ترامب في مواجهة كوريا الشمالية.. خياراته قليلة ومحفوفة بالمخاطر

يشكل الإطلاق الاختباري الأخير من كوريا الشمالية لصاروخ باليستي عابر للقارات تحديا مباشرا للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي لم تنجح تهديداته المباشرة في أي تغيير في سلوك بيونج يانج، في الوقت الذي يواصل فيه رئيس كوريا الشمالية، جهوده لبناء سلاح نووي قادر على ضرب الولايات المتحدة.
ومن شأن مثل هذا الاحتمال أن يغير بشكل جذري الديناميكية الدبلوماسية ويزيد الضغط على إدارة «ترامب» للرد، خاصة أنه صرح سابقا أن كل الاحتمالات مطروحة ولم يستبعد الرد العسكري، كما أنه سيجبر الأمم المتحدة على إعادة النظر في نهجها تجاه بيونج يانج، بعدما طلبت الولايات المتحدة، أمس، عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، اليوم، حول كوريا الشمالية.
وقال خبراء أميركيون إن الصاروخ الذي أطلق، الثلاثاء، تزامنًا مع احتفال الولايات المتحدة بعيدها الوطني، قادر على استهداف آلاسكا، في تجربة تعني أنها اجتازت خطوة جديدة تقربها من التهديد بضرب الولايات المتحدة بسلاح نووي.
وبعد مرور 6 أشهر على رئاسته، يسعى «ترامب» من أجل صياغة سياسة متماسكة تجاه كوريا الشمالية، ورغم أن الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته، ريكس تيلرسون، قد أعلنا أن «فترة الصبر الاستراتيجي التي اتبعها باراك أوباما مع كوريا الشمالية قد انتهت»، إلا أن الإدارة الأمريكية الجديدة لم توضح ما يعنيه ذلك. وقال «تيلرسون» إن الولايات المتحدة ستعمل بمفردها إذا احتاجت ذلك، رغم أنه لم يحدد ما سيترتب على ذلك بالضبط.
صحف مواقع غربية تحدثت عن صعوبة الوضع وعدم وجود أي حلول مناسبة لكبح طموحات كوريا الشمالية النووية، وعجز الولايات المتحدة عن مواجهتها، وضعف الأمل في نجاح محادثات ثنائية بين البلدين، خاصة أن النظام في بيونج يانج يستمد جزء كبير من شرعيته الداخلية على تصوير البلاد على أنها تحت تهديد مستمر من الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين وكوريا الجنوبية واليابان.
وقد اتجهت إدارة «ترامب» مؤخرا إلى الضغط على الصين لإجبارها على كبح جماح كوريا الشمالية وإيقاف التجارة غير المشروعة معها، وشكلت ضغطًا دوليًا لعزلها إلى حد كبير عن النظام المالي العالمي، كان آخرها، الأسبوع الماضي، عندما أعلنت إدارة «ترامب» فرض عقوبات ضد بنك في الصين متهم بغسل الأموال للحكومة الكورية الشمالية، ورغم ذلك لم يؤثر هذا النهج بفاعلية على كوريا الشمالية كما كانت تأمل واشنطن.
لكن وفقا لصحيفة «جارديان» البريطانية، فإن خبراء ومحللون عدة يرون أن إدارة «ترامب» ليس لديها خيارات كثيرة لما يجب القيام به بعد ذلك، مستبعدين الحل العسكري، خاصة أن أي ضربة استباقية ضد المنشآت النووية في كوريا الشمالية سيتسبب في خسائر فادحة في كوريا الجنوبية وربما اليابان.
ويرى المتخصص في المواجهة الدبلوماسية والعسكرية الطويلة في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، أنطوني روجيرو، في تصريحات له لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أن إدارة ترامب لديها خيارات محدودة غير الضغط الاقتصادي القوي على الصين وكوريا الشمالية، يتمثل في المفاوضات، لكن يجب الإدراك أن هذا الطريق يمكن أن يأتي بنتائج إيجابية محدودة على المستقبل البعيد.
خيار المفاوضات تحدث عنه رئيس كوريا الجنوبية الجديد، مون جاي إن، في واشنطن، الجمعة، أثناء لقائه ب«ترامب». وتتمحور المفاوضات حول تجميد التجارب النووية والصاروخية في كوريا الشمالية مقابل اتفاق أمريكي للحد من المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية أو تعليقها. وقد أعلن كل من الرئيس الصيني، شي جين بينج، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين دعمها لهذا الخيار.
لكن هذا الحل ينطوي أيضا على مخاطر، وفقا لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، باعتباره يحقق أساسا الهدف الكوري الشمالي والصيني المتمثل في الحد من حرية الحركة العسكرية الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ، وبمرور الزمن سيؤدي إلى تآكل نوعية الردع العسكري الأمريكي- الكوري الجنوبي.
حل المفاوضات رغم عيوبه ومخاطره، بجانب نظام العقوبات الاقتصادي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة حاليا ضد الصين، يراهما كثير من الخبراء النهج المناسب للرد على أزمة كوريا الشمالية، رغم أنه حل طويل الأمد وضعيف التأثير، لأنه وفقا لموقع «سي إن إن» الأمريكي، فإن الصين وروسيا ستستخدمان الفيتو ضد أي عقوبات فعالة أو عسكرية في مجلس الأمن، لأن أكبر مخاوف بكين هي إحداث أزمة في كوريا الشمالية تخلق الملايين من اللاجئين لديها، الأمر الذي تدركه كوريا الشمالية وتستغله.
ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فرغم أن الصين تعهدت بالتعاون مع الولايات المتحدة بشأن كوريا الشمالية، إلا أنها ظلت تبقي على علاقة متوازنة معها حتى اليوم لاختلاف أولوياتها ومصالحها، لذا من المتوقع أن تسعى للحيلولة دون تدمير علاقتها بالكامل مع بيونج يانج، ومن المرجح أيضا أن يتضاءل نفوذها في المرحلة القادمة من المفاوضات بشكل كبير.
وحذرت «سي إن إن» من فشل المفاوضات، موضحة أن «ترامب» قد يشعر بأنه ليس أمامه حلا سوى الحرب، وقالت إنه يجب أن يعي العالم حاليا بما في ذلك كوريا الشمالية أن الإدارة الأمريكية الحالية تختلف عن سابقاتها، وأن أساليبها وأذرعتها مختلفة، وقد ترتكب فعلا مصيريا غير متوقع، خاصة أن «ترامب» يحب الانتصارات البسيطة والسريعة، لكن ما يجب أن يدركه أنه ليس هناك انتصارات سهلة في قضية كوريا الشمالية، وأن أي اتفاق سيكون غير مرضي وعرضة للفشل.