هل من قبيل الصدفة أن يتم اغتيال «جوليانو خميس» فى جنين، وإعدام المتضامن الإيطالى «فيتوريو أريغونى» فى غزة فى وقت متقارب، أم أن الحادثتين مدبرتان، وهما جزء من مؤامرة تستهدف القضاء على حركة التضامن العالمية مع الفلسطينيين، خصوصاً عشية انطلاق أسطول الحرية الذى يستهدف فك الحصار الظالم عن قطاع غزة. هناك محاولة تستهدف إظهار الفلسطينيين متطرفين، وهم جزء من حركة الإرهاب العالمية، لكى يسهل على إسرائيل المضى قدماً فى تصفية القضية الفلسطينية أو إظهارها كقضية صراعات فئوية بين المعتدلين والمتطرفين. أما جريمة قتل الفنان المبدع «جوليانو خميس» فى مخيم جنين، الذى أقام مسرحاً فى مخيم جنين، وواصل رسالة أمه «إرنا» خدمة للفلسطينيين، فتتشابه إلى حد كبير مع جريمة قتل الصحفى المتضامن الإيطالى الجنسية فيتوريو أريغونى فى غزة، فقد جاء «خميس» إلى جنين ليعمل عبر المسرح مع جيل فلسطينى جديد من أجل بناء الأمل والمقاومة، فاتهمه الظلاميون فى بياناتهم بأنه جاء لتخريب شباب المسلمين. بينما آثر الناشط الإيطالى «فيتوريو»، أو«فيكتور»، كما يطلق عليه الغزيون، تبنى القضية الفلسطينية، إذ لم يكتف بالتضامن من الخارج، بل قرر ترك كل شىء وراءه، غادر إيطاليا، وانتقل إلى قطاع غزة لممارسة قناعاته برفض الحصار الخانق على مئات الآلاف من الفلسطينيين وكان سعيداً بخياراته، وهو ما تؤكده الصور المنشورة له على المواقع الإلكترونية والصحف العالمية، خاصة الصورة التى تظهره رافعاً علم فلسطين فوق أحد مراكب الصيد. لم يمارس الصحفى الإيطالى قناعاته عن ترف، بل على خلفية أيديولوجية يسارية، جعلته مقتنعاً بأحقية أصحاب الأرض، وعدم جدوى التضامن من الخارج، فقرر البقاء فى غزة منذ عام 2008، حينما وصل للمرة الأولى إلى القطاع مع إحدى سفن كسر الحصار، وشارك بشكل فعال فى مواجهة عدوان الرصاص المصبوب. قناعة فيكتور دفعته إلى وشم كلمة «المقاومة» بالعربية على ذراعه، لكنه لم يتخيل يوماً أن أحداً من الشعب الذى تضامن معه هو الذى سيقتله. استشهد فيكتور بعدما تجردت مجموعة وصفت بأنها سلفية من أى قيم إسلامية أو إنسانية تتشدق بها طوال الوقت، وهى واحدة من مجموعات كثيرة انتشرت فى قطاع غزة فى السنوات القليلة الماضية، تحت مرأى حركة حماس الحاكمة ومسمعها. قتل فيكتور كان ثمناً باهظاً لمن قرر فى مرحلة من المراحل تغذية هذه الجماعات تحت ذريعة الاستفادة منها فى العمل المقاوم، رغم أنه يدرك أن ما تعتبره هذه الفئات مقاومة موجه إلى الشعب الفلسطينى نفسه قبل الخارج. فيتوريو أريغونى هو أول متضامن أجنبى مع الفلسطينيين يقتل فى قطاع غزة منذ تولى السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة عام 1994، وكان قد ألف كتاباً عن معاناة أهل قطاع غزة وكان فاعلاً فى جميع المناسبات التضامنية مع ذوى الشهداء والأسرى، ورغم أن حركة حماس سارعت ونددت بالجريمة واعتبرتها الحادثة الأولى منذ سنوات فإنها تتحمل مسؤولية غير مباشرة عن مقتل الناشط الإيطالى باعتبارها كانت الحاضنة لهذه التيارات. لقد جاء قتل فيكتور على يد جماعة تطلق على نفسها اسم سرية الصحابى الهمام «محمد بن مسلمة» وكانت قد طالبت فى شريط مصور ظهر فيه فيكتور «مُدمى» حكومة غزة بالإفراج عن جميع معتقليها وفى مقدمتهم هشام السعيدنى المعروف باسم «أبوالوليد المقدسى»، غير أن هذه الجماعة المارقة نفذت تهديدها وقتلت الصحفى الإيطالى «خنقاً» قبل ساعات قليلة من الموعد المحدد، ومداهمة قوات الحكومة المقالة مركزها. ربما تكون الجماعة السلفية هى المسؤولة المباشرة عن الجريمة، غير أن حماس تقع على عاتقها المسؤولية الأكبر، لاسيما أن مثل هذه الجماعات لم تظهر إلا بعدما فرضت الحركة حكمها على القطاع، ولمن لا يعرف فإن السلفيين كانوا شركاء لحركة حماس فى مرحلة من المراحل، وحماس التى لم تختر مواجهة هذه الجماعات إلا بعد فوات الأوان، قبل أن تكتشف خطرها على حكم الحركة، قبل الشعب الفلسطينى. ودّعت غزة الناشط الإيطالى فيتوريو أريغونى وداعاً حزيناً ومؤثراً بالدموع والورود، ولفوا التابوت بالعلمين الفلسطينى والإيطالى، وطوال الوقت تعالت الهتافات من أصدقائه، ودعواتهم للقصاص من القتلة، ورددها المشيعون «من غزة حتى جنين فيكتور ابن فلسطين».