لم يكن انسحاب الولاياتالمتحدةالأمريكية من أفغانستان وليد اللحظة، ولم يكن دخول حركة «طالبان» للعاصمة كابول وسيطرتها عليها بالسهولة المتوقعة لولا عدم اعتراض القوات الأفغانية لقوات الحركة، وكأن شيئا مدروسا وبحكمة، وهو ما تبلور في مغادرة الرئيس الأفغاني أشرف غني لبلاده، معتبرا أن قراره حقنا لدماء الأفغان. وخلال أيام كان التغول «الطالباني» لمدن ومحافظات أفغانستان سلسا وبدون أي مواجهات تذكر أمام حركة لا تزال تطبق قوانين الشريعة الإسلامية الخاصة بالجلد في جرائم السرقة والزنا، وترفض الأحكام المدنية والوضعية، لكن الشعب الأفغاني ما زال ينتظر ما ستؤول إليه الأوضاع في ظل موافقة غير معلنة لواشنطن بدخول الحركة العاصمة كابول، لتعلن على لسان وزير خارجيتها أن هدفها تحقق في أفغانستان. ومع تأكيد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن الهدف الرئيسي من تدخل الولاياتالمتحدة في أفغانستان قبل 20 عاما كان ملاحقة مدبري هجمات 11 سبتمبر، بل وأنه كان متوقعا أن تشن طالبان هجمات، يعني أنها لديها علم وإن لم يكن مباركة لما حدث. وسرعان ما أعلنت روسيا انها على استعداد تعاونها مع السلطات الجديدة، وفقا لما قاله ضمير كابولوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى أفغانستان عن تفاؤل موسكو بالعلاقات بين روسياوأفغانستان بعد تغيير السلطة في هذا البلد، مؤكدا أنه سيتحدث مع الملا عبدالغني برادر رئيس المكتب السياسي لحركة «طالبان»، وتابع: روسيا تحافظ على «علاقات جيدة» مع الحكومة الأفغانية التي غادرت البلاد وحركة «طالبان» على حد سواء، مضيفا: «لذلك فإننا غير قلقين». وفي الوقت نفسه أعلنت السلطات الإيرانية،استعدادها لإيواء اللاجئين الأفغان في المحافظات الحدودية مع أفغانستان،، ووفقا لمدير عام شؤون الحدود بوزارة الداخلية الإيرانية حسين قاسمي، فقد ذكر أن بلاده مستعدة لإيواء اللاجئين الأفغان في المحافظاتالإيرانية الثلاث، خراسان الرضوية، خراسان الجنوبية وسيستان وبلوشستان، التي تقع على حدود أفغانستان، حيث مهدت منذ شهرين لإقامة مخيمات مؤقتة لإيواء اللاجئين الأفغان في حال دخولهم إلى إيران، وهذا يعني أن طهران كان لديها تخوف ومراقبة لما سيحدث. وإذا كانت روسيا قد تجرعت المواجهات مع طالبان في نهاية القرن الماضي، ومع وجود حركة طالبان السنية المتشددة، في حكومة على حدود الدولة الإيرانية الشيعية، وكذلك حدود أفغانستان مع الدولة الصيني الشيوعية، يعني أن أمريكيا التي ترفض دوما عقوبات على الدول المعنية دون أي نتيجة تذكر على استقلالها وتقدمها، فما كان من عودة طالبان إلا شوكة في حلق عواصم وحكومات تلك الدول وبالأحرى مصدرا للتهديد.
