تسببت الأمطار الغزيرة والسيول التى سقطت، الأحد الماضى، فى نزوح جماعى وتهجير لمئات الأسر من أهالى 15 عزبة بقريتى العتمانية والعقال البحرى بمركز البدارى، الذى يبعد حوالى 42 كم جنوب شرق مدينة أسيوط، ونتج عنها غرق نحو 35 ألف فدان من زراعات القمح والموالح، وتشريد مئات الأسر، بسبب انهيار منازلهم، واقتحام المياه منازل أخرى، بعد أن دمرت السيول السدود التى قامت بعملها القوات المسلحة بمزرعة وادى الشيح التابعة لها، ودمرت القرى. وافترش الأهالى الطرق السريعة، بعد أن تركوا منازلهم، هرباً من المياه التى أغرقتها، ودمرت محتوياتها وأثاثها حتى أحواش المواشى، ما اضطرهم إلى ترك المنازل، والفرار إلى الطرق السريعة، ليحتموا من فيضانات السيول التى جرفت كل ما يقابلها، وهدمت وشطرت الطرق الفرعية التى تربط القرى ببعضها البعض، وتحولت القرى المغمورة بمياه السيول والأمتار إلى جزر منعزلة عن القرى المجاورة، بسبب قربها من الجبل الشرقى الذى تبعد عنه بحوالى 500 متر. «المصرى اليوم» انتقلت إلى جولة ميدانية إلى قرى عزبة سالم ووادى الشيح والحاج أحمد وعزب خليفة وعبدالقادر والزهيرى وكولة عمر، التى يزيد عدد سكانها على 70 ألف نسمة، وهى أكثر القرى التى تعرضت منازلها إلى غمر كامل بمياه الأمتار والسيول، وهجرها أصحابها إلى الطرق السريعة، وباتوا ليومين لم يجدوا إلا إعانات من أهالى القرى المجاورة، خاصة بعد انقطاع التيار الكهربائى فى أكثر من قرية، والذى كان كاملاً فى اليوم الأول، ثم أصبح متقطعاً فى اليوم الثانى. وفى عزبة عبدالقادر ترتفع المياه فى بعض المنازل إلى 1 متر، وأكثر الأهالى عادوا فى صبيحة اليوم التالى، ليحاولوا أن يلملموا بعض ما تبقى من الطعام والشراب، وعيونهم تبحث عن أطفالهم الذين فروا إلى قرى مجاورة، حتى الحيوانات والطيور لم تنج من هذه الفاجعة. الرجال والشباب يغوصون فى شوارع القرية وكأنهم يسبحون فى برك من المياه، حاملين فى أيديهم ما تبقى من ملابسهم وطعامهم وصرخاتهم المبحوحة تناشد المسؤولين إنقاذهم، وتعويضهم عن الخسائر الفادحة التى تعرضوا لها. الطرق الفرعية التى تربط بين القرى بعضها مهدم تماماً، تارة بسبب القوة التى أحدثتها السيول، وتارة أخرى عندما قام المسؤولون بوحدة الإنقاذ بالمحافظة بتحطيم تلك الطرق والسدود، لكى يتم تصريف المياه إلى الترع والمصارف المجاورة، فى محاولة للتخفيف عن المنازل المغمورة بالمياه. الحياة متوقفة تماماً فى هذه القرى والمدارس والوحدات الصحية حتى أكشاك البقالة والمخابز خارج الخدمة. وقام محافظ أسيوط اللواء إبراهيم حماد، وعلى مدار اليومين، هو وفريق من الجهاز التنفيذى والقيادات الأمنية بتشكيل لجان تفقدوا فيها بعض القرى المنكوبة، وقرى أخرى لم يتمكنوا من الوصول إليها، حيث إن الطرق إليها مهدمة، وهجرها أصحابها. وأمر المحافظ بتشكيل لجان لحصر التلفيات بالقرى المنكوبة، وتقديم إعانات لأصحابها، وترميم المنازل المتضررة. الفجيعة الأكبر التى تحدث عنها الأهالى هى غرق مئات الأفدنة بمياه محملة بالرمال والتى تهدد ببوار وتصحر تلك الأراضى فى حالة ركود المياه بها، والتى يعيش ويتعايش عليها آلاف الأسر، فضلاً عن المشاكل الصحية الكبيرة التى تتعرض إليها هذه القرى فى الأيام المقبلة، بسبب صعوبة الوصول إلى المنازل المغمورة بالمياه، ما يساعد فى انتشار الأمراض والأوبئة، خاصة بعد نفوق بعض الحيوانات والطيور. فى البداية، يقول جميل صديق، أحد المتضررين، إنه صباح يوم الأحد بدأت الأمطار الغزيرة فى التساقط على القرية، وزادت الأمطار فى الفترة المسائية، وتسببت فى انهيار السدود بمزرعة وادى الشيح شرق القرية، والذى تسبب فى مهاجمة السيول المنازل، وانهار منزلى، ودُمِّر كل شىء، ولم يبق لى أى شىء. وانتقد صديق «عدم تحذير المحافظة لهم بأن هناك سيولا قادمة أو متوقعة، وجاء اللواء إبراهيم حماد، محافظ أسيوط، فى منتصف الليل، وجلس على الكوبرى غرب القرية، وقامت اللوادر التابعة للمحافظة بقطع الطرق لمرور المياه وتصريفها فى ترعة الفاروقى وأخرى تصرف فى نهر النيل، ولم يتم حتى النظر إلينا نحن كمتضررين». وتقول سماح أحمد، إحدى أهالى عزبة سالم المتضررين: «كنا نجلس داخل المنزل، وفوجئنا بصرخات الأهالى من حولنا، وعند خروجنا إلى الشارع لنشاهد ما يحدث، اقتحمت علينا المياه المنزل، وأغرقته بالكامل، حتى إننا خرجنا بصعوبة شديدة، هاربين من الغرق، خوفاً على أرواحنا وأرواح أطفالنا». وأضاف أحمد علام، أحد الأهالى بعزبة كولة عمر المتضررين من السيول: إن المياه اقتحمت عليه المنزل، وإن العاملين بمجلس المدينة حضروا فور وقوع السيل، ولكن إمكانياتهم ضعيفة «لم تتمكن من إنقاذنا». وقال عاطف أحمد مهران، أحد المتضررين: «أنا وأبنائى محبوسون فى المنزل، بعد أن حاصرتنا المياه من كل جانب، وامتلأ الدور الأرضى بالمياه، ونحن نجلس حاليا فى الدور العلوى، وقمت بوضع سلم خشب من الخارج على الدور العلوى، لكى أخرج من المنزل». وانتقد مهران تأخر المسؤولين فى مواجهة الأزمة، مشيرا إلى أنه لا يوجد خبز بالقرية بسبب توقف المخابز. وقال ناجح سعد إبراهيم، نائب رئيس مركز ومدينة البدارى، إن السدود التى قامت بعملها القوات المسلحة بمنطقة وادى الشيح كانت تحتجز السيول، وعندما ارتفع معدل المياه خلفها تسبب فى انهيارها، واقتحمت المياه قرى العتمانية والعقال البحرى وتوابعها والتى تشمل 15 عزبة، فقمنا بقطع الطرق، حتى لا تتراكم المياه فى المنازل، ولكن كانت المياه أكبر من طاقتنا فى مجلس المدينة، وأمدتنا المحافظة بمعدات الإنقاذ السريع. وقال عبدالفتاح أبوشامة، وكيل مديرية التربية والتعليم بأسيوط، إن السيول تسببت فى تعطل الدراسة ب99 مدرسة بمركز البدارى. من جهته، أكد اللواء إبراهيم حماد، محافظ أسيوط، أنه سيتم صرف تعويضات مناسبة للأهالى المضارين جراء السيول التى سقطت على منازلهم وأراضيهم بقرى العتمانية والنواورة وعزبة قاسم ووادى الشيح التابعة لمركز البدارى بالمحافظة. وكان محافظ أسيوط قد انتقل، مساء يوم الأحد الماضى، وعدد من القيادات التنفيذية إلى قرى البدارى التى أصيبت بأضرار بسبب سوء الأحوال الجوية، وسقوط السيول للاطمئنان على الأهالى، وقرر تشكيل لجنة من المعنيين لحصر الخسائر والأضرار التى لحقت بالمنازل والأراضى الزراعية، ودراسة قيمة التعويضات التى سيتم صرفها للأهالى.