يتم تقرير مصير جنوب السودان إما بالانفصال أو الوحدة مع الشمال فى استفتاء 9 يناير 2011 المقبل. والتوقعات تشير إلى أن أبناء الجنوب السودانى سيختارون الانفصال وقيام دولتهم المستقلة بأغلبية كبيرة.. هذا الانفصال سوف تكون له آثار وخيمة على السودان وعلى مصر وعلى أفريقيا. هناك عدد من القضايا الملتهبة يحتاج إلى بحث وحسم.. أكثر هذه القضايا حرجا وحساسية هى قضية منطقة أبيى.. تلك المنطقة الغنية بالنفط التى ينذر الخلاف حولها بتحولها إلى ما يشبه قضية كشمير بين الهند وباكستان، ثم قضية ترسيم الحدود، وأوضاع الجنوبيين فى الشمال بعد الانفصال، ومصير علاقات 132 قبيلة مشتركة بين السودان والدول التى تحيط بها، ثم قضايا الديون، والأصول المشتركة، ومياه النيل. والسؤال الذى يطرح نفسه هو: ما السيناريوهات التى يواجهها السودان بحلول 9 يناير؟ وما موقف مصر فى كل احتمال؟.. خاصة أن دولة الجنوب الوليدة إذا قامت ستكون الشريك الثالث مع مصر والسودان الشمالى فى وضع دول مصب نهر النيل. وما الدور المصرى الواجب لاحتواء تداعيات هذه الأزمات فى السودان وحوض النيل وأفريقيا؟ وما مستقبل العلاقات المصرية -السودانية فى ظل هذه الأوضاع الخطيرة؟ وكيف سيتم التعامل مع هذا الموقف الجديد. لا شك - أن تخطيط الاستعمار الإنجليزى بتقسيم الجنوب عن الشمال فى السودان.. هو الذى أوجد بذور الانفصال.. وقد أكدت هذه الفكرة الحكومات المتتالية.. وتوَّجها بعد ذلك الرئيس الراحل جعفر النميرى بحكاية الدولة الدينية. وعلى الرغم من معرفة مصر بالحقائق السودانية.. فإن الجهود المبذولة فى هذه القضايا الساخنة العاجلة.. قد عطلت أحيانا عن التدخل لاحتواء الجنوب والشمال معا.. ولاشك أيضا - أن مصر والعرب كان عليهم تفهم حقيقة وطبيعة الأوضاع فى جنوب السودان أكثر من ذلك.. كان يجب أن تمتد الأيادى المصرية لاحتواء الجنوب بدلا من تركه فريسة سهلة لإسرائيل أو غيرها من القوى المعادية للعرب. والسؤال هنا: هل ضاع الوقت وخرجت رصاصة الشر والمر؟ وما علينا إلا انتظار مأساة جديدة لجذور مصر وعمقها الاستراتيجى.. تسمى تقسيم السودان ونشوب حرب أهلية فيه.. أم أن الدراما السياسية ستترفق قليلا ويتغير مسار الأحداث.. وينتبه أبناء الوطن الواحد لكرة النار التى ستعصف بالجميع. هذا الانفصال لن يجلب أبدا الاستقرار الذى تؤكد عليه الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض دول أوروبا!! خاصة أن أمريكا لها تجارب ناجحة فى هدم الدول وتفتيتها.. والدليل على ذلك ما فعلته أولا فى الصومال ثم أفغانستان وأخيرا العراق.. وهل أمريكا تسعى الآن للدخول فى معركة مع الصين على ساحة استنزاف البترول السودانى، خصوصا أن الصين قد وفقت أوضاعها مع الشمال والجنوب فى آن واحد. وقد علقت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون بأن انفصال جنوب السودان أمر «حتمى»!! واصفة الوضع هناك بأنه قنبلة موقوتة!! وقد تنبأ تقرير لخبراء دوليين نشرته شركة فرونتير إيكونوميكس للاستشارات فى نوفمبر الماضى بأن تكلفة عودة الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه إذا ما قرر الأخير الانفصال، نحو 100 مليار دولار.. وأن التداعيات الاقتصادية ربما تتجاوز كل الحدود.. بالإضافة إلى أن السودان سوف يخسر نحو 50 مليار دولار من الناتج المحلى الإجمالى إذا ما نشبت الحرب، ويقدر الخبراء فى هذا التقرير أيضا أن يخسر اقتصاد السودان من توقف إنتاج النفط إذا نشبت الحرب الأهلية نحو 10 إلى 20 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى بما يعادل ما بين 6.5 مليار و13 مليار دولار عام 2011. ويبقى الحلم فى أن تتحقق نبوءة العراف السودانى الأشهر «بله الغائب» بأن أهل الجنوب سيصوتون لصالح الوحدة. ترى هل يمكن أن تسارع الدول العربية بخطوات سياسية مدروسة وحاسمة لتحقيق نبوءة العراف؟ خصوصا أن هذا العراف هو من تنبأ بظهور البترول فى الأراضى السودانية عام 1997 وتحققت تلك النبوءة بعد عامين. هل يمكن أن نرسم الطريق لتحقيق نبوءات بشكل علمى وجاد؟ [email protected]