فى إحتفالنا بعاشوراء وجب علينا أن نقف وقفة مع النفس البشرية فى تذكرها لتلك اللحظة التاريخية فى حياة البشرية تلك اللحظة التى نجى فيها نبى الله موسى وأتباعه من علو فرعون وطغيانه وكان موسى وأتباعه على مرمى البصر من فرعون وقومه وكان عازما على القضاء على موسى قضاءا مبرما هو ومن معه من بنى إسرائيل و لقد حانت الفرصة السانحة لفرعون للقضاء وبشكل نهائى على موسى الذى هز عرش فرعون وفضح أكاذيبه و أراجيفه ليس امام موسى فرصة للهرب فالبحر من أمامه وفرعون وجنده من ورائه لحظة تضطرب فيها مشاعر النفس الإنسانية و تهتز و بدأ بنى إسرائيل يشعرون بالخطر يقترب منهم أكثر فأكثر إلى أين يلتمسون النجاة ليس أمامهم سوى أن يدخلوا البحر فيغرقون فيه أو يبقون على البر فيقضى عليهم فرعون القضاء المبرم فيشبع فيهم تقتيلا و ذبحا حتى لا تقوم لهم قائمة بعد اليوم وينتهى موسى إلى الأبد هو وأتباعه ويستمر إستعلاء فرعون فى الأرض وإستكباره و يفسد فيها ويهلك الحرث والنسل لدرجة أن أصحاب موسى من خوفهم وفزعهم قالوا لموسى إنا لمدركون أى إننا أصبحنا فى مرمى بصر فرعون لا نجاة ونحن نعلم نيته المبيتة فى إبادتنا و تدميرنا فهو لن يرتاح حتى يرى بحور الدم تنزف من أجسادنا وتخرج أرواحنا إلى بارئها ولكن موسى النبى الواثق بوعد الله له المتيقن من أن الله لن يضيعه و أن لحظة العدل الآلهى حان وقتها لتخرج للنور و عندما تنتهى بنا أسباب النجاة الأرضية تتدخل أسباب السماء الالهية لتفصل فى الحكم بين الحق والباطل بين النور والظلام فقال بثقة متناهية فى أن المدد الالهى قادم لا محالة لينتصر العدل على الظلم والطغيان كلا إن معى ربى سيهدين كلا لن يدركنا الظلم و الإستعلاء مرة أخرى وسينتهى عصره على الرغم من أن كل الظروف والملابسات تقول غير ذلك و على الرغم من قرب الظلم و دونه من الحق وإقترابه أكثر فأكثر ليقضى عليه ولكن توكل موسى على الله بعد أن نفذت من يد موسى كل الأسباب الأرضية فشعور موسى القوى يوحى إليه بان إنتصار الحق ظاهر جلى على الرغم من أن كثير من الناس يغيب عنهم ذلك وأن التفكير البشرى قاصر كتفكير أتباع موسى فى تلك اللحظة لأنهم لم ترتقى عقولهم و قلوبهم إلى أن الفعل الآلهى دائما يتدخل لنشهد مشهدا آخر من مشاهد القصة الإنسانية لأن الله جل علاه أراد لموسى وأتباعه إنقاذهم من براثن الظلم والعدوان الذى عاشوا فى ظله سنين طويلة من إستعباد فرعون لبنى إسرائيل وقتل الأطفال الذكور وإستحياء النساء أى الحفاظ على حياتهم من أجل إستخدامهم فى خدمة الفراعنة عن طريق سياسية القهر و الإستغلال و الإستعباد فأراد لهم الله فصلا جديدا من الحياة معجزة خرقت الأسباب الطبيعية فى لحظة تشهدها الإنسانية كل يوم عندما نتلو القرآن الكريم ونرى فيه تلك القصة العظيمة لرحمة الله بالبشر المستضعفين فى الأرض و الإنتقام من كل جبار متطاول على الناس يدعو لنفسه ما ليس فيه فكان حادث إنفلاق البحر وكان كل فرق كالطود العظيم شئ عظيم يضرب موسى بعصاه البحر بأمر من الله فيحدث مثل ذلك المشهد العجيب أعبر يا موسى وقومك لقد تحول البحر إلى طريق ممهد لتسير عليه و تهاجر من تلك الأرض و تتلقى بعد ذلك الرسالة السماوية التى أرادها الله لموسى وأتباعه فكانت صورة مذهلة مبدعة لا يمكن أن تتكرر فى حياة البشر وعبر موسى وقومه بأمان وسلام إلى الشاطئ الأخر كان من الممكن أن يأمر الله البحر إلى سابق عهده قبل أن يخوض فيه فرعون وأتباعه و لكن إرادة الله جعلت الفرق كالطود العظيم قائما حتى يصبح ذلك إغراءا لفرعون وقومه على خوض البحر فكان فرعون غبيا لا يرى سوى القضاء على موسى و لم يرى أن الله يستدرجه من حيث لا يعلم ويستدرجه من حيث هو يسعى فهو يسعى لكى يقضى على موسى فما زال البحر منفلقا أمامك فأدخل فيه لكى تحقق هدفك المنشود وأملك المعقود وتقتل موسى وترتاح إلى الأبد منه فدخل فرعون و جنوده إلى هذا الطريق المغرى الممهد للقضاء على موسى و هو مصر ولم يتراجع عن قراره فى طلب موسى حتى ان أصبح فى وسط الطريق فلا رجعة ترتجى مرة أخرى إلى البر فأمر الله سبحانه و تعالى البحر أن يعود إلى سابق عهده ليغرق فرعون ومن معه مفأجاة لم يكن يأخذها فرعون فى حسبانه قدرة الله عليه وانه لاحول ولا قوة أمام قوة الله وكان يريد فرعون توبة زائفة توبة فى الوقت الذى لا تنفع فيه التوبة عندما أدركك الموت و هو عين اليقين أين أنت عندما كنت فى رغد من العيش الهنيئ وسعة من الرزق والعمر الذى منحك الله فسهامك قد إستنفذت عند الله لأنك إستخدمت عمرك فى الظلم والجور على عباد الله بل تجرأت على الله وقلت أنا ربكم الأعلى أليست النتيجة الحتمية لك و لمن هو على نفس شاكلتك أن ينتقم الله منهم على إختلاف طرق الإنتقام لينتصر الله منهم لصالح المتستضعفين فى الأرض ويشعر كل مظلوم فى هذا الكون أن الله لا يرضى لعباده الظلم وأن نهاية كل ظالم الغرق فى ظلمه فى الدنيا و الآخرة لأن الظلم ظلمات يوم القيامة ودعوة المظلوم لا ترد رسالة عاشوراء إلى كل المستضعفين فى الأرض أن الله سوف ينتصر لكم مهما طال الزمان ومهما تمادى الظالمون فى طغيانهم ولكن عليكم الوقوف ضد الظلم كما فعل موسى وهارون عندما وقفوا أمام فرعون لينتهى عن ظلمه ويعود إلى الله ولكنه أبى وإستكبر وإستمر فى طغيانه وجبروته فآتاه الله من حيث لا يحتسب فقضى عليه وعلى إسطورته وجعل جسده آية موجودة بيننا حتى هذه اللحظة عبرة لك حاكم ظالم يظلم شعبه ويحاول أن يحافظ على سلطانه فى الأرض على الرغم من عدم رضا الناس عنه و عن دولته فليفكر ويتمعن فى تلك اللحظة الإنسانية التى يصوم فيها المسلمون كل عام إحتفاءا بإنتصار العدل و الحق على الظلم والباطل ولتكن لدينا دائما ذاكرة متجددة تعى الأحداث و نستخلص منها العبر والدورس لكى ننهض بأمتنا إلى طريق الخير والصواب حتى لا ننسى هويتنا و تاريخنا الخالد المجيد عبر مسيرة الحضارة الإنسانية الطويلة فقصة الحضارة لم تتنهى بعد والعداء بين الحق والباطل طويل و مستمر ولكن الإنتصار فى النهاية للحق مهما علا الباطل لأن إرادة الله فى غلبة الحق و دحر الباطل تلك هى العبرة الكبرى التى نستخلصها فى ذكرى عاشوراء