكم ويقوم بتقديم استقالته، بينما قبل ثروت الوزارة وإن كان قد وضح له أن تصريح 28 فبراير وإعلان مصر دولة مستقلة ووجود لجنة وضع الدستور ربما يكون ذلك جميعه مبرراً وسنداً لشرعية وجود وزارته فى هذا الوقت. ولما تعددت حوادث الاغتيال للإنجليز احتجت الحكومة البريطانية رسمياً لدى الحكومة المصرية ثم تكررت بعد ذلك هذه الحوادث فأرسل اللورد اللنبى إلى ثروت باشا كتاباً فى «20 يوليو» يبلغه فيه قلق الحكومة البريطانية من تزايد موجة الاغتيالات، فكان رد ثروت باشا بأن الحكومة المصرية لم تقصر فى اتخاذ التدابير المطلوبة. وقد كان واضحًا أن القوى الوطنية كانت قد بدأت التحرك ضد الإنجليز، فما كان من وزارة ثروت إلا أن اتخذت إجراءات مشددة فصادرت حرية الاجتماعات السياسية وعطلت بعض الصحف وأصدرت تعليماتها للصحف عامة بعدم ذكر اسم سعد باشا وزملائه المنفيين فى مقالاتها أو أنبائها. ومما زاد مركز وزارة ثروت باشا حرجاً قيام السلطة العسكرية البريطانية باعتقال أعضاء الوفد فى يوم 25 يوليو وقدمتهم للمحاكمة، حيث قضت المحكمة على بعضهم بالإعدام وأبدلت به القيادة العسكرية حبسهم سبع سنوات وتغريمهم ثم أفرج عنهم. وبعد أن اعتقلت السلطة العسكرية عبدالرحمن فهمى بك والشيخ مصطفى القاياتى وفخرى بك عبدالنور والأستاذ محمود فهمى النقراشى وغيرهم وسكتت الوزارة على هذه التصرفات، عدّ ذلك إقرارًا منها لهذه الإجراءات. وانتهى الأمر باستقالة وزارة ثروت باشا فى 19 نوفمبر 1922. وقيل إنه من أسباب استقالة ثروت أنه لم يكن يميل إلى إصدار الدستور، كما أن قوة شخصية ثروت وعدم استجابته للملك فى كل الأمور عجلت بهذه الاستقالة. لكن ثروت باشا كان حريصًا على وضع الدستور وكان يستحث لجنة الدستور على إنجازه حتى يصدر وهو مازال فى الوزارة. وقد قام فعلاً بتقديمه إلى السراى كما وضعته اللجنة، ولكن الملك فؤاد لم يكن يميل إلى إصداره لأنه كان يغل من سلطته ويجعل الحكم مرجعه إلى الشعب وهذا ما لا يريده الملك. وقد أفضى الملك إلى عدلى باشا باستنكاره لنصوص الدستور التى ادعى أن بها انتقاصًا لسلطته وطلب إليه التدخل لتعديلها إلا أن عدلى لم يجبه إلى طلبه وترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعى. ويوضح المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى كتابه السابق الإشارة إليه ما كان من أسباب الاستغناء عن ثروت باشا يجملها سيادته فى كثير من أسباب النقص السياسى والخلقى الذى وجد بسبب تمسك الملك بالحكم الأوتوقراطى وعدم السماح لرؤساء الوزراء بمباشرة سلطاتهم، وأجرى سيادته مقارنة بين ما كان يجرى فى مصر وما يجرى فى إنجلترا مثلاً لندرك أسباب ظهور الشخصيات الكبيرة فى ظل العرش البريطانى إذ إن هذا العرش يفسح المجال لكبار الرجال الذين سلموا الامبراطورية البريطانية وكانوا من بناة مجدها وعظمتها، أما فى مصر فالأمر جرى على خلاف ذلك. وكان من هذه الظروف التى هيأت لخروج ثروت من رئاسة الوزارة عدم رغبة الملك الحقيقية فى إصدار دستور للبلاد يأخذ بأن الأمة هى مصدر السلطات، وكان من نتائج سقوط وزارة ثروت أن خلفتها وزارة محمد توفيق نسيم التى لم تكن تعطف على الدستور ولا تبغى أن يرى ضوء النهار. وانتهزت السياسة البريطانية هذه الفرصة لتطلب حذف نصوص السودان من الدستور إذ وجدت فى تأخر صدوره فرصة لها انتهزتها لتعطل من نصوصه وتحذف منها ما تشاء. وقد أجابها نسيم إلى طلبها فكان هذا الانقلاب على حساب الأمة وعلى حساب حقوق البلاد ووحدتها. ولابد من عرض فصل كامل لعلاقة رئيس الوزراء الجديد نسيم بالدستور. غدًا نستكمل الحديث