5- إنهم يعلقون رأسي جلس الدرويش الشامي في ظل العنبة التي في مدخل محششة " أبورجيلة " يشد أنفاساً من نارجيلته، ويتفرج على السائرين في الطريق، والداخلين والخارجين من باب زويلة. شمس الضحي في أيام الشتاء تغري بمزيد من الخدر، جاء أبورجيلة بكوز من القرفة الممزوجة بالزنجبيل ناوله للدرويش وحياه بصوت منغوم " صباح الفل يا بركة " جلس أبو رجيلة بجوار الدرويش، ومد يده وأخذ " مبسم " النارجيلة وأخذ يشد أنفاساً سريعة من النارجيلة جعلت الجمر يتوقد ووجه الدرويش يكاد يختفي وراء سحابة من الدخان الأزرق. ظهرت علامات الانبساط على وجه أبورجيلة، وعلى غير انتظار سأل الدرويش " لو وجدت نفسك يابركة أمام أسد كاسر وليس معك أي سلاح ماذا تفعل ؟ أجاب الدرويش بآلية " اصعد الى أقرب شجرة " رد أبو رجيلة وهو يغالب الضحك " لا توجد أشجار " قال الدرويش بنفاذ صبر " أبحث عن أي صخرة أختبئ ورائها " عاجله أبو رجيلة " لا توجد صخور " انفجر الدرويش باللهجة الشامية " دخيل الله أنت معي أم مع الأسد ؟ " ضحك أبورجيلة،وضحك الدرويش،وضحك الآخرون حتى وإن لم يعرفوا علام يضحكون، قام أبورجيلة يلبي طلبات الزبائن، حلق الدرويش بعيداً .. السلطان يطارده وهو يجري ويقفز كعفريت صغير .. قفز إلى سطح جامع طلائع .. تبعه السلطان .. قفز إلى مئذنة البرج الأيمن.. يضحك جذلاً والسلطان أيضا يضحك .. نفس ضحكات الصبا عندما كانا يلعبان في بلدهما البعيد .. قفز إلى مئذنة البرج الأيسر .. سقط في نصف المسافة .. تعلقت رأسه في أعلى الباب .. سقط جسمه محدثا دبة عالية ..عاد من تهويم الصطل ليرى موكب والي الشرطة ومشاعلي يحمل رأساً على رمح وقارع الطبل والمنادي يتلو مما كتب له في ورقة بآلية، ولكن بصوت عال يتناغم مع قرع الطبل. يا أهل مصر . . الحاضر يعلم الغائب هذه رأس " يشبك " أتابك العسكر الهارب خرج على جناب السلطان ونكث العهد والأيمان فاستحق القتل وهو جزاء لمن خان يا أهل مصر بفضل مولانا أنتم في نعمة وسلام وعلى العوام ترك الخوض في أمور الحكام والي الشرطة يرقب المشاعلي وهو يعلق الرأس .. سلحت حدأة على وجهه .. سب ولعن وهوى بسوطه على واحد من الحرافيش الذي تجمعوا للفرجة .. عوى الرجل ككلب وطأ جمراً. الدرويش الشامي ارتسمت على وجهه كل حيرة البشر. لحظ أبورجيلة تغير سحنته سأله باهتمام صادق " سلامتك يا بركة خير ؟ "أخذت الدرويش نوبة من الضحك حتى أنه استغرق وقتا كي يجيب " أنهم يعلقون رأسي " ضحك أبورجيلة حتى سقط على الأرض، وأجابه بصعوبة " سلامة رأسك وتعيش .. اسم الله عليك .. هذه تخاريف حشيش " اعتدل الدرويش ونظر إلى أبو رجيلة بجد واحتقار " أنا يشبك .. عاجله أبو رجيلة بالرد وقد تعالت قهقهته " وأنا الزناتي خليفة " اختلطت القهقهات بنداءات الباعة وصدى قرع الطبول وصوت المنادي الذي اختفى في الدروب والأزقة المحيطة بباب زويلة. [1] قائد الجيش في العصر المملوكى. [2] مربى من زهر الحشيش وعسل النحل وأعشاب ذات روائح عطرية كان لها تأثير مخدر وتجعل من يتعاطاها يشعر بالانبساط لذا سميت " بسط ".