(طلبت منى مجلة أدبية عربية أن أكتب مقالاً عن طقوسى فى الكتابة فكتبت هذا المقال: أخيراً أفقت من الوهم الذى لبثت فى كهفه سنين عدداً، لأدرك أننى لن أكون أبداً كاتباً عظيماً. الفضل فى ذلك، لمجلة عربية وقعت تحت يدى بالصدفة، أنا آسف، لا أريد أن أجد نفسى متهما بالكفر، لأننى نسبت أى فضل إلى بشر غير الله أو لأننى أؤمن بالصدفة، لذلك دعنى أقل لك إن الفضل فى اكتشافى ذلك لله، عز وجل، ثم للقدر الذى جعلنى أقرأ عند الحلاق مجلة عربية نشرت موضوعاً مترجماً عن طقوس الكتاب العظماء فجعلتنى أكتشف أننى لم أقترب حتى من أول طريق الكتابة العظيمة الذى لايزال دونه خرط القتاد. لا أعرف على وجه الدقة ما الذى يعنيه خرط القتاد، ولكننى أشعر بأنه مناسب للتعبير سيموطيقياً عما أريد توصيله إليك، مع أننى لا أعرف أساساً، من أنت، ولا لماذا أريد أن أوصل إليك شيئاً معيناً، خاصة ونحن ربما نلتقى للمرة الأولى، وربما الأخيرة أيضاً. على أى حال، إذا لم تكن تعرفنى فأنت على الأقل ستعرف بعد هذا المقال أنك كنت مخطئاً عندما انتظرت منى كتابة عظيمة، فأنا لا أملك شروطها على أى حال، والخطأ ليس فى قدراتى بل فى توقعاتك. كيف يمكن أن أكون كاتباً عظيماً كالأمريكى د. ه. لورانس، والرجل لم يكن يكتب إلا عارياً.. حسنٌ، أنا مثل نجمات الإغراء، ليس لدىّ موقف ضد التعرى طالما كان فى خدمة الدراما، لكن طاولة السفرة التى أكتب عليها تقع فى منتصف الشقة التى أسكن بها، ولست على استعداد لأن أكون قدوة سيئة لأولادى، ما الذى جنوه لكى يصطبحوا بمنظر كهذا؟ خاصة وهم فى سن صغيرة لن تمكنهم أبداً من استيعاب قول الشاعر العربى «فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم.. إن التشبه بالكرام فلاح». فكرت أن أقلد متعرياً آخر هو الفرنسى العظيم فيكتور هوجو، فأستأجر منزلاً خاصاً للكتابة أذهب إليه مثل هوجو كل صباح، ثم أطلب من خادمى أن يأخذ معه كل ملابسى ولا يعود إلا ليلاً، بعد أن أكون قد أنجزت كتابتى العارية، لكن لنفترض أننى وجدت خادماً هذه الأيام بسعر معقول وتعامل مع طلبى بنية سليمة، من الذى يضمن لى أنه لن يصورنى عارياً ويبيع صورى لمواقع الرعب على شبكة الإنترنت؟! تعرى هوجو أكثر منطقية بالنسبة لى من طقوس فرنسى عظيم آخر هو فولتير، الذى كان يجمع كل أقلامه الرصاص ويقوم بتكسيرها ولفها بورقة ثم يضعها تحت وسادته وينام، وعندما يستيقظ يجد الإلهام يتدفق عليه بغزارة، المشكلة أننى أكتب على الكمبيوتر منذ زمن بعيد، ولا أجرؤ على الاقتراب من أقلام الرصاص التى تستخدمها ابنتى الصغرى، لأنها، عندما أفعل، تضربنى بالقلم على وجهى، ولذلك اكتفيت بطقطقة أصابعى ووضعها تحت الوسادة التى أنام عليها، ومع ذلك، أو ربما بسبب ذلك، لم ينزل أبدا علىّ الإلهام الذى نزل على فولتير. للأسف، لن أستطيع أن أقتدى بالأديب النرويجى إبسن الذى كان يضع أمامه صورة للأديب استرندبرج أعدى أعدائه، لكى يستمد من كراهيته شحنة تدفعه للإبداع، فزوجتى لن يرضيها أن أضع أمامى أثناء الكتابة سوى صورتها، بوصفها ملهمتى وامرأة حياتى، ولو فرضنا أننى وضعت صورتها أمامى، فمن يضمن لى أن نسخة المجلة العربية لن تقع بين يديها يوما ما، فتظن أننى أحبها حب إبسن لاسترندبرج؟! الأيرلندى العظيم صمويل بيكيت لم يكن يكتب إلا وهو جائع تماما، أعشق بيكيت لكن من جَرّب الجوع إجبارا مثلى، يصعب عليه أن يجعله اختيارا ولو كان من أجل خاطر عيون الكتابة. الأمريكى المدهش إدجار آلان بو، لم يكن يكتب إلا وهو يحمل قطا على كتفيه، ليست لدى مشكلة أن أحاول إنهاء عدائى التاريخى مع القطط، التى طالما زاحمتنى على وجباتى فى مطاعم المحروسة، لكن حتى لو اقتنعت بحمل قط على كتفى وأنا أكتب، هل سأجد قطا مصريا يقتنع بحسن نيتى؟ بصيص الأمل الوحيد لاح لى، عندما قرأت أن الروائى الكولومبى جابرييل جارثيا ماركيز، لم يكن يكتب إلا وهو يرتدى لباسا أشبه بلباس الميكانيكية، وهذا أمر مقدور عليه، إذ تقبع تحت بيتى ورشتان للميكانيكا وسمكرة السيارات، لكن هل سأنجح فى إقناع أحد من أسطواتها ضخام الجثة بأهمية الانحياز للآمال التى يعلقها الأدب العالمى على شخصى السمين؟، مستوى كتابتى فى الفترة القادمة هو الذى سيكشف لك ذلك). [email protected]