شجن

سامحونى على هذا الشجن، فلحظات العمر تتسرب كالماء بين أناملنا، لنعيش ذلك الشجن الفاصل بين حد الحزن بعمر مضى، ولحظة التفاؤل بعمر آت.
تحيرنى كثيرا تلك اللحظة الفاصلة بين عام يمضى، وعام يأتى.. مع أننى أعى تماما أنه لا قطيعة «ابستمولوجية» فى وجدان الإنسان، لكن الفرق هو أرقام فقط، يعاد ترتيبها فى زمن مختلف، وتوقيت آخر. وتملؤنى هذه اللحظات التى طالما عانقت فيها أمى مع أولى نسمات السنة الجديدة وهى تحضننى كطفلة، ونتقاسم علبة «الشيكولاتة»، فهى أيضا غدت ابنتى فى أيام عمرها الأخيرة، رحمها الله. يملؤنى الشجن، وتغمرنى الذكريات بمجرى مياهها، علنى أغتسل بذلك الشجن النبيل الذى يعيدنى طفلة كلما مرت الذكريات على وحيدة، إلا من صحبة حروفى. يقول «جوته»، شاعر ألمانيا الكبير: (إن العمر قصير، ودرب الأحلام شاسع)، وأضيف: إنه درب طويل جدا. نعم أحلامنا لا تتوقف، بينما أعمارنا تنتهى. فاللهم «صيبا» نافعا فيما رزقتنا من أمطار العمر، وانفعنا بما ارتضيت لنا من عدد سنين، نعيشها بين الناس ننفعهم ولا نؤذيهم، ونحاول فعل الخير قدر المستطاع، عله يبقى لنا بين الناس ذكرى.
أكتب لكم هذا المقال قبل انتهاء السنة بأيام قليلة، وستقرأونه وأنتم فى سنة جديدة، علها تجدكم بخير أحبتى، وعلينا أن نلبسها حلة التفاؤل والمحبة، ونستقبلها بفرح طفولى، نستعيد به ذكريات أيام جميلة، ونعد أنفسنا بخير نصنعه بأنفسنا لنا وللناس، وبكل ما هو جميل ونافع لنا ولهم، تلك هى الحياة المثلى، قدر ما نستطيع إليها سبيلا.
تفاءلوا، وحاولوا أن تحققوا أحلامكم، فمازال الحلم ممكنا، حاولوا أن تتمسكوا به، وتقبلوا حياتكم بحلوها ومرها، فتلك سنة الحياة، الفرح والحزن معا يأتيان، ومعا يعيشان..الحياة ألم وأمل، دمعة وابتسامة.. وتذكروا أننا غارقون فى ستر «الله» ورحمته، حد الخجل.
فلن تتوقف الأمنيات عندما يزحف الشيب، ويضعف البصر أو يتقوس الظهر.. إنها سنة الحياة، فقط لنتعايش مع ذلك. العمر يمضى فاغتنموا أجمل لحظاته، وتدثروا بالرضا والقناعة والطيبة، والمحبة.
نعم كل لحظة تمر هى سرقة مشروعة للسعادة، فاغتنموها.
ابدأوا من جديد فى أى عمر، نحن ما نصنعه وننجزه، وما إنجازاتنا سوى أحلامنا وأفكارنا، أصبحت متحققة على الأرض. اصنعوا من كل لحظة فى حياتكم لحظة بهجة. فكل لحظة تمضى بالتأكيد لن تعود، وقد صدق «هيراقليطس» الفيلسوف الإغريقى، حين قال: «إنك لا تستحم مرتين فى النهر ذاته، لأن مياهه فى جريان مستمر».
كل سنة وكل قارئ منكم أحبائى بخير وبصحة وسعادة، ويارب يحقق كل منكم أمانيه وأحلامه، أما وطنى الجزائر ووطنى الثانى مصر فأتمنى لهما الأمان والسلام..