إن الإنسان الذى لا يقوى خياله أن يتسع حتى يمكنه من تجسيد جواد يعدو فوق سطح حبةٍ من الطماطم؛ هو شخصٌ ضيق الأُفق».. تلك العبارة الشهيرة للشاعر الفرنسى أندريه برايتون- مؤسس السريالية- جسدت بشكل صادم الاتجاه السريالى الحديث، الذى انتشر فى بدايات القرن الماضى، ودخل فى صراع قوى مع المجتمع. عرفت تلك المدرسة الجديدة بالتمرد على الواقع، فى ظل المعاناة الكبرى التى صنعتها الحروب، وبالأخص فى توقيت الحرب العالمية الأولى، إذ لجأ الفنانون لحلول غير منطقية للتعبير عما بداخلهم. والسريالية كلمة فرنسية تعنى حرفياً «فوق الواقع»، وشملت جميع أنواع الفنون. حاربها السياسيون والأكاديميون لكنها استطاعت أن تصنع طفرة كبرى بفضل روادها الذين يأتى على رأسهم الفنان الإسبانى الشهير سلفادور دالى. بالرغم من ظهور السريالية فى بدايات القرن العشرين إلا أن جذورها امتدت لآلاف السنين، فالحضارات القديمة خرجت عن المنطق المألوف وعبرت بأعمالها الفنية عما تكمنه من خيال. ويقول الباحث الأثرى فرنسيس أمين إن الأعمال الفنية القديمة عبرت بشكل سريالى عما يخفيه المصرى القديم وبالأخص فى وصف العالم الآخر، وأن المصريين القدماء عبروا عن آلهتهم برسم الحيوانات المركبة، وعلى سبيل المثال الإله محن، والذى جسده كثعبان باجنحة، والإلهة عمعمت- إلهة العقاب- مثلت بثلاثة حيوانات التمساح والأسد وفرس النهر. السريالية وحروب مع المجتمع دخلت الجماعة السريالية فى حروب مع الأكاديميين، بسبب اتهامهم لهم بالخروج عن المألوف من القواعد الفنية. ولم تمتد الحرب على هذا المستوى فحسب، بل وصلت إلى صراع مع السياسيين، الأمر الذى أدى إلى محاربة الديكتاتور الألمانى أدولف هتلر لهم وسجن العشرات منهم. الأمر الذى جعل المؤسس برايتون يجتمع بكافة أعضاء الجمعية السريالية فى باريس للتصدى لهذه الحرب. وامتدت تلك الأصداء إلى مصر أيضاً، حيث أسس الشاعر المصرى جورج حنين – أحد أعضاء حركة السرياليين العالميين- حركة فنية للتصدى لتجاوزات هتلر ضد الفنانين عرفت باسم «يحيا الفن المنحط». ويقول الدكتور ياسر شحاتة المؤرخ الفنى، إن الشاعر المصرى جورج حنين يعد أبرز المدافعين عن السريالية فى العالم أجمع باعتراف برايتون أيضا عندما قال إن شيطان السريالية له جناحان أحدهما فى باريس والآخر فى القاهرة. ويوضح أن حنين استغل الصحافة لنشر أفكاره، فتعاون مع أنور كامل فى إصدار مجلة «التطور» وأصدر أيضاً مجلة جديدة مع الفنان التشكيلى السريالى رمسيس يونان. واستقال حنين مع الحركة السريالية العالمية عام 1948، عندما أقامت الحركة معرضاً يساند إسرائيل فى باريس واستقل بالحركة السريالية المصرية. ويواصل شحاتة: تأسست بعد ذلك التاريخ جماعة الفن المعاصر على أيدى الفنان التشكيلى حامد ندا والفنان حسين يوسف أمين والفنان عبدالهادى الجزار، والتى أعطت شخصية مصرية للفكر السريالى، واهتمت بالبحث عن الجانب الخفى للإنسان. غموض لدى المتلقى قال الفنان الإسبانى سلفادور دالى «ليس من الضرورى بالنسبة للجمهور أن يعرف ما إذا كنت أمزح أو أتكلم بجدية، تماما كما أنه ليس من الضرورى بالنسبة لى أن أعرف أنا شخصياً!»، تلك العبارة شكلت صدمة كبرى لدى المتلقين، والذين لازمهم الغموض فى التفاعل مع الأعمال الفنية الجديدة. الأمر الذى أحدث صعوبة قدرة فى إدراك ما تحويه اللوحات بعكس تفاعلهم مع الأشكال الكلاسيكية القديمة. ويبرر الدكتور حمدى أبوالمعاطى، نقيب الفنانين التشكيليين، ذلك الأمر قائلا، إن السريالية هى التعبير عن اللاواقع، فبالتالى يعتمد الفنانون خيالا بعد الطبيعة. ويوضح أن أعمالهم تأخذ أبعادا سيكولوجية ونفسية يشعرون بها ويترجمونها من خلال عناصر غير موجودة فى أرض الواقع. ويرى أن الاتجاه السريالى يشبه إلى حد كبير التعبير عن الحلم، فالإنسان يرى فى منامه أشياء لا تمت للواقع بصلة، فتلقى هذا الفن يحتاج إلى التخلى عن المنطق والتفاعل مع اللوحات كأنها فيلم سينمائى للخيال العلمى. تأثر السينما بالسريالية عند ظهور السريالية على يد الشاعر الفرنسى برايتون بدأت جميع الفنون تتأثر به، فبدأ كتاب المسرح والروايات إلى سلك طريق جديد فى الفن ومنهم الكا ثورنتون وأيلور، وهو كاتب مسرحى، ألف مسرحية جلد الإنسان بين الأسنان سنة 1942م، وهى مسرحية تجنح إلى الخيال والعنف الناتج عن اللاشعور عند شخصيات المسرحية. وتوضح الناقدة السينمائية ماجدة موريس أن الأفلام السينمائية تأثرت باللوحات السريالية وبالتحديد فى الأفلام الإيطالية والسويدية، مشيرة إلى أن أكثر الأفلام التى عبرت بشكل سريالى كانت تجسد حياة الفنانين التشكيليين، وعن الإنسان فى زمن الحرب. لكن الاتجاه السريالى فى السينما لم يؤخذ بقدر الاهتمام فى الأعمال السينمائية الشرقية. وتتابع: «الأعمال السريالية المصرية دخلت فقط فى سياق الطبيعة الدرامية وتكويناتها غير المنطقية، منها على سبيل المثال فيلم «سمع هس»، والذى أخرجه شريف عرفة وتدور قصته حول حمص وحلاوة»، وهما زوجان يقدمان استعراضات فى الشوارع، ويعجب بأدائهما صاحب شركة إنتاج شرائط «صفصف» ويسجل لهما عملا غنائيا، ولكن يبدأ «غندور» المطرب الشهير بسرقة أعمالهما وألحانهما ويستبدلها بكلمات أخرى، فتتوالى الأحداث بعدما يقرر حمص وحلاوة التصدى له وعدم التفريط فى أعمالهما».