ربما لأنه جوهر الفضائل, أو لأنه جوهر الوطن, أو لأنه أصل المعاني, أو لأنه روح القيم, أو لأنه عصب الوجود القومي, أو لأنه ماء الذاكرة الوطنية, أو لأنه نقاء الدم المصري.. ربما لكل هذه الأشياء, مازال الصعيد هو الأكثر قدرة علي العطاء البشري, علي المدد الثقافي, علي التجديد الروحي.. يرسل بالكنوز من الجنوب إلي الشمال.. أقول هذا بمناسبة اليوم الأول لممارسة فضيلة الإمام الأكبر مهام وظيفته الجليلة.. جاءنا الرجل من خير البيوت, من بيت علم ودين, من بيت أصالة وكرم.. جاءنا الشيخ من الأقصر من مدينة عراقة وعتاقة وحضور وحضارة وتاريخ.. جاءنا الرجل ليمثل أحسن ما فينا من قيم, وليكشف عن خير ما تنطوي عليه نفوسنا من فضائل.. جاءنا, بعد سلفه العظيم, كلا الرجلين, حملهما النهر الخالد من الجنوب إلي الشمال, من قبلي إلي بحري.. من خزان الرجولة هناك إلي مصانع النبوغ هنا.. رجولة تعني صلابة الإحساس بالوطن, الإحساس بالمسئولية, الجدية في معالجة الأمور, رجولة تعني الصدق مع الذات, والصراحة مع الناس, والشجاعة في مواجهة الأحداث, رجولة تعني عمق الإحساس بالناس وبالظواهر وبالأشياء.. إحساس يتجاوز الشكل إلي المضمون.. يتجاوز الطارئ إلي الأصيل.. يتجاوز العارض إلي المقيم والمستقر.. الشيخ الطيب.. خير ما فيه أنه لا يمثل, لا يستعرض.. غضيض البصر.. عنده حياء.. يعرف الخجل.. وجه طبيعي.. يخلو من المساحيق.. حقيقة ناطقة.. لا ترتدي الأقنعة.. ولماذا الصعيد؟ لأنه نبع الرجال, وكنز المواهب, وأصل كل شيء له معني.