أنا مواطن عادى أعشق تراب هذا الوطن, أحن للاستقرار الذى ضن علىّ بوجوده, وأكره العنف ومشاهد القتل والتخريب والإرهاب, أذوب عشقا فى ترانيم صلاة جماعية تتخللها دموع الورع والإيمان وحديث الإمام عن صحيح الإسلام وعظمته ودعائه بزوال الكرب والغمة عن البلاد. أنا إنسان أرهقنى جنون المشهد وعبثية الأحداث, وتبدل الحال من طيبة الوجوه وسماحتها إلى قسوة القلوب وشراسة السلوك, يزعجنى انعدام اليقين ويفقدنى التوازن حالة التخوين والتشكيك فى كل شىء, يحيرنى تضارب التصريحات وتقاطع المصالح وسن السكاكين لبعضنا البعض لمجرد الاختلاف, فغابت شمس الحقيقة وانهار جدار الثقة, رغم أننا فى مرحلة تستوجب أن نجتمع على قلب رجل واحد لعبور الأزمة الكارثية والأخطار التى تحدق بنا, يحبطنى كذب المسؤولين فى تقرير مصائرنا وحياتنا وأبسط حقوقنا الإنسانية فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية, التى خرجت من أجلها وضحيت بأمنى وأمانى فى سبيل تحقيقها. أنا ضمير قتلتنى ألاعيب السياسة والسياسيين حتى قبل أن أتجرع سمومها, أنا مناضل داست علىّ تناقضات الطامحين وزايدت على شرفى بالخداع على حساب الوطن. أنا محارب داهمتنى العلل ومرت على جسدى الأمراض الغريبة فخارت قواى, وكنت نهبًا للطامعين, لكننى لم أكن المقاتل فى حروب خاسرة لأنها ببساطة تقايض على الوطن. أنا صرخة ألم فى عالم افتراضى لا يستجيب إلا لمن حالفهم الحظ بترك بصماتهم عليه زيفًا كانت أو تدليسًا أو تضليلًا. أنا المصرى الذى أفاق من غيبوبته على عويل الثكالى وأنين الضحايا ودوى التفجيرات وطلقات البنادق ودخان القنابل, فتكومت على ذاتى وافترشت أحزانى وأطلقت العنان لشيطان خيالى, فوجدتنى متلبسًا بكراهية الآخر والحقد يحاصرنى يعمينى عن رؤية الحقيقة, ويضغط ليشوه ما تبقى لى من أحلام مشروعة مازالت تحتفظ بنقائها وصدق إحساسها فى ركن بعيد لم يمسسه أحد بعد, لكنى أخشى عليها من الضياع, هى أيضا تحتضر تحت وطأة الحروب الصغيرة وتشتيت الأهداف وعزوف المخلصين وهروب القضية وانفراط العقد. أنا كل هؤلاء, يوم بحثت عن معنى فى قاموس الحياة التى أعيشها وقدرى الذى يلازمنى ويحتم علىّ مجاراتها والتعاطى معها والانصهار فى بوتقتها, تذوب الروح فى تناقضاتها ويستغرقها التأمل فى البحث عن جدواها, فى التفاصيل المرهقة والندوب الكثيرة التى خلفتها بين ثنايا أعماقى محبًا كنت أم مكرهًا, لم يعد ذلك يشكل فرقًا كبيرًا فكل تضاريس الخريطة تماهت فى حروف الوطن, المعنى الأكبر الذى لايزال يشدنى إلى حقيقة أننى حى ومازلت أتنفس عبير الأرض فأزداد صلابة, فمن يستطيع اقتلاعى من جذورها وينفى عنى تهمة الانتماء ويغرقنى فى مستنقع الكراهية والخلافات.. لا أحد ولن يستطيع.