الشوارع حواديت: لا «فجّالة» بعد محفوظ

لم يُعرف عن كامل صدقى بك، اهتمام عميق بالأدب، ولا- بالطبع- بنبات الفجل، ولا بالتأكيد، بأدوات الصرف الصحى والسيراميك، لكن اسمه أطلق على أشهر شارع ينتمى إلى كل ما سبق.
ثمة سخرية سوداء لا شك فيها، فى أن يتحول شارع الكتب والمكتبات الأشهر، إلى أشهر شارع لأدوات الصرف الصحى، كأنها إشارة خفية ساخرة إلى موقع الثقافة فى بعض عهود المصريين، غير أن الفجالة، أو المنطقة التى كانت تسمى الفجالة، لشهرتها قبل 10 قرون فى زراعة الفجل، لديها ما هو أغنى من هذه السخرية الخفية.
قبل انتشار محلات السيراميك، عُرف شارع الفجالة، الذى سمّى كامل صدقى، بأنه مقصد القراء لانتشار المكتبات الكبرى ودور النشر الأهم فيه، أبرزها كان- بالطبع- مكتبة مصر، لسعيد جودة السحار، المترجم الذى عاش ما يقارب قرنا من الزمان، ومن عجائب الأقدار أنه ولد قبل صديقه العتيد نجيب محفوظ بعام واحد فى 1910، وتوفى قبل محفوظ بعام واحد أيضا فى 2005، اعتمدت مكتبة مصر فى شهرتها على روايات «الشبان» منتصف الثلاثينيات، ومنهم محفوظ ومحمد عبدالحليم عبدالله، وابن عائلة السحّار نفسها، عبد الحميد جودة السحار، الذى توفى سبعينيات القرن العشرين، وفى ستينيات القرن نفسه، تأسست المؤسسة العربية الحديثة، التى اشتهرت، بدءا من الثمانينيات، بإصدار سلاسل مصرية من روايات الجيب، منحت الشارع- كامل صدقى كى لا ننسى- شهرة متجددة الدماء، وقراء من بدايات المراهقة إلى نهايات الشباب.
ولئن كانت سلاسل الجيب فى كل مكان، فإن إصدارات مكتبة مصر من «المحفوظيات» ظلت مقصدا رئيسيا للقراء فى شارع الفجالة، وحين انتقلت حقوق نشر محفوظ إلى دار نشر كبرى خارج الفجالة، انقطعت بالتدريج عن الفجالة أقدام محبى الأثر المحفوظى.
أما كامل صدقى نفسه، فلا شأن له بذلك كله، كان نقيب المحامين رقم 10 فى ترتيب النقباء، وتولى المقعد مرتين بين النصف الثانى من الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات، فإن سئل المحامون عنه، قالوا إن ما بقى منه أثران عظيمان، هما، صندوق معاشات المحامين، وإعداد قانون حصانة المحامى الذى صدر من بعده، فضلا عن طابع بريد يخلد صورته ومسعاه.