درس أمريكي في يوم العيد

فى هذا العيد المبارك وكل وأى عيد آخر.. اعتدنا ترديد نفس الكلام الطيب والأمنيات المتكررة والجميلة بالطيبة والسعادة.. أمنيات غالبا لا يرددها الكثيرون منا بصدق ويقين واقتناع بدليل تناقص مساحة الطيبة فى مجتمعنا يوما وراء آخر وعيدا بعد عيد، مع أن المفترض أن يحدث العكس تماما نتيجة كل هذه الأمنيات فى كل عيد.. ومن باب التمرد على كل ما هو قديم ومتكرر ومتوقع.. نويت فى يوم العيد التوقف أمام حكاية مهمة جدا وبالغة الدلالة والمعانى وقعت هذا الأسبوع فى أحد ملاعب كرة السلة الأمريكية.. فقد رفض كولين كابرنيك الوقوف أثناء عزف السلام الوطنى الأمريكى قبل بدء المباراة.. وبسؤاله بعدها عن أسبابه ودوافعه.. قال كابرنيك إنه لم ولن يقف احتراما للسلام الوطنى لدولة لايزال فيها السود والملونون يشعرون بالاضطهاد ولا ينالون نفس حقوق البيض.. وبسرعة تناقلت وسائل الإعلام الأمريكية المختلفة هذه الحكاية من سان فرانسيسكو إلى كل مدن الولايات المتحدة وبيوتها ومكاتبها.. فكان هناك من رفض هذا السلوك ورآه إهانة للولايات المتحدة.. وكان هناك من أيد كابرنيك لدرجة زيادة هائلة فى مبيعات فانلته فى مختلف المحلات.. كان هناك من كتب رافضا هذا الادعاء الكاذب بدليل أن كابرنيك الأسود حصل على كامل حقوقه المادية والإعلامية لاعبا لكرة السلة دون أى تفرقة بينه وأى لاعب آخر أبيض.. وهناك من قال إن دعوة كابرنيك لرفض المظالم واضطهاد السود والملونين هى أمر يجب الالتفات له بكل اهتمام لأنه طالما قال نجم رياضى كبير ذلك فهناك آخرون كثيرون أيضا لهم نفس الرؤى والشكاوى والمشاعر والقناعات.. وفى كل الأحوال لم يتحول الفيس بوك الأمريكى إلى مستنقع لشتيمة وإهانة كابرنيك أو الدفاع عنه وشتيمة وإهانة من هاجموه.. لم يطلب أحد إسقاط الجنسية الأمريكية عن اللاعب ولم يذهب أحد المحامين الكبار أو الصغار لأقرب محكمة ليقيم دعوى قضائية ضد كابرنيك.. لم يكن هناك أى صراخ وغضب أو نكات وسخرية.. لم يفتش أى أحد عن أى فضيحة سابقة لكابرنيك أو صورة عارية مثلا لزوجته أو تنشب أى حرب أهلية أمريكية نتيجة ما جرى..
مقالات متعلقة
* مشاهدات: رياضية ودستورية
* أكذوبة انهيار الأهلى وأوهام عودة فلول الفساد وتهمة وزير الرياضة
بل إنه حين تم نقل هذه الحكاية إلى الرئيس الأمريكى باراك أوباما أثناء حضوره قمة العشرين التى استضافتها الصين.. فوجئ الجميع برئيس الولايات المتحدة يقول للمجتمع الأمريكى عبر إعلامه إنه ليس حزينا أو غاضبا من وعلى اللاعب كولين كابرنيك.. فهو مواطن أمريكى مارس حقه الدستورى فى التعبير عن رأيه وغضبه وحزنه.. وأنه كرئيس ليست لديه أى شكوك فى حب كابرنيك لوطنه الذى يريده أن يكون أفضل وأجمل، ولهذا كان الاعتراض والاحتجاج.. وطيلة اليومين الماضيين كانت هناك كتابات ونقاشات طويلة حول فعل اللاعب وتعليق الرئيس.. أيضا دون خروج على أى نص ودون أى انفعال أو مبالغة أو إسراف فى توزيع اتهامات وإهانات.. مجتمع صحى متصالح مع نفسه لا يعجز أو يخشى ويرفض مناقشة أى سلوك وكل أحد بمنتهى الهدوء والعمق والاحترام.
شاهد أخبار الدوريات في يوم .. اشترك الآن