إن الثورة المصرية قامت من أجل التغيير و الحرية والعدالة الاجتماعية ولكى يتحقق التغيير الحقيقى على أرض الواقع فلابد أن يوجد هدف قومى يسعى المجتمع لتحقيقه و انجازه فمثلا نجد دول الخليج هدفها الحداثة على النمط الغربى و يمكن ملاحظة ذلك جيدا عن طريق البنايات العملاقة و الشاهقة و عناصر التحديث الغربية فى مختلف مناحى الحياة الخليجية اعتمادا على النفط كمورد طبيعى يحقق ثروة هائلة لتلك الدول دون عناء يذكر منهم و لكن لابد ان نعى جيدا اننا دولة ذات تاريخ و حضارة عريقة و هذا ليس كلاما مرسلا و الذى صنع تلك الحضارة هو الانسان المصرى فالمشروع القومى الحقيقى هو اعادة بناء الانسان المصرى ليتمكن من بناء حضارة عالمية معاصرة العالم كله ينبهر بها فمصر تحتاج الى ثورة لتغيير نظام التفكير و اعادة صياغة البيئة التى يعيش فيها المجتمع من أجل حياة ينعم فيها الجميع بالحرية و العدالة الاجتماعية و بناء منظومة متكاملة من القيم الايجابية التى تمكن مصر من ان تخطو خطوات حقيقية فى العالم المعاصر تكون رائدة فى اعادة رسم خريطة المنطقة و تحقيق التوازن الاقليمى بين دول منطقة الشرق الاوسط لحماية مصالح الوطن و عدم اغفال العلاقات المتشابكة بين شعوب الدول العربية و التضامن بين شعوب العالم المستضعفة و التى دائما تتعرض للتهميش و الفقر نتيجة الخلل فى توازن القوى الاقليمية و العالمية فإن بداية التغيير تنبع من الانسان المصرى من خلال بناء رؤية متكاملة تتبنى سياسات هدفها بناء الانسان المصرى المعاصر الذى يحافظ على هويته و فى نفس الوقت يضع نصب عينيه العالم بمنظور جديد نحوله من انسان يبحث عن لقمة العيش ليأكل و ليشرب و لينام الى انسان حضارى يعلم قيمة الحرية و العدالة ويعمل على تحقيقها على ارض الواقع داخل مجتمعه وينصر كافة المناضلين فى جميع انحاء العالم الذين يسعون الى تحقيق نفس الاهداف المشتركة لتصبح مصر الدولة النموذجية التى يسعى العالم الى التعلم منها هذا ليس وهم و لكنه حلم نحاول ان نضع اللبنات الاولى لتحقيقه و لو رأينا اوروبا و حالها فى القرون الوسطى كانت اسوأ وضعا مما نحن عليه الآن ولكنها اصرت على التغيير و تحقق لها التغيير واصبحت نموذجا الآن تسعى كافة دول العالم الى تقليده ومحاكاته و لو دب الشك و اليأس فى نفوس الاوروبيين عندما حاولوا تغيير واقعهم لما استطاعوا تغيير ذلك الواقع الى ما نراه الآن فى العالم المعاصر و من هنا فأن إرادة التغيير تنبع اساسا من صلابة النفس البشرية و قوتها و اعترافها بأن هناك نظام من التفكير لابد من التخلص منه و إحلاله بنظام تفكير آخر يمكن الانسان من التحول من المجتمع المتخلف الى المجتمع المتقدم المتحضر و لكى نبنى الانسان المصرى المعاصر فهناك مجموعة من المبادئ التى على الدولة تبنيها ليس كحكومة فقط ولكن كافة مؤسسات الدولة من مدارس و جامعات و اعلام و مساجد و كنائس و كافة منظمات المجتمع المدنى ليتحقق التغيير المنشود المبنى على الحرية و العدالة اول تلك المبادئ هو احترام القانون فليس من الحرية ألا نحترم القانون و لكن فى نفس الوقت يجب ان يكون ذلك القانون عادلا و لا ينتهك الحريات السياسية و المدنية للمواطنين و لذلك فأن السلوكيات الغير ايجابية لبعض المواطنين من كسر الاشارة و الوقوف فى الممنوع بل و التعدى بالضرب على بعضنا البعض فهذا لا يعد من الحرية فى شئ بل اقرب الى الفوضى السلوكية و فى نفس الوقت يدل على اننا لا نحترم انفسنا لاننا لا نستطيع ان ننتهك القانون العادل و لكننا بمثل تلك السلوكيات ننتهك أنفسنا امام القانون فالانسان المصرى المتحضر هو منضبط السلوك يحافظ على احترام القانون و هيبة العدالة حتى ولو لم توجد شرطة رقيبة على تصرفاته و سلوكياته فعلى الدولة غرس هذا المبدأ فى نظامها التعليمى ليخرج لنا جيلا جديدا نأمل فيه التغيير الحقيقى الذى ننشده فى احترام مبادئ العدالة و الحرية المسئولة ثانى تلك المبادئ ان نحترم العلم والعلماء و التخصص و نتخلص من الخرافة و التفكير الاسطورى و البعد عن الشائعات المدمرة فالثورة المصرية كانت ثورة علمية بكل المقاييس اعتمدت على احدث وسائل التكنولوجيا فى العالم المعاصر فلكى ننعم بالحرية فلابد ان نتعلم كيف نتملك الوسائل العلمية التى تمكننا من ذلك فمثلا حق تصويت المصريين فى الخارج او استخدام طريقة التصويت الالكترونى لضمان نزاهة الانتخابات فعلينا التعلم من تجارب الآخرين مثل التجربة الهندية الرائدة فى ذلك المضمار بل و نسعى ايضا الى تطوير وسائلنا العلمية ليكون لدينا نموذجنا الخاص بنا فى التطوير والبناء لان مشروعات التنمية المختلفة على ارض مصر تحتاج الى العلم فمشروع اعادة تعمير سيناء يحتاج الى تضافر جهود علماء فى كافة التخصصات لتعمير تلك المنطقة دخول معترك العصر النووى وبناء مفاعلات نووية يحتاج الى علماء متخصصين فى ذلك المجال و لو بدأنا فى مشروعات تعتمد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتوليد الطاقة بل و تصديرها الى دول العالم المختلفة تحتاج الى العلم وايضا مشروعات للبحث عن المياه الجوفية وترشيد استهلاك المياه ومحاولات جادة لاعادة تحلية مياه البحر و بناء صناعات تكنولوجية متطورة و تنمية الاراضى الزراعية و منع التصحر ومنع تجريف تلك الاراضى كل ذلك يحتاج الى العلم والاساس العلمى الذى يعتمد على البحوث ثالث تلك المبادئ يجب ان تعتمد طريقة التفكير على العقلانية و ليس العاطفة طبعا العاطفة مطلوبة للتضامن مع الفقراء و المحتاجين و المستضعفين و لكن عندما تتصادم مع العدالة و تطبيق القانون مثلما يحدث من حركات تضامنية مع الرئيس المخلوع لايقاف محاكمته فهنا تحولت طريقة التفكير من الاعتماد على العاطفة العقلانية الى العاطفة البلهاء العمياء التى لا ترى حقوق المظلومين الذين سلبت حقوقهم نتيجة هذا النظام البائد فهؤلاء يتصفون بانسداد الافق و الرؤية المحدودة و فترسيخ قيم العدالة مرتبط بنمط و طريقة التفكير العقلانى الذى يجب ان يسود فى المرحلة المقبلة حتى يكون للعدالة منطقها التى تتكلم به و للحرية مفهومها الصحيح التى توجه البشر بطريقة عقلانية نحو عاطفة ايجابية تحفز الانسان على التضامن الحقيقى مع من يستحق التضامن رابع تلك المبادئ لابد ان يسود المجتمع التسامح و القدرة على الحوار البناء و البعد عن النزعة التعصبية التى تنظر للحياة من منظور احادى الجانب معتبرا نفسه محتكرا للحقيقة المطلقة و ينظر الى الآخرين على أنه هو الوصى عليهم فهذا نوع آخر من انواع الاستبداد و الفساد و لكن للآسف يعتقد الانسان من خلاله أنه مصلحا و هنا لابد ان يكون للازهر دور مهم لترسيخ المفهوم الصحيح للتدين المبنى على التسامح و العطاء والبذل للآخرين بدلا من ترك الساحة للفكر الطائفى الذى يهدف الى تقسيم المجتمع الى طوائف شتى هذه بعض المبادئ التى على الدولة ان تتبنها بكافة مؤسساتها لاعادة بناء الانسان المصرى بما يتوافق مع قيم العصر الحديث حتى تسود مناهج التفكير العلمى والابداعى و احلام ومطالب التفكير الحر و العقل الحر على حساب مناهج التفكير الخرافى و العشوائى و العدمى اى الذى بلا هدف و التعصبى و الطائفى ليتحقق التغيير المنشود مع العلم ان عملية التغيير عملية مستمرة و ايضا جعل الحرية و العدالة منهج للحياة لان المشروع القومى الحقيقى ليس اعادة اعمار سيناء او استغلال الموارد بطريقة عادلة او بناء نظام قضائى مستقل او بناء صناعة اسلحة متطورة و متقدمة بل ان كل هذا لن يتحقق الا عندما يكون مشروعنا القومى هدفه الاساسى بناء الانسان المصرى المتحضر الذى يعمل على تحقيق كل الاهداف سالفة الذكر