مازلت أعتقد - وكما كتبت من قبل - أن هيلارى كلينتون لديها الفرصة الأكبر للفوز بانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة. ولكن الصعود الكبير والسريع لمرشح الحزب الجمهورى دونالد ترامب يجعل المفاجآت الانتخابية أمرا واردا. ويطرح هذا الصعود لترامب سؤالين أساسيين. الأول يتعلق بتفسير وفهم هذا الصعود، والثانى بالنتائج التى قد تترتب على وصول ترامب للبيت الأبيض بالنسبة للشرق الأوسط. مقالات متعلقة * المصريون وثورة التوقعات * تقرير آخر عن 2030 الصعود السياسى لترامب يمثل ظاهرة فريدة فى السياسة الأمريكية، ويعكس تحولات ضخمة يمر بها المجتمع الأمريكى. فقد استطاع رجل الأعمال ترامب، والذى جاء من خارج الكوادر التقليدية للحزب الجمهورى أن يزيح من طريقه كل الأسماء الكبيرة المنافسة من مرشحى الحزب، بالرغم من أن حملته الانتخابية كان لها تنظيم محدود، واستخدمت عددا قليلا من الإعلانات التليفزيونية، واعتمدت على التمويل الذاتى، وقام ترامب بإهانة قطاعات واسعة من الناخبين مثل المرأة والمواطنين الذين ينحدرون من أمريكا اللاتينية وكذلك المسلمون، وافتقد برنامجا يطرح حلولا تفصيلية للمشاكل. نجاح ترامب يعود بشكل أساسى إلى «الرسالة» التى توجه بها للناخبين، والتى عكست الإحساس بالغضب وخيبة الأمل والخوف الذى يشعر به قطاعات واسعة من المواطنين داخل الحزب الجمهورى وخارجه، نتيجة للمشاكل المرتبطة بالاقتصاد والهجرة والإرهاب، والتى أدت لاعتقاد هؤلاء أن الولاياتالمتحدة لا تسير فى الطريق الصحيح، وإلى فقدانهم الثقة فى النظام السياسى والسياسيين المحترفين، فقدم ترامب نفسه على أنه مرشح من خارج الأُطر التقليدية، وأنه يختلف عن الآخرين الذين حولوا السياسة إلى مهنة، واستخدم لغة جديدة تقوم على الصراحة المتناهية التى قد تصل إلى حد الوقاحة وإهانة الآخرين، ولكنها وجدت صدى لدى المواطن المعادى، الذى أعتبره يتحدث عن الأمور كما يراها ودون كذب أو دبلوماسية. طرح ترامب أيضا رسالة بسيطة، تقوم على مخاطبة العواطف أكثر من العقول، وتدغدغ المشاعر القومية كما يتضح من الشعار الذى رفعه «أمريكا أولا». واستطاع بهذه الرسالة أن يكسب أصوات الملايين من الناخبين. وبغض النظر عن الأفكار التى يروج لها ترامب، فإن نجاحه يقدم دروسا لكل سياسيى العالم، بمن فيهم السياسيون فى مصر. أولها، أهمية القراءة الجيدة لمشاكل ومشاعر المواطن العادى وعدم الارتكان فقط لآراء وتحليلات النخبة والمحللين الذين فشلت كل توقعاتهم فيما يتعلق بترامب، واتضح حجم الفجوة بين النخبة والمواطنين حتى فى بلد مثل الولاياتالمتحدة. الدرس الثانى يتعلق بأهمية «الرسالة» التى يتبناها المرشح، والتى يستطيع بمقتضاها أن ينتصر بغض النظر عن حجم تمويل أو تنظيم حملته الانتخابية، أو موقف النخبة منه. ماذا عن سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط؟ الأمر بالتأكيد يحتاج معالجة تفصيلية فى مقال آخر. ولكن يمكن طرح الملاحظات التالية: 1- أيا كان الفائز فى الانتخابات الرئاسية فإن الولاياتالمتحدة ستركز فى المرحلة القادمة على الداخل أكثر من الخارج. 2- أفكار ترامب سوف يدخل عليها قدر من الاعتدال عندما يسعى لكسب عموم الناخبين وخاصة المستقلين، وليس فقط الناخبين من حزبه، وقد بدأ بالفعل الحديث عن أن بعض أفكاره هى مجرد مقترحات. 3- بيروقراطية مؤسسات الأمن القومى الأمريكى مثل المخابرات والخارجية لديها بعض القدرة على فرملة شطحات الرؤساء. 4- هناك توافق متزايد داخل الحزبين (الجمهورى والديمقراطى / كلينتون وترامب) على انخفاض الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط وعلاقات التحالف بدوله. دور أمريكى محدود بالشرق أوسط (مع كلينتون أو ترامب) قد يمثل تحديا لبعض دول المنطقة، ولكنه يمثل أيضا فرصة جيدة لدول أخرى ومنها مصر، لو أحسن التخطيط والتعامل مع هذا الواقع الجديد. [email protected] اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة