مدينة المجد والرجال، عندها مبتدأ قصة الحضارة المصرية، وعندها أيضا تأسست الثقافة المصرية الخالصة والروح الطيبة ذات الطبيعة الساحرة وربما أنحدر بناة الأهرام من ربوعها لينشروا الحضارة والثقافة في الشمال، وتظل قناالمدينة الفقيرة الساحرة متدلية في خريطة الوطن على هيئة الفيل "أبو زلومة" الطيب مثل ناسها الطيبين في أقصى الجنوب ، تقاتل الزمن والشياطين لتحفظ للمصريين قيمهم وطيبتهم وكرامتهم . وثورة يناير الشعبية الفريدة في التاريخ الإنساني كشفت الغطاء عن مواجع المصريين مع الاستبداد والقمع والتهميش والإلغاء والفساد العظيم . كما كشفت أيضا عن كل هذا الزخم من التناقضات والتقلبات التي غزت عقول وقلوب المصريين البسطاء اللذين استجاروا بالدين ، ومستعدين لصرف وقت طويل أمام القنوات الفضائية التليفزيونية التي تنبش في تراث تعفن ولم يعد له قيمة غير التحريض على صدامات فئوية ومذهبية مجنونة لم يعد لها محل من الإعراب في التاريخ الحديث . وأزمة أهالي قنا مع الجنرال عماد ميخائيل محافظها الجديد مركبة ، ويستحيل اختزالها في مجرد كونه شخصية عسكرية أو بأعتباره ينتمي لطائفة الأقباط في مصر كما إن اللذين خرجوا في شوارع المحافظة المنسية في جنوبالوادي يقطعون الطرق. ويوقفون حركة سير القطارات، أعلنوا العصيان والتمرد على سلطة الحكومة المركزية التي لم تغير طريقتها في التعامل مع فيل الصعيد أبو زلومة الطيب مثلما تغير كل شيء في قاهرة المحروسة . وشعب قنا خرج يجأر بصوت مرتفع وبهمة عالية، ويعلنها غضبة في غير زمانها، لكنها جرس الأنذار القوي لجنرالات المجلس كي يدركون إن واقعا جديدا يتشكل. وهذا الواقع متخم بشباب الثورة البرئ الطموح لشغل المقاعد في الصفوف الأمامية . وأما أصحاب البزات الفاخرة والسيجار الكوبي المستورد المقررين على الشعب في كل تغيير وتدوير فقد ولى زمانهم .