في بدايات القرن العشرين، كان الطفل بلا إرادة، كما يحكي الشيخ محمد متولي الشعرواي، الذي تحدث عن أيام التحاقه بالأزهر الشريف، وكيف أنه لجأ إلى «المكر» كي يبتعد عن تلك «السكة». «الشعرواي» تحدث لمجلة «الهلال»، عام 1981، فقال إن «أطفال الريف، كما يعلم أبناء القرى، يجدون أنفسهم بين طريقين أحلاهما مر، كما يقولون، التعليم في المدرسة الابتدائية، هربًا من (الغرامة)، التي كان يدفعها ولي الأمر». ويضيف: «كان حفظ القرآن الكريم على يد سيدنا الشيخ في كتاب القرية عذابًا وليس بعده عذاب، وعادة ما يكون أحد الطريقين أو كلاهما رغبة الأهل لا إرادة الطفل نفسه». و«الشعراوي» مولود في قرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، عام 1911، وكان الولد البكر لأبيه، الذي وهبه للعلم والدراسة في الأزهر الشريف. ويحكي «الشعراوي»: «كنت أريد أن أكون فلاحًا، فلقد تعلقت بالحقل والعمل في الحقل، واستهوتني الزراعة ولم يستهوني وقتئذ الأزهر». ويشير إلى أن والده جاء له ذات يوم، قائلًا له إنه قدم أوراقه بمعهد الزقازيق الديني، طالبًا منه الاستعداد للكشف الطبي. ومضى قائلًا: «راعني الأمر فأنا أريد الزراعة لأنني متعلق بها، وهو يريدني أن أكون طالب علم فماذا أفعل؟». لم يقف «الشعراوي» أمام تساؤله كثيرًا، بل قرر كما يحكي ل«الهلال»: «مكرت وفعلت ما يفعله الأطفال في مثل هذه الظروف، وضعت التراب في عيني لكي تتورم ويطردوني، وحاولت أن أضع فيهما شطة من التي في الحقل ولكنني تراجعت، ولم تفلح المسألة، وعندما ذهبت إلى اللجنة اكتشفت أنهم يقبلون المكفوفين، وهكذا ضاعت أول فرصة للهروب من النجاح، الذي لمسته فيما بعد». واكتشف الممتحن أن «الشعراوي» حافظ للقرآن رغم أنه تناسى بعض آياته وقت القراءة، موضحًا: «لم أقرأ القرآن كما يجب، والعجيب هو اكتشاف الممتحن اللعبة، فلاحظ سلامة النطق عندي لمخارج الألفاظ والحروف، وهو ما يفعله كل حافظ لكلام الله.. واستدعى والدي وكان خارج اللجنة ينتظرني ليعود بي إلى القرية، فسأله: (الولد ابنك غير حافظ للقرآن)، فقال والدي في ذهول: (كيف؟)». ويختم «الشعراوي»: «نظر إليّ والدي نظرة كافية لأن تسحق أي رغبة أخرى غير أن أتلو القرآن، وفعلًا أسمعت الممتحن ما طلبه مني، فضحك وقال: (لقد عرفت من البداية، وحتى ولو لم تكن حافظًا لأنجحتك في الامتحان».
