الثورة تعنى تغيير المجتمع، تغييرا جذريا وكليا، تغييرا فى علاقات الإنتاج، أى نمط الاقتصاد والملكية، مما يرتب تغييرا فى تراتبية طبقات المجتمع، بمعنى أنه إذا كانت القلة تستأثر بثروة البلد فالثورة تعنى إعادة توزيع الثروة بما يساعد على صعود الطبقات الأكثر انتشارا فى المجتمع، مثل العمال والفلاحين وكل الشرائح المهمشة، إلى سطح المجتمع بدلا من قعره، كما أن الثورة تعنى تغييرا فى ثقافة المجتمع، وكذلك تغييرا فى القوانين الحاكمة لعلاقات السلطة بالشعب وعلاقة المواطنين بالمواطنين، وتغييرا فى السياسات الخارجية حيث وجب تعديل جذرى فى الدور المصرى مما يرتب سياسة خارجية تكون معبرة عن السياسة الداخلية التى تغيرت، كما تناولناه فى السطور السابقة. باختصار الثورة هى علم تغيير المجتمع وما يحدث على أرض مصر الآن وبعد ثورة كبرى بتوابعها، لا يستطيع أحد أن يمتلك اليقين بأنها ثورة، ولا أنها أحدثت التغيير المنشود، ولا برزت لها قيادة تعبر عن أحلامها، ولا قادها وحركها ووجهها تنظيم، ولا امتلكت رؤية للتغيير، ولا امتلكت سلطة الحكم، بل إن الحكم يسيطر عليه فى كل مرة منذ 25 يناير 2011 إلى الآن نخب معادية للثورة وغير معبرة عنها، بل هى معبرة أكثر عن نظام مبارك المخلوع الذى ثارت الجماهير ضده. فمازال حلف المصالح المكون من رجال الأعمال ودولاب الدولة القديمة ورجال القضاء ورجال الجيش والشرطة ورجال الحزب الوطنى المنحل بحكم قضائى، هم الممسكون بأمور بلدنا قبل الثورة وبعدها. لذلك كان طبيعيا ألا يتم إصدار أحكام على الذين قتلوا الثوار، ولا يتم استرداد أراضى مصر التى وزعت بآلاف الأفدنة على كبار رجال الأعمال وبأبخس الأثمان، ولا يتم إصلاح جهاز الشرطة القمعى والفاسد، ولا تتم إعادة التفكير فى شأن اتفاقية كامب ديفيد التى قيدت مصر وكشفت أمنها، ولا تتم مواجهات جادة وشاملة مع الإرهاب، بمعنى مواجهة السياسة والفكر والثقافة والتعليم ومواجهة الفقر، بالإضافة طبعا إلى الأمن. وكان طبيعيا أن تكون هناك فى الدستور الجديد امتيازات حامية لوزير الدفاع، وأن تكون هناك محاكمات عسكرية لمدنيين، وأن يصدر قانون منع التظاهر- آسف التظاهر- وأن يدخل ثوار السجون وأن يقع الجميع فى مستنقع استبدال الخصوم والأعداء، فلا فرق بين الجماعات الإسلامية الإرهابية وجماعات نهب مصر والاستبداد بها، وأن يظل الاقتصاد المصرى فى طريق التراكم الثورى فى جيوب بعض الأفراد الحاكمين والمتحكمين فى شؤون المجتمع والدولة، فهم لا يصنعون تنمية وإنما نموا فى دخل أقلية تستأثر بالثروة والسلطة معا، وتحافظ على رمزها بل وصل الأمر إلى الإفراج عن رمز الفساد والتبعية الكبير، رئيسهم الذى خرب الوطن ونهبه لمدة تقرب من الثلاثين عاما، ومازالت مصر بعد ثلاث سنوات من عمر انتفاضتها فى 25 يناير و30 يونيو تعيش فى مستنقع التبعية للسياسة الأمريكية والغربية، تبعية كامب ديفيد، تبعية القروض، تبعية التوجه الاقتصادى النيوليبرالى، هل بعد ذلك كله نستطيع أن نطلق تعبير ثورة على ما يحدث فى مصر؟ هل يستطيع أحد أن يشير لى إلى تغيرات كبرى وقعت بفضل تلك الثورة تجعلنا نضع أقدامنا على مسارات وقضبان توصلنا إلى تحقيق الحرية والعدالة والكرامة والتنمية الشاملة؟ وحتى لانقع فى دائرة التشاؤم واليأس، فنحن قوى الثورة أمامنا طريق وحيد هو النضال من أجل الفوز فى معركة الرئيس والبرلمان لصالح الثورة، أى أن ننتصر لمناضلين من الثورة لهم تاريخ ومواقف ورؤى فى البرلمان وفى الرئاسة، وألا ننخدع بمعسول الكلام حيث إن العبرة بالرؤية والموقف من كامب ديفيد وطريق التنمية والتوزيع العادل لثروة البلاد على المواطنين وامتلاك مشروع لتطوير وتقدم الوطن واستعادة الدور المصرى ذات النفوذ الكبير، والأهم من ذلك كله المصداقية والتاريخ، فليس هناك من سبيل سوى الانحياز للثورة ورجالاتها، وعلينا اليقظة الحادة لأننا محاصرون بالقوى المضادة للثورة.