مع احتدام المنافسة فى سباق الانتخابات الأمريكية، واقتراب موعد نهاية الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكى باراك أوباما، امتلأ الإعلام بتصريحات للعديد من المرشحين المتنافسين حول العلاقات مع مصر، وانتقادهم سياسة أوباما الذى طالب بتنحى الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك، ودعم الإخوان المسلمين، إلا أن العلاقات بين البلدين، وإن اختلفت فى تصريحات المتنافسين، فإن ثوابتها تقوم على استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، والالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل، فيما يمثل التعاون بين البلدين فى مكافحة الإرهاب أبرز مستجداتها، وذلك على الرغم من الخلافات بين المرشحين فى كلا المعسكرين. وتظل مصر بعد مرور 5 سنوات على ثورة 25 يناير، وتغير 4 رؤساء- إحدى أهم الدول فى المنطقة، وتربطها بالولاياتالمتحدة مصالح متعددة- على الأجندة الرئيسية للسياسة الخارجية لمرشحى الرئاسة الأمريكية، ومن أبرزهم هيلارى كلينتون، المرشحة المحتملة عن الحزب الديمقراطى، وزيرة الخارجية السابقة، والتى كانت فى مقدمة صناع القرار الأمريكى أثناء الربيع العربى، ومنافسوها الجمهوريون دونالد ترامب، وبن كارسون، وتيد كروز، وماركو روبيو. فالمرشح الجمهورى الأبرز إعلاميا فى السباق دونالد ترامب، برز اسمه فى الإعلام بعد تصريحاته عن دعوته لمنع المسلمين من دخول الأراضى الأمريكية، بجانب إطلاق العديد من التصريحات المعادية للإسلام والإسلاميين التى اعتبرها البعض تغذى «الإسلامو فوبيا» فى الغرب. وعلى الرغم من مواقفه المعادية للمسلمين، كان ل«ترامب» العديد من التعليقات عن الوضع فى مصر، وسياسة الولاياتالمتحدة تجاهها أثناء وبعد ثورة 25 يناير. فقال فى تدوينة له على موقع «تويتر» عام 2011، إن «مصر تتحول إلى حاضنة للإسلام المتطرف، المظاهرات الحالية ما هى إلا محاولة انقلاب، كان يجب علينا ألا نتخلى عن مبارك». وفى تدوينة أخرى فى ديسمبر 2012، عبّر «ترامب» عن استيائه من طريقة تعامل الولاياتالمتحدة مع حليفها مبارك قائلا إن «مصر فى فوضى، كان يجب علينا دعم مبارك بدلا من التخلى عنه مثل الكلب». وعبر «ترامب» فى العديد من تصريحاته عن رفضه تعامل إدارة أوباما مع نظام الإخوان فى مصر، ورئيسها محمد مرسى، وقال إن «زعيم الإخوان المسلمين فى مصر يضع العديد من الشروط قبل زيارته للبيت الأبيض، سياسة أوباما الخارجية فاشلة». وعبر «ترامب» عن تأييده لمظاهرات 30 يونيو التى أطاحت بحكم الإخوان قائلا إن «الملايين يتظاهرون فى مصر للإطاحة بمرسى، متى يطالب أوباما باستقالة مرسى كما فعل مع مبارك؟». ويرى المرشح الجمهورى، تيد كروز، فى الرئيس عبدالفتاح السيسى رجلا شجاعا، وقال فى أحد تصريحاته: «إن أمريكا تحتاج إلى رئيس فى شجاعة الرئيس السيسى المسلم الذى أعلن أن المتطرفين الإسلاميين إرهابيون يهددون أمن العالم». وجاء التصريح رداً على ما رآه «كروز» ضعفا من «أوباما» فى التعامل مع الإسلاميين وعدم إعلانهم صراحة إرهابيين متطرفين، وقدم مشروع قانون أمام «الكونجرس» للضغط على «أوباما» من أجل تصنيف جماعة «الإخوان المسلمين» منظمة إرهابية أجنبية، على خطى عدد من الدول التى أصدرت قرارات مماثلة. وعلى العكس من «ترامب»، قال «كروز» إن «مبارك» كان زعيما لا يحترم حقوق الإنسان، ضاربا بالحريات الشخصية فى مصر عرض الحائط، وأضاف: «ولكنه زعيم وحليف يُعتمد عليه فى الحرب ضد التطرف الإسلامى». واتخذ المرشح الجمهورى بن كارسون موقفا مشابها لمنافسه «ترامب»، وقال حسبما نقلت عنه مجلة «تايم» الأمريكية إن وضع جماعة الإخوان المسلمين ضمن قائمة المنظمات الإرهابية أصبح جزءا أساسيا من برنامجه الانتخابى، وطالب وزارة الخارجية الأمريكية بالتحقيق فى علاقة مجلس العلاقات الأمريكية- الإسلامية «كير» بالإخوان المسلمين التى اتهمها ب«الإرهاب». وقال إن الإطاحة بالرئيس مبارك فى ثورة 25 يناير كانت خطأ، موضحا أن مبارك «لم يكن سيئاً للغاية»، ورأى أنه كان أفضل من خليفته محمد مرسى. وتتبع «هيلارى» المدرسة الواقعية فى السياسة الخارجية، التى تتبنى موقفاً يُعنَى بالمصالح الخاصة للدولة بالدرجة الأولى، ولا يبالى بمصالح الدول الأخرى، وتهتم بفهم الوقائع واستخلاص الحقائق. وهذا يتسق مع مواقفها السابقة التى تدعم أمن أمريكا وأولوياتها فى المنطقة، التى ذكرتها، على جميع التخوفات الشخصية من الوضع السياسى فى مصر، وتحفظاتها عليه، التى أعلنتها خلال مناظرة مع منافسيها الديمقراطيين قائلة: «لقد كنت حذرة جدا من الإطاحه بالرئيس السابق محمد حسنى مبارك». وترتبط بما سبق التصريحات الجمهورية المؤيدة بقوة لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى بتجديد الخطاب الدينى، وعبّر النائب الجمهورى لوى جورمت عن أمله فى أن يأتى اليوم الذى يتمتع فيه القادة الأمريكيون بشجاعة السيسى فى محاربة الإرهاب، وقدرته فى التعبير عن رغبة المصريين، وهو موقف اتخذه المرشح الجمهورى جيب بوش، الذى اعتبر أن مواجهة ما وصفه ب«التطرف الإسلامى» مهمة يجب أن يتحملها العالم العربى، بينما قال المرشح الجمهورى المنسحب مؤخرا من السباق، السيناتور مايك هاكابى: «إنه يشكر الله على وجود السيسى فى مصر». فى المقابل، يرى المرشح الجمهورى ماركو روبيو أن الدفع بمصر إلى التحول الديمقراطى يجب أن يكون من أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، والضغط من أجل هذا التحول هو واجب يجب العمل عليه بكل الطرق، وقدم مشروع قانون لوقف المعونة العسكرية الأمريكية إلى مصر وربطها بضمان التحول الديمقراطى واحترام الحريات الاقتصادية والسياسية، وتحويل جزء من المعونة لمشاريع تدعم المجتمع المدنى المصرى. وطلب «روبيو» من وزير الخارجية الأمريكى، جون كيرى، زيادة الضغوط على مصر لفرض التحول الديمقراطى واحترام حقوق الإنسان، وقال إن دعم واشنطن للقاهرة يجب أن يكون مشروطا باحترام حقوق الإنسان، والإصلاح السياسى وتقوية المجتمع المدنى. وبذلك يعد «روبيو» المرشح الوحيد المحتمل الذى يضع شرط الديمقراطية والحريات السياسية ركناً أساسياً للتعاون المصرى- الأمريكى، وليس فقط أمن المصالح الأمريكية فى المنطقة، مثل محاربة الإرهاب وأمن إسرائيل. ومن ثم تمثل مصر إحدى أهم الأوراق الرابحة التى تسيطر على سباق الانتخابات الأمريكية، وما يأمله الجمهوريون فى توظيفها للهجوم على الإدارة الديمقراطية وتحميلها سبب الأزمات التى تواجه المنطقة. وستظل المعونة الأمريكية لمصر إحدى ركائز العلاقة بين البلدين، والتزمت واشنطن بتقديم 1.3 مليار دولار سنويا منذ اتفاقية السلام مع إسرائيل على شكل مساعدات عسكرية للجيش المصرى، فيما انحدرت العلاقات بين البلدين بعد الإطاحة ب«مرسى»، إذ علق الكونجرس المعونة المصرية فى إجراء اعتبره «ضرورياً» لمراقبة الوضع فى مصر. وبالتزامن مع وقف المعونة قامت الولاياتالمتحدة بتعطيل تسليم مقاتلات «إف- 16» ومروحيات الأباتشى التى كانت جزءا من صفقة سابقة، فى محاولة للضغط على مصر نحو التحول الديمقراطى، حتى صوّب الكونجرس والإدارة الأمريكية سياستهما تجاه مصر وأفرجت واشنطن عن المساعدات ومقاتلات «إف- 16» والأباتشى كمطلب مصرى محورى لمحاربة الإرهاب، فيما قد تشهد المرحلة المقبلة مزيداً من تحسن العلاقات بين الجانبين فى محاربة الإرهاب على المستوى الإقليمى، خاصة فى ليبيا.