وقف «نور» الشاب العشرينى، الذى يعمل «دليفرى» بأحد محال الوجبات السريعة، وهو يستقل دراجته البخارية، فى انتظار تحول لون الإشارة للأخضر ليسمح له بالمرور إلى الناحية الأخرى من الطريق أعلى محطة مترو أنفاق جمال عبدالناصر بمنطقة «الإسعاف» وسط القاهرة، ولكن تلك اللحظة لم تأت، فقد دوى فى المكان صوت انفجار قوى صاحبه نيران وأدخنة كثيفة، وسط أصوات وصراخ المارة، وخاصة النساء، واندفع الجميع مهرولين فى أنحاء متفرقة لا يعلمون إلى أين. أحس «نور» بشىء غريب يتحرك على وجهه، وضع يده على خده الأيمن، ليكتشف إصابته بجرح غائر، ونظر إلى كفه ليجد يده ملطخة بالدماء التى بدأت تسيل على ملابسه أيضا، ولم يكد يفيق من صدمته حتى وجد بعض الشباب يهرولون بدراجاتهم البخارية لنقل مصابى الانفجار، وأحدهم كان شابا عشرينيا آخر نظر إليه «نور» فوجد أحشاءه تخرج من بطنه. تحسس «نور» باقى جسده ليطمئن على نفسه بعد هول المشهد الذى رآه، ورغم عدم عثوره على إصابات أخرى، لكن الجرح الذى شوه وجهه جعل الرعب يتملكه حتى جاء متطوعون لنقله إلى مستشفى الهلال بشارع رمسيس. لم تكد تمر لحظات عقب الانفجار حتى انتشرت قوات الأمن التى كانت متمركزة بالقرب منه، وبعضهم كان مصابا بإصابات سطحية جراء انفجار العبوة الناسفة، بالقرب من تمركز نقطة أمنية، وكان من بينهم عميد شرطة أصيب فى يده اليسرى، وبالرغم من ذلك إلا أنه وقف فى مكانه ورفض كل المساعدات لنقله أو إسعافه، وكان يبلغ الأجهزة بما حدث بواسطة جهاز لاسلكى أمسكه بيده اليمنى بينما وضع الأخرى المصابة على ملابسه كى يوقف جزءًا من النزيف، ما طمأن المارة وشجع القوات على مواصلة عملها. 5 دقائق فقط حتى امتلأ المكان بسيارات الإسعاف التى نقلت بعض المصابين إلى مستشفى الإسعاف، والباقين إلى مستشفى الهلال، وخلال 15 دقيقة تم إخلاء المكان من جميع المصابين، وبقيت الدماء متناثرة على الأرضيات والحوائط. مع رحيل آخر سيارة إسعاف، واختفاء صوتها من المكان، دوت أصوات سيارات الحماية المدنية، ووصلت تعزيزات كثيفة من قوات الأمن، وفى هذه اللحظة وافق عميد الشرطة، الذى كانت الدماء تنزف من يده على ركوب دراجة بخارية خلف أحد الشباب لينطلقا صوب مستشفى الهلال. أجرت قوات الأمن تحويلا مروريا من شارع رمسيس إلى شارع الجلاء، وفرضت كردونا أمنيا حول مكان الانفجار الذى وقع أمام محل بيع للعطور بجوار سلم محطة مترو أنفاق جمال عبدالناصر. تجمع بعض المارة على جانبى الرصيف، وحاول عدد منهم التقاط صور لما يحدث بواسطة هواتفهم المحمولة، فتدخلت قوات الشرطة لإبعادهم فى ظل عدم اكتمال عمليات البحث عن عبوات ناسفة أخرى بواسطة خبراء المفرقعات والكلاب البوليسية. فى الدقائق الأولى من الانفجار كان بعض رواد مترو الأنفاق الذين سمعوا صوت الانفجار لايزالون على الأرصفة.. كسى الرعب ملامح وجوههم، بينما انشغلت ألسنة الكثير منهم بشكر الله وحمده، خاصة من هرول منهم إلى المترو لحظة الانفجار. داخل مستشفى الهلال القريب من مكان الحادث، تجمع عدد من ذوى المرضى، أمام باب الطوارئ، بينما أخبرهم الأمن الإدارى بوجود تعليمات تمنع السماح لأى شخص بدخول المستشفى، ولكن مع تزاحم الأهالى سمح أفراد الأمن بدخول بعضهم للاطمئنان على ذويهم. فى غرفة الاستقبال، جلس رجل ستينى على كرسى متحرك، وقد خلع جزءا من ملابسه الخارجية، ووضح تلطخ ملابسه الداخلية البيضاء بالدماء، وإلى جواره جلس شاب مصاب بجروح فى اليد والوجه، وهما فى حالة إعياء شديدة فيما انتشر مسؤولو وزارتى الصحة والداخلية بالمستشفى للتعرف على حالة المصابين، ورفع تقارير عنها. فى تلك الأثناء لم تسكت الطفلة زينة، التى لم تكمل عامها الأول عن الصراخ والبكاء، بعد أن أصيبت والدتها فى الحادث، بينما وقف طبيب شاب يصرخ وهو شبه منهار ويعطى تعليمات بتجهيز غرفة العمليات فور رؤيته سيدة شابة على نقالة، غطت جسدها الدماء، وزاد من صعوبة حالتها أنها «حامل»، وتبين أنها تدعى إيمان محمد إسماعيل، 25 سنة. فى الجهة المقابلة من الممر الفاصل بين غرفتى العمليات والاستقبال، استلقى شاب على سرير متنقل، وقد مزق الأطباء ملابسه ليصلوا إلى مكان الجرح، ومن خلفه كان أفراد أسرته يصرخون ويبكون، ويصبون لعناتهم على الإخوان ومرسى، ويتوعدون بالانتقام، فقد كانت حالة الشاب خطيرة، بعد أن أصيب بجرح قطعى بالبطن، أدى لخروج أحشائه. كان هناك تضارب فى أعداد المصابين، بذل رجال الإسعاف والمسؤولون عن الاستقبال فى المستشفى جهودا كبيرة لتدوين عدد الحالات، التى وصلت إلى حوالى 14 حالة، تعافى بعضهم ورحل من المستشفى، بينما دخلت 4 حالات منهم إلى غرفة العمليات، ووضع الباقون تحت الملاحظة، واضطر الأمن الإدارى بالمستشفى إلى إخراج أهالى المصابين خارج قسم الطوارئ لأنهم لم يتوقفوا عن الصراخ حزنا على حال ذويهم. اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة