هل يعقل أن يكون فى البرلمان نائب يطالب بضرب المتظاهرين بالرصاص؟.. وهل يعقل أن يمر ذلك دون حساب؟.. سألت منذ أسابيع: هل مصر على موعد مع حدث كبير فى عام الانتخابات التشريعية، والانتخابات الرئاسية؟.. كنت أتصور أننا نتجه إلى مزيد من الحريات، وأن ما تشهده مصر من حراك سياسى قد يؤدى بالضرورة إلى إلغاء الطوارئ، وتعديل الدستور، واكتشفت أن شيئاً ينتظر مصر فعلاً.. وهو ضرب المتظاهرين بالرصاص، تحت شعار الضرب فى المليان هو الحل! لم أصدق عينى ولم أصدق أذنى.. حاولت أن أتأكد أولاً، فربما تكون زلة لسان، وربما يكون هناك خطأ، وربما يكون المحرر البرلمانى مغرضاً، ويتم تكذيبه فى اليوم التالى.. قرأت صحف الحكومة وعرفت أن الخبر صحيح، وأن هناك نواباً تحت القبة يرون فى المظاهرات خطراً، وأن المتظاهرين هدفهم قلب نظام الحكم، وأن مصر لا يضرها أن تتخلص من شلة عيال فاسدة.. بناقص، فقد أصبحنا ثمانين مليوناً.. هكذا كان نشأت القصاص يتحدث غاضباً! وبالطبع، فلا هى المرة الأولى التى يقول فيها القصاص كلاماً طائشاً، ولا أظنها المرة الأخيرة، فالنائب القصاص سوابق، وسوابقه البرلمانية لا تحصى.. وكم من مرة يشتم نواباً معارضين، نفاقاً للسلطة والنظام، ولا يرده أحد.. وفى هذه المرة يطلب الضرب فى المليان، ويهدد بأن يتقدم لوزير الداخلية باستجواب، لأنه تعامل باللين والهوادة والحنية مع شباب المتظاهرين- يا حبيبى- مع أنه لم يضبط، أبداً، وهو يتقدم بسؤال أو طلب إحاطة، أو يمارس دوراً برلمانياً! تصوروا.. يريد النائب أن يحاكم وزير الداخلية بتهمة التقصير فى التعامل مع المتظاهرين، لأنه لم يأمر بإطلاق الرصاص عليهم.. وبناقص شوية عيال.. ولا يعرف هذا النائب، ولا يعرف غيره أنه يلعب بالنار، ولا يعرف أنه يريدها أن تكون حمامات دم، ولا يعرف سيادة النائب أنه يطلق الرصاص على مصر قبل غيرها، وأنه يضرب الاستثمار، ولقمة العيش، وفرصة العمل.. أى عقلية هذا النائب، وأى معنى لهذا غير أنه يقدم السبت، فداء لشىء لا نعرفه! لا يعرف حضرة النائب أن افتكاسة سيادته قد تحول مصر إلى ساحة لحرب الشوارع، وبدلاً من أن تكون مصر على موعد مع إلغاء الطوارئ، وتعديل الدستور، فقد تكون على موعد مع الجحيم.. وساعتها لا ينفع إقالة حكومة نظيف ولا ألف حكومة فاشلة مثلها.. الأغرب أن يقول القصاص ذلك تحت قبة البرلمان، والأغرب منه أنه لا يعتذر.. ببساطة لأنها وصلة نفاق، وببساطة أكثر لأنه ليس مشغولاً بمن ينتخبونه.. أهم من كل هذا عنده من يزوّرون له الانتخابات! فمن الذين يحرقون الوطن الآن.. المتظاهرون العزل أم الذين يريدون إطلاق الرصاص عليهم؟.. ومن يقول للقصاص وحميدة وراضى: إن التظاهر حق، ومن يقول لهم: إن الدنيا تغيرت عن 77، ومن يقول لهم: اسكتوا خالص.. لأن حزبكم الحاكم، لا يجد ما يقدمه قبل انتخابات تشريعية ورئاسية، للأغلبية اللاهية.. التى تلعب فى الطين.. بينما تلعبون أنتم بالوطن.. ولا تدرون أنكم تلعبون بالنار.. قد لا تدرون فعلاً، وهذه مصيبة كبرى! قولوا لهؤلاء عيب، وقولوا لهم إن مصر لم تشهدا تأخراً كما يحدث الآن.. اقرأوا عليهم ما يقوله د. فاروق الباز، إن كانوا لا يقرأون.. قولوا لهم إن ما يحدث لا يحتاج إلى تظاهر عشرات الشباب فقط.. وقولوا لهم إن الرصاص ليس حلاً.. ولابد أن يتحرك فتحى سرور بصفته البرلمانية، ويتحرك صفوت الشريف بصفته الحزبية.. لأن الاعتذار وحده لا يكفى أبداً!!