دولة التلاوة:ياسر الشرقاوى أستاذ «المقامات» على درب «مصطفى إسماعيل»

فى حُجرة متواضعة، مليئة بأجهزة التسجيلات الصوتيّة، جلس القارئ، ياسر الشرقاوى، مُتفردًا بين براح المقامات الصوتية. يتلو ما تيسر لهُ من سورة «الحاقة»، وامتدت أحباله الصوتية إلى حدّ السماوات السبع، وبجرأة خبير يعرف من أين تؤكل الكتف، ردّد: «لِنَجْعَلهَا لَكُمْ تَذْكِرَة». فيما جلس حوله مجموعة صغيرة من المستمعين، وصلت بهم النشوة لأن يتمايلوا يمينًا ويسارًا، وكُلما انتهى الشيخ ياسر من مقطع، قالوا: «الله أكبر.. على مهلك علينا يا سيدى».
ياسر الشرقاوى، قارئ شاب، لم تتجاوز سنوات عمره الثلاثين ربيعًا، ولد فى الثمانينيات داخل قرية أخطاب، التابعة لمركز أجا، بمحافظة الدقهلية، مهد حُبه لقراءة القرآن، وفى رحلته اليومية إلى المدرسة، كان ياسر يستمع إلى شرائط الكاسيت التى كان يُفضلها والده، محمود الشرقاوى، أستاذ علم القراءات.
وعلى نغمات الشيخ مصطفى إسماعيل، حاول الصبّى الصغير أن يُردد آيات القرآن، إلى أن أحب قراءة القرآن عن ظهر قلب، وبدأ خطواته الأولى بافتتاح الإذاعة المدرسية فى المرحلة الابتدائية، وسط إعجاب مُعلميه وتلاميذ المدرسة.
تدّرج ياسر بعد ذلك فى المراحل التعليمية المختلفة، إلى أن التحق بكلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، وبعد التخرُج، قرر أن يُصبح قارئًا محترفًا يسير على درب المشايخ القدامى، وبنفسٍ مطمئنة، تقدّم إلى اختبارات إذاعة القرآن الكريم، باعتبار أنها البوابة الأولى فى حياة مشايخ القُراء، كمّا يتذكر: «سنة 2006، بعد ما خلّصت كلية، بدأت أبحث عن الالتحاق بإذاعة القرآن الكريم».
وفى منزل الشيخ أبوالعينين شعيشع، بحى «مصر الجديدة» كان الاختبار الأول فى حياة القارئ الشاب، تحديدًا عندما ترك ياسر الأيام الخالية وقرر أن يؤتى كتابُه بيمينه: «الشيخ شعيشع قالى سمعنّى حاجة، أنا عرفت إنك بتأذن الأذان بتاعى». وبالفعل أنشد ياسر الأذان على طريقة «شعيشع»، وبعدها قال لهُ الشيخ: «مستقبلك كويس، بس ابعد عن التقليد».
وإيمانًا بموهبة ياسر، قدّم الشيخ شعيشع أوراق المقرئ الشاب إلى إذاعة القرآن الكريم. وبعد سلسلة اختبارات طويلة و«صعبة»على حد وصف ياسر، اجتاز مرحلة القرآن والتجويد، واعتُمد كأصغر قارئ شاب فى تاريخ الإذاعة. وظلّ فى انتظار أول إذاعة خارجية لهُ.
فجر 25 يناير 2015، وتحديدًا فى رِحاب سيدنا «الحُسين». جاءت الإذاعة الخارجية الأولى فى حياة المقرئ الشاب. فهو يتذكر يومها كيف كانت نسمات الهواء ترقُص حوله، حتى مقام «الحُسين» الذى اعتاد على رؤيته مُنذ أن جاء إلى القاهرة لاستكمال رحلتُه الدراسية، تغيّر وقتها، وأصبح نوره «كمشكاة فيها مصباحٌ».
«نفّسى انكرش»، هكذا يصف الشيخ ياسر بداية تلاوته للقرآن فى «الحُسين»، تعثّر فى البداية من رهبة الموقف، إلى أنّ انشرح قلبه بمُجرد الوصول إلى آية معينة، يتذكر بركتها عليه، قائلاً: «وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ».
لم يصل صيت المقرئ الشاب إلى نواحى المحروسة فقط، بل سافر إلى عدة بلاد مختلفة، وحل ضيفًا فى العديد من المحافل الدولية، وفاز بالمركز الخامس فى مسابقة إيران الدولية، لتلاوة القرآن الكريم، حيثُ تميز ياسر بالجمع بين مدرستين، «طراوة» التلاوة الحديثة و«أصالة» مدرسة التلاوة القديمة، على خُطى مثله الأعلى، الشيخ مصطفى إسماعيل، كمّا يقارن بين المدرستين قائلاً: «المقرئون الشباب ليهم زهوتهم، لكن الفن الأصيل هو اللى بيستمر».
«بطمح إنّى أحافظ على منهج القرّاء السابقين»، هكذا يحلُم الشيخ ياسر بأن يستمر على منهج مشايخ القرآن القدامى، بجانب إحياء صورة مدرسة القراءة فى مصر فى رحلاته الخارجية، وتحديدًا فى شهر رمضان، الذى سيُقضيه ياسر فى ماليزيا، فهو ضحى بروحانيات شهر رمضان فى مصر، كمّا يقول: «عشان خاطر القرآن».
القارئ ياسر الشرقاوى
https://www.youtube.com/watch?v=htQogRiUD6I