محمد الشحات يكتب: ملامح من الحياة اليومية (شعر)

أوقفنى الشرطىُّ
فجردنى من أوراقى
فأصبحتُ بلا اسمِ
نزع محلَ الميلادِ
وأوكل لى
أن أحصى حباتِ الماءِ
بكوبِ الشاى
ولو أمكننى أن أفصل ما ذاب بهِ
ليفكّ الحظرَ ويمضى
***
اعترض البابَ
ورفض بألا ينغلقَ
امتعض لما يجرى
يعرف كلَّ الأسرارِ
ولا يقدر أن يُفشيها
لم يسأله أحدٌ
هل ضايقهُ
كثرةُ ساعاتِ الغلقْ
***
طال ترقّبُ العرباتِ
ورفضُ اللون الأحمر أن يتراجعَ
زاحمه اللونُ الأخضرُ
فاحتدَّ عليهِ الأحمرُ
أخبره بأن الخطرَ قريبٌ
لابد من الحذرِ
ولا يمكنك عبورُ الشارعِ
فالموت أراه على الأعتابِ
امتثلت كلُ العرباتْ
لإشارتهِ
وتجمّد كلُ المَارّةِ
وابتهج اللونُ الأحمرُ
فلقد فُرِضَتْ سطوتُهُ
***
وقف على أولِ خطِّ السيرِ
تأمل هندسةَ الخطِ
وكيف يُحصّل له تنظيم الخطوةِ
حاول أن يحسبَ
كم خطاً يفصلُ ما بين رصيفينِ
اثنينِ
وخاف إذا ما أكمل رحلتهُ
ألا يجد خطوطاً
كيما تنتظم الخطوةُ
***
ظل يغازلُ بعضَ بناتِ الأفكارِ
أغرته إحدى الفتياتِ
وشدَّته لكى يدخلَ
وقفَ على أبوابِ العقلِ
تعجّبَ
حين رأى ترتيبَ بناتِ الأفكارِ
فخاف إذا ما اغوتْهُ
وهام بها
ألا يعرف كيف يعودْ
***
جفتْ كلُّ ينابيعِ الحكمةِ
وانفضَّ السامرُ
وتساقطَ من علياء معارفهِ
فأختبَأ مخافةَ أن تعرفه أعينُهم
حاول أن يتخففَّ من لغةٍ
ما زالت تسكنهُ
فأوصدَ كلَّ بحورِ الشعرِ
وحاولَ
أن يجتثَّ عيونَ القولِ
فصادرَ
ما ظلَّ يُخالِفُ رغبتهُ
فى أن يصمتَ
***
ظل يقاومُ ضوءاً
يسكنُ خلفَ حدودِ الأفقِ
وظل يراجعُ كلَّ مواقفهِ
ويدق على أروقةِ الصدرِ
لينفضَ
كلَّ دواوينِ الشعراءِ
وأقوال الحكماءِ
وما خلفه فلاسفةُ القولِ وقصصًا
كان يظنُ بأن شخوصاً سكنوها
سوف يُصادقهم
ويتيحُ له أن يُفرغَ ما ضاق به
حين تعانده أحرفُهم
أو يحتكم؛ فيصحبهم
أو يتركها
كيما تكملُ رحلتها
***
أغلقَ كلَّ نافذةٍ
أوصدها
وتمنى لو أمكنهُ
أن يخفىَ كلَّ حروفٍ
كان يجمّعها فى بوتقةٍ
كيما يبحرُ
أوقفه من يسْألَهُ:
هل يتساوى العقلُ
مع اللا عقلٍ؟!
هل يمكنه أن يعرفَ
حين يخوضُ غمارَ المعرفةِ
حدوداً لا تُسْقِطه
فى دائرةِ الشكِّ
وحين رأى آيات الخلقِ؛ استبشرَ
وتحصّن من بعض جيوشٍ
كانت توصدُ ما يعرفهُ
وضيق عليه لتخنقهُ
خارت كل قواهُ
تماسك واستمسكَ ببصيصٍ
من نورٍ لازال على مقربةٍ
فدنا وتدلّى
حتى أصبح فى بؤرتهِ
فأضاء النورُ ربوعَ الكونِ
وعادت تنبعُ
من أطرافِ أصابعهِ
الحكمة.