نادى الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بإطلاق مشروع «بيت العائلة المصرية»، وذلك بعد أن عرضه على قداسة البابا شنودة الثالث خلال تأديته واجب العزاء فى ضحايا الحادث الإجرامى الذى شهدته كنيسة القديسين بالإسكندرية، وقد رحب قداسته بالفكرة والهدف. بيت العائلة يدعو لحتمية تعانق الهلال مع الصليب على أسس متينة وقوية، يضم فى عضويته رجال الدين الإسلامى والمسيحى وكبار المثقفين والعقلاء من الجانبين.. ليكون صوتا واحدا للأزهر ولكنائس مصر. ويُناقش فيه كل ما يتعلق بالمسلمين والمسيحيين، ويُبحث بداخله عن أسباب التوتر الحقيقية دون مواربة، ليصل إلى اقتراحات مناسبة لحلول تزيل الاحتقان وأسباب التوتر والفتنة، وتمنع فرص وجودها فى المستقبل. لقد جاءت تلك البشرى الطيبة لتصب الماء على نار الفتنة الحارقة التى تهدد بحرق قلب الوطن. ونتمنى أن تستطيع نزع فتيل الاحتقان، ليحيا المصريون جميعا بقلب واحد. وعلينا أن نتذكر جيدا أن بذور الفتنة فى هذا الوطن على مر التاريخ تخبو وتذبل فى عصور التنوير، وتموت عندما يلتف المصريون حول هدف كبير أو أمل عظيم.. وتزدهر الفتنة - لعنها الله - فى عصور الانكسار والضعف وضياع الأمانى عندما تنسد السبل لتحقيق تلك الأحلام. ولقد أعاد المصريون اكتشاف حقيقة الهدف من هذا الحادث الخسيس الذى أراد تحطيم الوطن بأكمله. وأكد المصريون فى مواجهة ذلك أن مينا ومحمد ومارى وفاطمة وشارع الحسين وشارع النبى دانيال هم المصريون دون تفرقة بين واحد وآخر بسبب اختلاف أسلوب عبادة الإله الواحد. ومن المؤكد أن مثل هذا الاتفاق بين فضيلة شيخ الأزهر وقداسة البابا، سيساعد على ترسيخ قيمة الحوار ويفتح قنواته، وسيشكل درع الأمان للمصريين، ويساهم فى دحر كل من يحاول ضرب الوحدة الوطنية. ويفتح الطريق القديم الموجود منذ الأزل، وهو طريق سماحة المصريين على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم. فمصر هى من قدمت إلى البشرية عقيدة الإيمان بالإله الواحد من قبل بعث السماء للرسل، فما أجدرها بعد بعث الرسل وتقدم العلم أن تعيد إلى العالم حقيقة الإيمان بأن الأديان هى الخير والسلام والمودة والرحمة، ولم تكن أبدا الغدر والخيانة والغل الأسود. كل الأمل فى أن يتحول بيت العائلة إلى مؤسسة منهجية قوية قادرة على صد خناجر الخيانة والخسة. وكل الحذر من ألا نعى جيدا أنه ليس لدينا فرصة للخطأ، وليس لدينا وقت للركون إلى قشور الأمور فقط. بل علينا أيضا أن نحذر من التعامل مع الوحدة الوطنية كأنها وحدة مؤقتة!! تزول بزوال المشكلة، كما نبه البابا شنودة.. ولابد لنا من الحرص على ألا يزول وهج الحرص على تلك الوحدة، لأنها هى جوهر أساسى لوجودنا معا على هذه الأرض. فلا حياة لهذا الوطن إلا بالإيمان بعناق الهلال مع الصليب.. وكما قال نجيب مصر ومحفوظها: «الأديان نزلت من أجل المحبة والتسامح، فإذا تطرقت إلى العنف والإرهاب فينبغى البحث فى الظروف الاجتماعية والسياسية التى أدت إلى ذلك، وليس هناك دين وسيلته العنف والإرهاب». وقال أيضا: «إن ظاهرة الإرهاب فى مصر لم تزعزع معرفتى بهذا البلد لأن الطبيعة التى عاش بها هذا الشعب سبعة آلاف سنة ستكون لها الغلبة فى النهاية، فهذه الظاهرة الدخيلة هى نتيجة ظروف طارئة، وستزول بزوال الظروف التى أوجدتها». المهم الآن هو العمل على زوال أسباب الاحتقان لإنقاذ هذا الوطن الذى يجب أن يكون جميلا رغم الداء والأعداء. [email protected]