اذهب.. يا أبى

المشهد: «الأب الغائب منذ مولد الطفل يدخل عليه ويحتضنه ثم ينظر إليه.. ويرحل إلى الأبد دون أن يكلمه ولو مرة واحدة».
«لم أعرف فى ذلك اليوم– يقول الابن- سوى صوت الألم يسير متجولاً داخل قلبى، يبتاع منه ما يشاء مما أملك؛ مما بقى لى، ولم أسمع خطى ذلك الرجل مذ دق الصبا قلبى، لم أعرف سوى قلبه، لم أعرف سوى حزنه وهمه، كان شعوره ملازماً لشعورى الأليم لذا فقد كان الحزن والهم والألم جامعاً كفؤاً لنا، هل حق القول أن أراه اليوم وقد أصبح عمره ستة وأربعين عاماً، ادخل يا أبى، أدخليه يا أمى فكم اشتقت لرؤية ذلك الوجه الدافئ الحزين، نبضى يتسارع.. إنه يقترب».
دخل على ولم ننطق بكلمة حتى رحل، ولم أدر سوى بنفسى فى أحضانه، يا لقسوة الحياة؛ صنفى لى تلك اللحظات الهانئة، وهل قررت مشاعرنا المتدفقة أن تتوقف عند ذلك الحد، يا أبى ما هذا الغياب البعيد، ويا حياة ما هذا التلاعب، وهل قررت الحرب اللعينة التى أدارتها إسرائيل والشيطان الأكبر المصاحب لها، أن تحرمنى من أبى، أن تجعلنى أراه مرة واحدة دون صدى لها دون حتى أن نتحدث أو ينطق الكلام أمامنا، أشكرك شكراً جزيلاً، فلترحلى يا.
حرب الفناء، إن كنتِ تستحلين أخذ جواهر نفيسة لنا ولا تعيديها لنا سوى أشلاء لا تعرفين قيمتها عندنا، تحبين النفيس من المال والجاه ويحبها أشلاء البشر المنعمين فى نعيم القصور، هم أشلاء وجواهرنا أشلاء، وإن كان البعض قد نقص منه شيئاً، فقد فقدوا هم- أبناء هذه الأرض وملحها- أهم شىء وهو قلب نابض بحب الله، وآخرون أشلاء فقدوا شيئاً لا أهمية له عندكم.. الحياة، ربما لن تقرأوا، ربما إيذانٌ هو بالرفض، سيفارق بعضنا البعض ويرحل؛ إذاً القصة قد انتهت وتتراقص شاشة العرض رفضاً لذلك الفيلم، التذكرة غالية؛ أقل من دمنا الواحد لا يكفيكم؛ وأقل من دمائكم المتفرقة...لم يعد يكفى. عد يا أبى من حيث أتيت؛ إنى أفخر بك، فربما لا نتقابل ثانيةً، عد يا أبى من حيث أتيت وخذ معك الكرامة كل الكرامة، اذهب يا أبى وضع لنا.. وأمامنا.. حق الغضب، ارحل يا أبى وأحزم أمتعتك، انتظرك وقت النصر وإن طال، يوم القصاص وإن بعد، اذهب يا أبى لعل رباً كريماً يجمعنا فى جنة النعيم».