«التوحيدى».. فيلسوف الأدباء المتهم بالزندقة

كان أبوحيان التوحيدى «مُتَفَنِّنًا فى جميع العلوم من النحو واللغة والشعر والأدب والفقه والكلام»، وكان، كما وصفه، ياقوت الحموى فى «معجم الأدباء»: «يسلُك فى تصانيفه مسلك الجاحظ، ويشتهى أن ينتظم فى سلكه، فهو شيخ فى الصوفية، وفيلسوف الأدباء، وأديب الفلاسفة، ومحقق أهل الكلام، ومتكلم المحققين، وإمام البلغاء».
ويعد «التوحيدى» من أعلام القرن الرابع الهجرى، عاش أكثر أيامه فى بغداد وإليها ينسب، وقد امتاز بسعة الثقافة وحدة الذكاء وجمال الأسلوب، فقد كان موسوعى الثقافة، وامتازت مؤلفاته بتنوع المادة، وغزارة المحتوى، فضلا عما تضمنته من إشارات تكشف عن الأوضاع الفكرية والاجتماعية والسياسية للحقبة التى عاشها.
ولد أبوحيان، فى بغداد سنة 310 ه، وقيل إنه فارسى الأصل من شيراز، أو نيسابور، فيما قال البعض إنه عربى من العراق، وأما سبب نسبته للتوحيد، فقيل لأن أباه كان يبيع نوعا من أنواع التمر العراقى فى بغداد يعرف باسم تمر التوحيد، وقد نشأ التوحيدى يتيما محروما من عطف الأب، وكفله عمه والذى كان يقسو عليه ويبغضه وكثيرا ماكان يهينه ويعذبه، وبعد بلوغه سن الشباب امتهن حرفة النسخ والوراقة فاكتسب كما هائلا من المعرفة والثقافة بفنون ومعارف وعلوم شتى، واتسم بالحفظ والفهم والذكاء والعلم والمعرفة والفصاحة وسعة الطموح وكان شديد الاعتداد بالنفس.
ووصفه البعض بالزندقة والإلحاد، وقال آخرون إنه كان صحيح العقيدة. قال عنه ابن بابى فى كتاب «الخريدة والفريدة»: «كان كذَّاباً، قليل الدين والورع عن القذف والمجاهرة بالبهتان».
وقال فيه أبوالفرج بن الجوزى: «زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراوندى، وأبو حيان التوحيدى، وأبو العلاء المعرى، وأشدهم على الإسلام أبو حيان». ودافع عنه محب الدين بن النجار، وقال «كان صحيح الاعتقاد».
ولأبى حيان مصنف كبير فى تصوف الحكماء وزهاد الفلاسفة، وكتاب «البصائر والذخائر»، وكتب «الصديق والصداقة» و«المقابسات».
وقال عنه تاج الدين السبكى: «كان فقيراً صابراً متديِّناً وكان صحيح العقيدة».
وكان ابن تيمية يثبت لأبى حيان اشتغاله بالفلسفة ولا يجزم له بالزندقة، وقال: «فإنَّ أبا حيان تغلب عليه الخطابة والفصاحة وهو مركب من فنون أدبية وفلسفية وكلامية وغير ذلك، وإن كان قد شهد عليه بالزندقة غير واحد». وتوفى أبو حيان التوحيدى عام 414 هجرية.