رغم أنهم أطباء وموظفون يعملون فى أسمى مهنة عرفها التاريخ، هى مهنة الطب، فإن المعاناة التى يعيشونها منذ أكثر من عامين لا يستطيع إنسان أن يتحملها، على حد قولهم.. تلك المأساة التى تبدأ فى الثامنة والنصف صباحاً، فما إن تقترب من عيادة رعاية الطفل أو العيادة الشاملة بالعامرية، حتى تشتم أنفك روائح «قذرة» لا تطاق، وتجد أنك مجبر على أن تطأ قدماك مياه صرف صحى، لتبدأ بعدها رحلة البحث عن شخص يقوم بإصلاح الانسداد فى مواسير الصرف، بعد أن تخلى مسؤولو الصرف الصحى والحى عن القيام بواجباتهم وتجفيف المياه وتعقيم المبنى، كل ذلك والمرضى يئنون من آلامهم خارج العيادة، فما إن يتم تعقيم المكان حتى يجدوها وقد سدت مرة أخرى، ليضطر بعدها المسؤولون إلى دخول مشاحنات حتى يتفرق المواطنون، الذين تبدأ أصواتهم تعلو من الألم. أطباء رعاية طفل العامرية أكدوا أن المشكلة تكمن فى أن مستوى مبانى الرعاية أدنى من مستوى الصرف فى الشارع وهو ما يجعل تصريف المجارى ينصب فى داخل الرعاية، مما يجعلهم يقومون بجمع أموال من الموظفين لإصلاح مواسير الصرف، بعد أن تخلى عنهم المسؤولون، مؤكدين أنهم عندما يقومون بالاتصال بأى مسؤول يكون الرد التقليدى «العامرية كلها كده.. محتاجة شبكة صرف جديدة». وانتقد الأطباء الحالة التى وصفوها ب«المتردية» التى وصلت إليها الرعاية بسبب الطفح المتكرر للمجارى لمدة 3 أيام أسبوعياً، مما جعلهم فى حالة من الاستياء الشديد لتجاهل الجميع لهم وهو ما اعتادوا عليه، حتى إنهم يقضون معظم أيام العمل فى كسح الصرف، بدلاً من القيام بعملهم فى علاج المرضى، الذين يتشاجرون معهم قبل أن يغادروا المكان لاعنين الممرضين والأطباء. الصرف الصحى الذى يغرق مبنى الرعاية كاد يتسبب فى كارثة بعد أن وصلت المياه إلى أسلاك الكهرباء، التى تسببت فى صعق عاملتين بالرعاية قبل أن يتمكن الأهالى من إنقاذهما، الأمر الذى يعنى أن المبنى يمثل خطورة كبيرة على الموظفين من الأطباء والعاملين وكذلك المرضى، ويهدد بحدوث كارثة مروعة، إذا لم يتحرك المسؤولون، على حد تعبير الأطباء. مأساة الأطباء والعاملين لم تنته عند هذا الحد، رغم أن العيادة يتردد عليها يومياً قرابة 250 فرداً ورغم أنهم تقدموا بالعديد من الشكاوى، فإنهم محرومون من تقاضى الحوافز الخاصة بهم بسبب تقرير لجنة التقييمات الشهرية، التى تحصل فيه العيادة على (صفر) لأنها غير مطابقة لمكافحة العدوى، وبالتالى يتم حرمانهم من الحوافز. وأكدت الدكتورة وفاء محمود الشعبينى، مديرة وحدة رعاية الطفل بالعامرية، أنهم قدموا العديد من الشكاوى للحى والحزب الوطنى والصرف الصحى أكثر من مرة، لكن الأمر لم يحرك ساكناً لدى المسؤولين، مما يجعلهم يضطرون يومياً لإصلاح السدات التى تصيب الصرف على نفقتهم الخاصة. وانتقدت وفاء الإهمال فى إصلاح الصرف بالمنطقة، مما أغرق وحدة رعاية الطفل فى مياه الصرف وأدى إلى انتشار الحشرات والباعوض، مؤكدة أن الأطباء لا يستطيعون ممارسة عملهم بسبب صعوبة تعقيم المكان، موضحة صعوبة إجراء عمليات الولادة فى أماكن غير معقمة، وقالت: «إن الوحدة أصبحت مصدراً للإصابة بالأمراض، وإن المخاوف من تأثير الصرف الصحى على أساساتها ازدادت، بالإضافة إلى الخوف من تسبب الصرف الصحى فى كارثة كبيرة قد تؤدى إلى هلاك العاملين بالوحدة، وهى امتداد مياه الصرف الصحى إلى أسلاك الكهرباء التى لا يفصلها عن بيارة الصرف الصحى سوى مترين أو أقل». وطالبت بضرورة إيجاد حل جذرى لمشكلة الصرف الصحى بالمنطقة التى توجد بها الوحدة الصحية، بدلاً من الحلول التى وصفتها ب«الواهية» والمسكنات التى يتم التعامل بها فى المشكلة، حتى يستطيع الأطباء العمل فى جو طبى رحمة بالأهالى الذين يأتون للوحدة ويرجعون مرة أخرى دون الحصول عليها. على مقربة من مبنى الوحدة، يقع مبنى العيادة الشاملة، الذى لا يفصله عنها سوى السور الأسمنتى، ولم يختلف الأمر كثيراً فقد أغرقت مياه الصرف الصحى مدخل العيادة، وبنظرة سريعة تعرف أن هذه المياه ظلت راكدة لسنوات عديدة، بعد أن أصابها العفن وتحول لونها إلى الأخضر، ناهيك عن الروائح التى لا تستطيع أن تمكث معها فى هذا المكان، وهو ما دفع المسؤولين عن العيادة إلى إغلاق الباب الرئيسى وتحويل المترددين على المكان، الذين يصل عددهم إلى أكثر من 300 شخص يومياً، إلى الباب الفرعى الذى لا يتعدى اتساعه متراً واحداً. موظفو العيادة الشاملة أكدوا أن المشكلة تسبب لهم العديد من المشاكل، بسبب انتشار الباعوض والضفادع، فى جو لا يساعد على العمل نهائياً، موضحين أن ركود مياه الصرف الصحى تسبب فى انتشار الحشرات وجعل من مدخل العيادة الشاملة مكاناً آمناً للحشرات، مؤكدين تضررهم الشديد من الصرف الصحى الذى أغرق المبنى منذ أكثر من عامين، دون أن يتحرك أى مسؤول. العاملون بالعيادة استقبلونا بالترحاب الشديد، مستبشرين على أمل أن يتم حل المشكلة، إلا أن أحد الموظفين بالعيادة، عندما علم بهويتنا انفعل وثار ومزق الأوراق التى قمنا بجمعها من زملائه الموظفين عن الحالة السيئة التى وصلت إليها العيادة، وقام بالاتصال بأحد الأشخاص من تليفونه الشخصى وصمم على عدم خروجنا من العيادة قبل تمزيق الأوراق. وحصلت «إسكندرية اليوم» على صورة من العديد من الشكاوى التى تقدم بها موظفو العيادة للمسؤولين، كشفت عن مفاجأة أخرى خطيرة، هى أن الانسداد فى الصرف الصحى فى الطابق الثانى أثر على أسقف العيادة بالطابق الأول، مما تسبب فى سقوط قطع من الأسمنت وظهور الحديد منها. وجاء فى الشكوى التى وجهها عزت عبدالرؤوف محمود، معاون العيادة، إلى مدير العيادة: «المأساة التى تعانى منها عيادة العامرية مستمرة منذ أعوام والخاصة بالصرف الصحى داخلياً وخارجياً، ولا تجد أى استجابة من القسم الهندسى بالهيئة، حيث إنه داخلياً جميع الصرف فى الطابق الثانى من العيادة يؤثر على السقف فى الدور الأول، مما تسبب فى سقوط قطع من الأسمنت وظهور الحديد فى حالة رديئة، وكذلك الصرف الخارجى حالته سيئة، ومتهالك ومستواه أقل من صرف الشارع، مما يؤدى إلى دخول مياه المجارى عند انسدادها خارج العيادة بصفة مستمرة، ويعوق حركة دخول وخروج المنتفعين من الباب الرئيسى ويضطرنا إلى استخدام باب الطوارئ معظم أيام السنة»، وأضافت الشكوى: «إن القسم الهندسى على علم بالمشكلة ولا يوجد أى تعاون أو استجابة منهم، رغم أن هذا يؤثر على الجودة وتنفيذ برنامج مكافحة العدوى والسلامة والصحة المهنية». وأشارت الشكوى إلى أنه يتم رفع المياه المتراكمة بالجهود الذاتية بواسطة عمال العيادة مما يؤثر عليهم أيضاً». وأكد الموظفون إصابة أحد العمال بحساسية أو ما أطلقوا عليه «ارتيكاريا» نتيجة قيامه بتنظيف مياه الصرف المتراكمة، التى أصبحت مصدراً للتلوث وجميع الأوبئة، معربين عن تخوفهم من خروج ثعابين من المياه الراكدة أمام مدخل العيادة. شكوى أخرى تم توجيهها للمهندس مدير عام منطقة برج العرب للصرف الصحى، أكدت تسبب مياه الصرف الصحى فى تلف الأدوية وأثر ذلك على بعض الأجهزة، وجاء فيها: «نحيط علم سيادتكم بأن الصرف الصحى الخارجى فى حالة انسداد باستمرار، مما يسبب دخول مياه الصرف الصحى إلى العيادة، وينتج عنه تلف الأدوية وكذلك الأجهزة، بخلاف انبعاث الروائح الكريهة وانتشار الحشرات الضارة وتراكم المياه، مما له آثار سلبية على المرضى المترددين على العيادة، التى تخدم كثيراً من المنتفعين بمنطقة العامرية بخلاف القرى المحيطة بها». وأكد الموظفون أنهم قدموا العديد من الشكاوى لوضع حل لمشكلة الصرف الصحى بالمنطقة، والذى أثر على أساسات العيادة وتسبب فى انتشار الحشرات والقوارض والزواحف، معربين عن أسفهم الشديد لعدم تحرك المسؤولين لوضع حل جذرى للمشكلة. وانتقد همام عبدالعال، عضو مجلس محلى العامرية، الحالة التى وصلت إليها المنطقة المحيطة بمبنى الرعاية والعيادة الشاملة من تعديات الباعة وتحويل المنطقة لسوق، مؤكداً أن مشكلة الصرف الصحى بالمنطقة متكررة، رغم إخطار الجهات المسؤولة للعمل على حلها، بصفة مؤقتة لحين حل المشكلة نهائياً عن طريق توصيل شبكة الصرف الصحى الجديدة بالمنطقة. وأضاف عبدالعال أنه «لا يجوز أن تكون أماكن التعامل مع المرضى بهذا الشكل، وأنه عندما (يضرب) الصرف الصحى داخل العيادة الشاملة، يتم فتح باب الطوارئ، الذى لا يتحمل الأعداد المتزايدة من المنتفعين بالخدمة الصحية». وقال: «من غير المعقول أن يبدأ الأطباء عملهم بكسح الصرف الصحى، بخلاف الروائح الكريهة التى تنتشر فى المنطقة وتسبب العديد من الأمراض»، وشدد على ضرورة قيام المسؤولين بدورهم لحل المشكلة فى أسرع وقت، لتعلقها بصحة المواطنين، ولتسهيل مهمة الأطباء للقيام بدورهم على أكمل وجه. وأكد غازى جبريل، رئيس لجنة المرافق بمحلى العامرية، أن «المشكلة تكمن فى ارتفاع منسوب الصرف الصحى فى المصرف العمومى، الذى يتسبب فى ارتفاع منسوب المياه مما يجعل المنطقة تغرق فى الصرف»، مشيراً إلى أن المشكلة تم حلها بشكل مؤقت، حسب قوله، لحين الانتهاء من مشروع الصرف الصحى (المشروع الألمانى)، الذى يتم العمل به حالياً، وأن العمل يجرى حالياً بمنطقة الهجانة، وبعدها سيتم عمل محطات الرفع بمنطقة البردويل، بعد الحصول على عدة موافقات لمد مواسير الصرف. وأضاف: «إن المشروع الجديد سينهى جميع مشاكل الصرف بالمنطقة».