كل عام والمصريون والعرب والمسلمون والعالم بخير، أما أنا والعيد فعذرًا ستبقى التهاني بيننا مؤجلة حتى يزيح الله الغمة عن بلدي، وتنتهي إلى الأبد مشاهد الدماء والقتل، ويتوقف سقوط الضحايا من أبناء بلدي مصر دون ذنب أو جريرة. كيف يا عيد تنتظر مني أن أفرح بقدومك وأنا أخشى كل دقيقة أن يسقط عشرات القتلى المصريين بأيدٍ مصرية لأول مرة في التاريخ؟ .. كيف يا عيد تتوقع مني أن أسعد بأيامك ومصر بلدي يواجه خطر الانزلاق إلى حمامات دم سنعرف بدايتها لكننا أبداً لن نعلم متى ستنتهي ولا كم عدد ضحاياها.. ولا ما ستخلف لنا من الثكالى والأرامل واليتامى والمعاقين؟ .. كيف يا عيد تريدني أن أستمتع بصوت «الست» ثومة وهي تصدح بأغنيتها التي صارت علامة من علامات قدومك «الليلة عيد.. ع الدنيا سعيد»، بينما دموع اليتامى لم تجف على آبائهم الذين ماتوا دون مبرر، وأحزان الأمهات ما زالت تفطر القلوب على أبنائهن الذين دفعوا حياتهم ثمناً لمعتقداتهم وتركوا أهلهم حيارى.. هل سيكتبون عند الله شهداء قتلتهم الفئة الباغية.. أم هم أنفسهم «الفئة الباغية»؟! .. كيف يا عيد تعتقد أنني قد فرحت بحضورك وأنا أرى إخوتي وأهلي وأبناء بلدي يتشذرون تشذرًا، وينشطرون انشطارًا، وينقسمون انقسامًا، ويتقاتلون اقتتالاً.. وكل منهم يعتقد أنه مع الفرقة الناجية، ومستعد لقتل «أخيه وابن عمه وجاره» في سبيل ما يعتقد أنه الحق، وكلٌ يعتقد أنه على حق!! .. كيف يا عيد تنتظر أن أفرح بمجيئك وشوارع بلدي الذي أعشق ترابه مستباحة للبلطجية والمجرمين، ونساء مصر لا يأمنّ على أنفسهن إذا خرجن من بيوتهن، ورجالها يخشون أن يتركوا أطفالهم وبناتهم وزوجاتهم طرفة عين، وشبابها يخافون في أي لحظة «طلقة» طائشة تصيبهم، أو مطواة في يد مجرم تطول أجسادهم، أو مظاهرة تندلع فجأة ويكونون من ضمن ضحاياها؟ .. كيف يا عيد تظن أن الاحتفال بك سيكون ممكنًا وأنا أسمع وراء كل عبارة معايدة جملة إشفاق، أو عبارة إحسان، أو دعاء بأن يعود بلدي كما كان قبلة للحرية والأحرار، يحتضن كل مناضل تضن عليه بلاده بالأمان، فيجد في مصر الملاذ؟ وعذراً أيها العيد الذي كنت سعيداً.. فلا فرح سيسكن القلب والمصريون حزانى.. ولا سعادة ستقر في الفؤاد وأهل المحروسة يعيشون مأساة الانقسام، ولا احتفال سيعبر الشفاه طالما أهلي وإخوتي وأحبائي يتجرعون مرارة العداء والانقسام. وسأكتفي اليوم بالدعاء بأن يرحم الله شهداءنا الأبرار، ويلهم أهليهم ومحبيهم كل السلوان والصبر، وأن يسبغ شفاءه ورحمته على الجرحى، ويشمل بستره وعفوه الأرامل والثكالى واليتامى والمنكوبين، وأن يرفع مقته وغضبه عن مصر وأهل مصر، وأن يخسف بالخونة الضالين الأرض، وينير بصيرة من أضلوهم ويعيدهم إلى جادة الحق والصواب. ويعيد مصر.. واحدة متماسكة يغيظ بها الكفار.. شامخة باسقة.. صلدة.. صامدة في وجه أعداء الوطن وأعداء الله. اللهم انصر الحق وأرنا إياه وارزقنا اتّباعه. واحفظ مصر وشعبها من كل سوء. حسام فتحي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter@hossamfathy66