د. بهاء الجندى الحاصل على جائزة الدولة للعلوم يتحدث عن اكتشافه: نستهدف مستقبلات الطاقة فى السرطان.. و«نجوّع خلايا السرطان حتى الموت»

يعمل الدكتور بهاء الجندى مُدرسًا بقسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة بنها، وينصب مجال أبحاثه على اكتشاف وتصميم أدوية جديدة لعلاج السرطان، نشر العديد من الأبحاث فى مجال تصميم الأدوية فى مجالات علمية شهيرة منها مجلة نيتشر ومجلة أبحاث السرطان، حصل على جائزة الدولة للعلوم عام 2015 تقديرًا لجهوده فى مجال البحث العلمى المرتبط بمكافحة السرطان. يتحدث الدكتور بهاء الجندى ل«المصرى اليوم» عن اكتشافه لجزىء عضوى صغير، يستطيع حرمان الخلايا السرطانية من الطاقة اللازمة لانقسامها، الأمر الذى يساهم فى اضمحلال تلك الخلايا وموتها.. وإلى نص الحوار:
■ ما هو الأساس العلمى الذى اعتمدتم عليه للوصول إلى ذلك الجزىء؟
- أسس العالم الألمانى أوتو ووربرج المتخصص فى الكيمياء الحيوية والحائز على جائزة نوبل فى الطب عام 1931 لنظرية مهمة جدا مفادها أن علاج السرطان يكمن فى السيطرة على مصادر الطاقة التى تستخدمها الخلايا السرطانية للنمو والانتشار. بُنيت هذه النظرية المهمة والتى تم إهمالها لعقود طويلة على ملاحظات ووربرج أثناء دراسته لخلايا السرطان فى الفئران والتى لاحظ أنها على النقيض لما هو معروف حينها لا تحتاج للأكسجين للنمو ولكنها تستهلك كميات كبيرة جدا من الجلوكوز الموجود فى الدم وتقوم بتكسيره دون الحاجة للأكسجين. لم تكن تلك النتائج مقنعة بالمرة لووربرج فأجرى نفس الاختبارات على أنواع مختلفة من الخلايا بعضها مأخوذ من الإنسان وكانت المفاجأة الحقيقية أنه حصل على نفس النتائج فى كل مرة وهو أن خلايا السرطان شرهة جدا للجلوكوز وتستخدمه للحصول على الطاقة اللازمة للنمو دون الحاجة للأكسجين كما هو الحال فى الخلايا الطبيعية.
■ وهل هذا التأثير يشمل كل أنواع السرطانات؟
- سمى هذا التأثير لاحقا بتأثير ووربرج وتم التأكد منه باستخدام التقنيات الحديثة المستخدمة فى تشخيص السرطان والتى نستطيع بواسطتها تحديد أماكن الخلايا الأكثر استهلاكا للجلوكوز والتى أيدت هذه الملاحظة فيما يقرب من ثمانين بالمائة من أنواع السرطان المعروفة وبينت أنه كلما زاد استهلاك الجلوكوز كانت الخلايا السرطانية أشد ضراوة ويصعب أو يستحيل علاجها تماما.
■ ولماذا تم إهمال تلك النظرية طيلة العقود الماضية؟
- ظلت تلك النظرية محل جدال لوقت طويل حتى تم اكتشاف تركيب DNA فى الخمسينيات من القرن الماضى بواسطة واطسون وكريك وما تبعه من التركيز على الطفرات الجينية كمسبب أساسى للسرطان فتم تجاهل تأثير ووربرج بالكلية لما يزيد عن خمسين عاما حتى بدأ العلماء مجددا بالنظر إلى هذا التأثير نظرة أعمق وأكثر شمولية لما ينطوى عليه من أمل فى إيجاد علاج أسهل وأكثر فاعلية.
■ وما هو المسار البحثى الرئيسى لك؟
- على النقيض من معظم المجموعات البحثية فى مجال بيولوجيا السرطان والتى تركز على التغيرات الجينية التى تؤدى إلى هذا المرض الرهيب الذى يودى بحياة ملايين البشر سنويا كانت مجموعتنا البحثية بمعهد سكريبس للأبحاث من المجموعات القليلة التى أعطت اهتماما كبيرا لنظرية ووربرج وركزت على استهداف أهم مسارات الطاقة التى تستخدمها خلايا السرطان للنمو.
أحد هذه المسارات هو مسار تكوين الدهون lipogenesis والذى تحتاجه الخلايا السرطانية لتكوين الدهون اللازمة لها. المسار الآخر هو المعروف بتأثير ووربرج والذى يتم فيه استهلاك الجلوكوز بشراسة لبناء مختلف أجزاء الخلايا الجديدة وللحفاظ على قدرتها على النمو السريع.
■ ما النتائج التى وصل إليها بحثكم؟
- قمنا بتخليق جزىء عضوى صغير يتمكن من غلق هذين المسارين عن طريق إيقاف عمل الجينات التى تتحكم فى عملهما وبالتالى حرمان الخلايا السرطانية من مصادر الطاقة الخاصة بها، مما يؤدى فى النهاية إلى موت هذه الخلايا دون التأثير على الخلايا السليمة، حيث إن تأثير ووربرج عملية مميزة فقط للخلايا السرطانية ولا يحدث فى الخلايا الطبيعية.
وفى سياق متصل تم حديثا اكتشاف وجود أحد البروتينات بكثافة فى كل أنواع الخلايا السرطانية. يسمى هذا البروتين اختصارا PARP14 ويعمل كمضاد لموت الخلايا المبرمج ويعتبره بعض العلماء المسؤول الرئيسى عن الاستهلاك الفائق للجلوكوز فى الخلايا السرطانية. هناك حاجة ماسة للعمل سريعا على تصميم وتخليق مركبات عضوية لها القدرة على إيقاف عمل هذا البروتين أو على الأقل خفض مستوياته، حيث إن الدراسات المبدئية أظهرت أن تخفيض مستوى هذا البروتين أو إيقاف عمله يؤدى إلى تجويع الخلايا السرطانية وبالتالى القضاء عليها.
■ وكيف سيؤثر هذا البحث فى مسار ابتكار أدوية جديدة للسرطان؟
- بمرور الوقت يزداد فهمنا لطبيعة عمل الخلايا السرطانية وينمو الأمل فى إيجاد علاجات أكثر فاعلية وأقل ضررا على المرضى.