التقديم مفتوح في المعاهد الصحية العسكرية 2025 للطلاب والطالبات.. تفاصيل وشروط القبول    أستاذ مناهج يُطالب بتطوير التعليم الفني: له دور كبير في إحداث التنمية (فيديو)    سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 20-7-2025 مع بداية التعاملات    العشائر السورية: انسحبنا من السويداء امتثالا لوقف إطلاق النار وأي خرق سيقابل برد قاس    في يوم واحد.. 131 شهيدًا جراء غارات الاحتلال على قطاع غزة    الدفاعات الجوية الروسية تُدمر 15 طائرة مسيرة أوكرانيا    عمرو حمزاوي: الشرق الأوسط يعيش «مغامراتية عسكرية».. والقوة لن تحقق الأمن لإسرائيل    مصدر يكشف لمصراوي التفاصيل المالية لانتقال وسام أبو علي إلى كولومبوس الأمريكي    آخر أخبار نتيجة الثانوية العامة 2025 و«التعليم» تكشف التفاصيل    متحدث التعليم: فرصة التحسين في البكالوريا اختيارية ورسومها 200 جنيه فقط    استقالة الرئيس التنفيذي لشركة أسترونومر بعد جدل فيديو حفل كولدبلاي    توقعات الأبراج حظك اليوم الأحد 20 يوليو 2025.. طاقات إيجابية وتحولات حاسمة بانتظار البعض    أحمد شاكر: اختفيت عمدا عن الدراما «مش دي مصر».. وتوجيهات الرئيس السيسي أثلجت صدر الجمهور المصري    ب9 آلاف مواطن.. مستقبل وطن يبدأ أولى مؤتمراته للشيوخ بكفر الزيات    لمواجهة الإعصار "ويفا".. الصين تصدر إنذارًا باللون الأصفر    أحمد شاكر عن فيديو تقليده لترامب: تحدٍ فني جديد وتجربة غير مألوفة (فيديو)    في حفل سيدي حنيش.. عمرو دياب يشعل المسرح ب"بابا"    موعد بداية شهر صفر 1447ه.. وأفضل الأدعية المستحبة لاستقباله    دعاء الفجر | اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك    العلاقات المصرية الإفريقية.. رؤية استراتيجية متجددة    تراجع جاذبية ودائع «المركزى» يعيد رسم توجهات السيولة بالبنوك    سعر طن الحديد والأسمنت اليوم في مصر بعد هبوط كبير تجاوز ال1300 جنيه    اليوم محاكمة 12 متهمًا في قضية «رشوة وزارة الري»    «دماغه متسوحة.. وطير عربيتين ب 50 مليون».. مجدي عبدالغني يشن هجومًا ناريًا على أحمد فتوح    «اتباع بأقل من مطالب الأهلي».. خالد الغندور يكشف مفاجأة عن صفقة وسام أبوعلي    لويس دياز يبلغ ليفربول برغبته في الانتقال إلى بايرن ميونيخ    "عنبر الموت".. شهادات مروعة ..إضراب جماعي ل 30قيادة إخوانية وسنوات من العزل والتنكيل    ماركا: بعد تجديد كورتوا.. موقف لونين من الرحيل عن ريال مدريد    نجم الزمالك السابق: عبدالله السعيد يستطيع السيطرة على غرفة الملابس    «احترم النادي وجماهير».. رسالة نارية من نجم الزمالك السابق ل فتوح    جولة تفقدية لرئيس جامعة القناة على شئون التعليم والطلاب    وزارة العمل تعلن عن 90 وظيفة براتب 8 آلاف جنيه | تفاصيل    الكونغو الديمقراطية و«إم 23» توقعان اتفاقًا لوقف إطلاق النار    مصرع 3 أطفال غرقا داخل حوض مياه بمزرعة بصحراوى البحيرة    حالة الطقس اليوم الأحد في مصر.. «الأرصاد» تحذر من الشبورة وأمطار خفيفة على هذه المناطق    "روحهم كانت في بعض".. وفاة شخص أثناء محاولته اللحاق بجنازة والدته ببني سويف    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب شمال إيران    ضبط 3 وقائع في أقل من 48 ساعة.. الداخلية تتحرك سريعًا لحماية الشارع    علاء مبارك يرد على ساويرس: عمر سليمان «كان رجل بمعنى الكلمة»    مفتي الجمهورية ينعى الأمير الوليد بن خالد بن طلال آل سعود    سوريا أكبر من الشرع!    خلال 24 ساعة.. 133 شهيدًا ضحايا العدوان الصهيوني على غزة    سعر الخوخ والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 20 يوليو 2025    حنان ماضى تعيد للجمهور الحنين لحقبة التسعينيات بحفل «صيف الأوبر» (صور و تفاصيل)    الملاك والمستأجرون وجها لوجه في انتظار قانون الإيجار القديم    هيئة الطرق والكباري ترد على شائعة توقف العمل بكوبري الميمون ببني سويف    تجنبها ضروري للوقاية من الألم.. أكثر الأطعمة ضرراً لمرضى القولون العصبي    هل يؤثر إضافة السكر الطبيعي على كوكاكولا؟ رد رسمي على تصريحات ترامب    شائعة بين المراهقين وتسبب تلف في الكلى.. أخطر أضرار مشروبات الطاقة    ب"فستان جريء".. أحدث جلسة تصوير ل جوري بكر والجمهور يغازلها    حدث بالفن | رقص هيدي كرم وزينة في الساحل وتعليق أنغام على أزمتها الصحية    محمد ربيعة: عقليتى تغيرت بعد انضمامى لمنتخب مصر.. وهذا سبب تسميتى ب"ربيعة"    قافلة بيطرية من جامعة المنوفية تفحص 4000 رأس ماشية بقرية مليج    غلق 6 مطاعم فى رأس البر بعد ضبط أطعمة منتهية الصلاحية    «قولي وداعًا للقشرة».. حلول طبيعية وطبية تمنحك فروة صحية    بلغة الإشارة.. الجامع الأزهر يوضح أسباب الهجرة النبوية    أمين الفتوى: الرضاعة تجعل الشخص أخًا لأبناء المرضعة وليس خالًا لهم    هل يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها الفقير؟.. محمد علي يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الثعلب والقنفذ «2-2»
نشر في المصري اليوم يوم 17 - 12 - 2010

فى الجزء الأول من هذا المقال طرحنا تساؤلات جوهرية عديدة تحتاج إلى إجابات. من بين هذه التساؤلات: كيف يمكن للأقلية الأكثر انغلاقاً أن تفرض نفسها على الأغلبية الأكثر تفتحاً واعتدالاً؟
ولماذا يتغلب أصحاب الفكرة الوحيدة على أصحاب الفكر المتعدد؟ ولماذا يتغلب التصعب على الاعتدال فى كثير من الأحوال؟
يبدو لى أن السبب لا يرجع إلى كثرة فى العدد هنا وقلتها هناك، وإنما الفارق يعود إلى درجة التصميم والإرادة. فالمتعصب- وهو لا يرى إلا حقيقة واحدة مطلقة- على استعداد للدفاع عنها حتى الموت، فلا شىء آخر يهم لديه، فهذه هى حقيقته الوحيدة والمطلقة.
فإذا لم يكن لديه شىء آخر يعتز به، فبالتالى فإنه يناضل حتى الموت من أجل حقيقته الوحيدة، وهو فضلاً عن ذلك يشعر بالاطمئنان ولا قلق لديه، لأنه يسعى إلى الحقيقة المطلقة. وليس الأمر كذلك مع المعتدل.
فهو لا يرى حقيقة واحدة وإنما حقائق كثيرة متعددة، وكل منها تنطوى على درجة عالية من الصواب، وإن كانت تتحمل أيضاً إمكانية الخطأ. فالمعتدل أكثر حكمة ورؤية، ولكنه بالمقابل أكثر تواضعاً، وبالتالى فهو أكثر حرصاً وتردداً، ومن ثم فإنه يبدو أقل تصميماً وإرادة على الكفاح والتضحية بالغالى والرخيص، فلديه أشياء أخرى غالية عليه أيضاً، وهكذا فالمتعصب واثق لا شك عنده،
أما المعتدل فهو متردد وقلق، ولعل ما نُسب إلى الشيخ الغزالى كان فيه محقاً، حين قال «حاججت مائة عالم فغلبتهم، وحاججنى جاهل فغلبنى»، فليس أشد صلابة من الجاهل الذى لا يأتيه الحق من أى جانب، فهو مصمط غير قابل للنفاذ، فالعالم يشقى بعلمه، فى حين أن الجاهل يسعد بجهالته، وهكذا تصبح عوامل التميز فى العلم والمعرفة واتساع الأفق وتعدد الاهتمامات ورحابة الخيال أسباباً للضعف فى قوة الإرادة وصلابة التصميم، كذلك لا يعرف المتعصب أى رحمة فى جدله أو خلافاته، ولا يرى بأساً من استخدام كل الوسائل ضد مخالفيه، لأنه وحده يتمتع بالحقيقة المطلقة،
وقد ساعدت هذه الميزة النسبية التى يتمتع بها المتعصبون- وبشكل عام أصحاب الهدف الوحيد- على تحقيق الغلبة والفوز فى كثير من المعارك السياسية تجاه الغالبية من المعتدلين. فهؤلاء الآخرون معتدلون أيضاً فى عداواتهم، ويتسع صدرهم لمعارضيهم على نحو لا يعرفه المتعصبون والمتطرفون.
ونلاحظ أن التعصب السياسى الذى يشعل الرغبة فى الاستئثار بالسلطة قد لا يرجع دائماً لفكرة أو مبدأ أو مثل أعلى، ولكنه كثيراً ما يكون حباً مجرداً فى السلطة فى ذاتها، خاصة إذا سبق أن تذوقها أو اقترب منها. فهنا نجد أننا بصدد حالة حب للسلطة فى ذاتها ولذاتها. وهو حب وحيد يطغى على كل ما سواه.
فالسلطة هنا تطلب لذاتها، وليس باعتبارها وسيلة لغاية. فللحكم جاذبية خاصة وكثيرون يقعون فى غرامها، حيث تصبح حبهم الوحيد. فالتعصب هنا لم يعد تصعباً لمبدأ أو عقيدة وإنما لشىء محدد هو السلطة فى ذاتها، وحيث لا طعم للحياة خارج السلطة. فالسلطة، هى الإله الجديد الذى يبذل من أجله الغالى والرخيص. وهنا يصبح الإصرار على الاحتفاظ أو الوصول إلى السلطة قضية حياة أو موت.
وإذا نظرنا إلى التاريخ السياسى لمختلف الجماعات فإننا نجد أمثلة عديدة كان النجاح فيها من نصيب الطرف الأكثر تعصباً، وبالتالى تصميماً وإرادة للوصول إلى الحكم، بعكس الأطراف الأخرى الأكثر اتساعاً فى الأفق ورحابة الصدر. فالمتعصب لا يتورع عن استخدام جميع الأساليب، لتحقيق هدفه الأسمى والوحيد، فى حين أن المعتدل يترفع كثيراً عن الالتجاء إلى أساليب يرى فيها مساساً بقيم أخرى لا تقل عنده أهمية.
فانظر مثلاً إلى تاريخنا الإسلامى، وما عُرف بالفتنة الكبرى فى صراع على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، ومعاوية بن أبى سفيان، فقد كان صراعاً بين الثعلب والقنفذ، وليس معنى ذلك أن معاوية لم يكن بدوره داهية، ولكنه فى هذا الصراع لم يكن لديه ما يحرص عليه سوى الوصول إلى الحكم.
أما على، كرم الله وجهه، فقد كان يرغب هو الآخر فى البقاء فى الحكم، ولكنه كان مقيداً بقيم أخلاقية أخرى. فهو ابن عم الرسول، عليه الصلاة والسلام، وزوج ابنته، وله مكانته فى الإسلام، وبالتالى فإنه كان يترفع عن الصغائر، ولا يقبل المساس بقيم سامية أخرى كان يعتقد أنها أكثر أهمية.
وعندما دارت المعركة وتبين أن الكفة بدأت تميل لصالح جيشه، فما كان من معاوية وأنصاره إلا رفع المصاحف على السيوف، فتردد «على» وأوقف القتال وتخلى عن نصر أكيد، لأنه لم يقبل أن يكون انتصاره مصاحباً للمساس بكرامة المصحف الشريف. وعندما اتفق الطرفان على التحكيم، فقد اختار معاوية ممثلاً له عمرو بن العاص، وهو داهية هو الآخر، يحب من أمور الدنيا بقدر ما يسعى للآخرة، وعقد مع معاوية صفقة لاستمراره فى ولاية مصر.
أما «على» فقد اختار أحد الرجال المحترمين «أبوموسى الأشعرى»، ولم يكن له حب خاص ل«على»، وإن كان رجل عدل وإنصاف، ولذلك لم يكن غريباً أن يقع أبوموسى فى شراك مكيدة بن العاص. وتوالت الأحداث وقتل على، ونجح معاوية لأنه كان أكثر تصميماً على الوصول للخلافة، ولم يدخر وسعاً فى استخدام جميع الأساليب من ترغيب أو ترهيب.
ومع معاوية انتهت الخلافة- كما بدأت بعد وفاة الرسول- وتحولت إلى ملك، رغم احتفاظها شكلياً بأخذ البيعة لولى العهد فى حضرة الخليفة ومن ورائه حرسه وسيّافه، فالخلافة استمرت شكلاً بالبيعة، وإن تحولت فى الحقيقة إلى ملك، كملك فارس والروم، حيث يورث الحكم بالبيعة الشكلية أو التوريث الشرعى، وهكذا استمر القنفذ وأحفاده من الأمويين فى حكم الدولة الإسلامية لما يقرب من قرن من الزمان، وبعدها قفز إلى سدة الحكم قنافذ آخرون، باسم «أهل البيت»، لما يقرب من أربعة قرون لاحقة، وضاع فى النسيان مبدأ الشورى الذى دعا إليه الإسلام.. «وأمرهم شورى بينهم» صدق الله العظيم.
وفى التاريخ الحديث هناك أمثلة متعددة لصراعات على السلطة كان الفوز فيها للقنفذ بتصميمه والإصرار على هدفه الوحيد فى الوصول إلى السلطة.
فبعد وفاة لينين، فى الاتحاد السوفيتى، كان تروتسكى أكثر الورثة ذكاء واطلاعاً، وكان دوره فى نجاح الثورة أكثر وضوحاً من غيره، حيث قاد الجيش الأحمر بعد أن أشرف على تكوينه، وقضى على مقاومة بقايا أنصار القيصرية وحلفائهم من الجيوش الأجنبية.
وفضلاً عن ذلك فقد كان تروتسكى صاحب فكرة ونظرة شاملة. أما القنفذ- ستالين- فقد ظل قابعاً فى سكرتارية الحرب ومسيطراً على البوليس السرى وزارعاً لأنصاره فى مختلف المواقع المؤثرة.
وقد هدد أرملة لينين بألا تعلن رأى زوجها- لينين- فيه (ستالين) والتحذير من خطورته.
كذلك تحالف ستالين مع الباقين من اليمين واليسار، ثم تخلص منهم واحداً بعد الآخر، ونُفى تروتسكى إلى المكسيك، حيث قتله أحد عملاء موسكو، وظل ستالين فى الحكم لما يقرب من ثلاثين عاماً. وفى هذين المثالين نجد أن الوصول لدفة الحكم كان من نصيب الأكثر تصميماً والأضيق أفقاً، وكان الخاسر هو الأفضل علماً وثقافة بل الأكثر شرعية.
وفى مثل هذه الأحوال نجد أن الصراع السياسى كثيراً ما يؤدى إلى انتصار «القنفذ» الأكثر تصميماً والأضيق أفقاً وذلك على حساب «الثعالب» الأوسع رؤية والأرحب فكراً.
فالأول يدخل معركة حياة أو موت ولا بديل له عن الفوز، تصبح بالتالى جميع الأساليب مقبولة عنده، فالغاية تبرر الوسيلة. فلا بأس من التزوير إن احتاج الأمر، أو الرشوة إذا ساعدت قليلاً، ولا مانع من الوعود الكاذبة إذا حكمت الظروف. فهذا «القنفذ السياسى» لا حياة ولا مستقبل له بعيداً عن سدة الحكم، وبالتالى فكل شىء مباح.
أما الأطراف الأخرى من «ثعالب» السياسة فإنها، وإن سعت هى الأخرى للوصول إلى الحكم، تعتقد أن الحياة أرحب وأوسع من مجرد هدف وحيد، ولذلك فهى تتحرج من استخدام جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة، لأنها تعتقد أن هناك أموراً أخرى فى الحياة لها قيمة. «القنفذ» سيدافع عن موقعه حتى الموت، فليس له مكان آخر. فهل تتوقعون الكثير مع هذا القنفذ؟ أشك فى ذلك كثيراً. والله أعلم.
www.hazembeblawi.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.