ودع ملعب فيسينتي كالديرون، معقل نادي أتلتيكو مدريد الإسباني، أمس الأربعاء، القارة الأوروبية باستضافة آخر مباراة ببطولة قارية على أرضه، في ليلة ساحرة من ليالي كرة القدم ستبقى خالدة في تاريخه الكبير، ولكنها في الوقت نفسه ليلة اكتست بمسحة حزن، بعد خروج أتلتيكو للمرة الرابعة على التوالي على يد جاره ريال مدريد من بطولة دوري أبطال أوروبا. مكتظا بالجماهير الغفيرة التي غطت كافة أرجائه، حلم فيسينتي كالديرون في ليلة أمس بتحقق المعجزة طوال معظم فترات الشوط الأول من مباراة القطبين الريال وأتلتيكو في إياب الدور قبل النهائي لبطولة دوري أبطال أوروبا. وبسط أصحاب الملعب سيطرتهم على مجريات اللعب طوال هذا الشوط، ولكن المراوغة الساحرة التي قام بها الفرنسي كريم بنزيمه على الخط الأخير للملعب ثم تمريره كرة عرضية متقنة سجل منها اسكو الهدف الوحيد للنادي الملكي كانت بمثابة الضربة التي أجهضت الحلم. وحتى تلك اللحظة كان ملعب فيسينتي كالديرون أشبه بالجحيم وكان يستلهم لهيبه من فريقه الذي أحاط بريال مدريد من كل جانب وكان يستعد أن يوجه له اللكمة القاضية، بعد أن ملأ لاعبوه جنباته بحركة دؤوبة لا تتوقف في ظل مراقبة حثيثة للمدرب الأرجنتيني دييجو سيميوني، الذي كان يشيح بيديه في كل الاتجاهات بجنون، بالإضافة إلى الجماهير التي لم تتوقف عن الصراخ والقفز والتلويح بالأعلام. «نعم هذا ممكن، نعم هذا ممكن»، هكذا انفجرت مدرجات فيسينتي كالديرون بعد ركلة الجزاء التي سجلها اللاعب الفرنسي أنطوان جريزمان ليعلن تقدم أتلتيكو مدريد 2 / صفر. وأثبت أتلتيكو مدريد خلال 15 دقيقة من المباراة أن عودته في نتيجة مباراة الذهاب، التي سقط فيها بثلاثية نظيفة، ممكنة بعدما سجل هدفين خلال تلك الدقائق التي ستظل عالقة للأبد في أذهان جماهيره والتي ستجد مكانها في السجل التاريخي لأعظم أيام ملعب فيسينتي كالديرون. ولكن الفريق، الذي يقوده المدرب الأرجنتيني دييجو سيميوني، منح الفرصة لمنافسه لالتقاط الأنفاس، في الوقت الذي كان فيه قريبا للغاية من معادلة نتيجة الذهاب. وهكذا الحال عندما تخفق في استغلال الفرصة للإجهاز على فريق عملاق مثل ريال مدريد، فحينئذ عليك تحمل النتائج ودفع الثمن غاليا. لم تتحقق العودة بشكل كامل، والفوز بنتيجة 2 / 1 لم يكن كافيا، إلا إن ملعب فيسينتي كالديرون، الذي ستتم إزالته نهاية الموسم لبناء ملعب أكثر حداثة في منطقة أخرى بالعاصمة الإسبانية مدريد عاش مباراة الديربي والليلة الأوروبية الأخيرة له في ظروف مثالية. وقال سيميوني: «هذه الليلة الساحرة التي قضيناها في كالديرون ستبقى في الذاكرة للأبد، عندما قلنا أن العودة ممكنة ظن بعض الأشخاص أننا نلعب بالكلمات، ولكن أثق بأن تلك الدقائق الثلاثين أو الخمس والثلاثين ستبقى خالدة في التاريخ». ومن جانبه، قال جابي مارتينيز، قائد أتلتيكو مدريد: «علينا أن نعود مرة أخرى لتقديم الشكر لأفضل جماهير في العالم، كان هذا أقل ما يمكن أن نقوم به من أجل الناس، الشوط الأول كان مذهلا». ومنذ الدقيقة الأولى للمباراة، اكتسى هذا الملعب، الذي تم افتتاحه في تشرين أول/أكتوبر 1966 بمباراة بين أتلتيكو مدريد وفالنسيا انتهت نتيجتها بالتعادل 1 / 1، بأجواء «الحرب الكروية». «فخورون بأننا لسنا مثلكم»، كانت هذه العبارة بالأحرف الكبيرة هي الشعار الرئيسي الذي رفعته جماهير أتلتيكو مدريد طوال اللقاء على طول المدرج المحاذي لخط الملعب الجانبي. وكان ذلك الشعار ردا على شعار أخر قامت جماهير ريال مدريد بإظهاره في مباراة الذهاب على ملعب سانتياجو بيرنابيو قالت فيه «قولوا لي بماذا تشعرون، لشبونة وميلان». وجاء شعار جماهير ريال مدريد للإشارة إلى المباراتين النهائيتين لبطولة دوري الأبطال، التي خسرهما أتلتيكو مدريد على يد النادي الملكي في 2014 و2016 بشكل درامي، إحداهما في الوقت الإضافي والأخرى بركلات الترجيح ليحرم أتلتيكو من التتويج باللقب الأوروبي الأول له في تاريخه. وبإضافة المباراة التي خسرها في دور الثمانية للبطولة الأوروبية عام 2015، سجل أتلتيكو مدريد أمس سقوطه الرابع على التوالي أمام جاره اللدود في هذه البطولة. «أتليتي أتليتي»، هكذا صدحت جماهير أتلتيكو مدريد بعد هدف اسكو القاتل لصالح الريال قبل نهاية الشوط الأول، ولكن صدمة الهدف كانت قوية لم تنجح الهتافات في التخفيف من وطأتها لتغيب الإثارة عن الشوط الثاني ويدرك الجميع أنه لم يعد هناك مجال للعودة. وعلى هذا النحو أصرت جماهير أتلتيكو مدريد على التمسك بشعورها بالفخر بلاعبيها بعد أن قدموا كل ما لديهم في ليلة تاريخية أخرى من ليالي فيسينتي كالديرون ولكنها انتهت أيضا بنفس السيناريو المرير الذي ألقى بظلاله على السنوات الأربع الماضية. وبعد المباراة عاد لاعبو أتلتيكو مدريد إلى أرضية الملعب لتلقي تحية الجماهير وتصفيقها الحار، الذي بدأ مع السقوط قبل أسبوع على ملعب سانتياجو بيرنابيو على الجانب الأخر من العاصمة الأسبانية. وبعد الخروج من البطولة الأوروبية، يلعب أتلتيكو مدريد مباراته الأخيرة في بطولة الدوري الأسباني أمام أتلتيك بيلباو في 21 مايو الجاري على ملعب فيسينتي كالديرون، قبل أن يستضيف نفس الملعب نهائي كأس ملك أسبانيا بين برشلونة وألافيس بعد ذلك التاريخ بستة أيام. ويختتم الملعب الأسطوري تاريخه الحافل بمباراة ودية استعراضية تجمع بين العديد من أساطير كرة القدم في العالم. ويأمل سيميوني ألا يحدث الانتقال إلى ملعب جديد أي تغيير في قيم النادي والفريق، وقال: «المشاعر تنتقل، ونفس الجماهير الموجودة هنا اليوم ستنتقل إلى ميتروبوليتانو الملعب الجديد)، الشغف لا يخضع للتفاوض».